تقوم رواية "حبتان من القمح ( ثنائية الحب والحياة في مدينة الأنبياء) "على تتبع يوميات الطبيب و حسام بعد أن أنهى الدراسة الجامعية و تخرج طبيبا بعد سبع سنوات، و أراد العودة بحرا من الأستانة إلى بيروت ثم الشام فالقدس، "الأستانة، يوم الجمعة 11 شباط 1151م ضحك صديقي يونس وقال لي ساخرًا كعادته : -لا تحاول يا َ طبيب القلوب! حتى لو ملأتَ رئتيك بهواء البحر ونفخت في الأشرعة فإنك لن تستطيع أن تدفع السفينة في البحر شربًا واحدًا! رمقتُه بنظرة استنكاركعادتي عندما يسخر من أفكاري الجامحة في الخيال.. قلت له بجدية أكبر -يا فضيلة القاضي الذي لم يصبح بعد قاضيًا، إن مصلحتي ومصلحتك أن تقلع سفينتنا إلى بيروت سريعًا، فأنت وأنا لم نرَ ذوينا منذ سنوات عدة، لقد بلغ الشوق فينا للقاء الأهل حدًّا لا يُطاق...." هكذا وطنت الرواية زمانيا ومكانيا حتى تضع القارئ في الإطار التاريخي للوقائع و الأحداث. و تتبعت الرواية الأحداث تصاعديا زمنيا و في أحيان كانت تعود للماضي على سبيل الاستحضار أو التذكر أو الاسترجاع أو الحنين ليتواصل السرد و تتدفق الحكاية بشكل رومانسي لا تأزم فيه كالأحلام الوردية؛ سفر و لقاء وعمل و حب و زواج في سعادة مطلقة ، ليكتشف الكاتب أن عليه أن يربط حكايته بالواقع ابتداء من الصفحة 333 - حسام.. أنت أتيت إلى القدس أرض عبادة.. أليس كذلك؟ - صحيح. - ولأن فيها جذورك وذكريات طفولتك وعائلة والدتك... – - صحيح أيضًا. - وشاء القدر.. القدر وحده أن تجد غرفة تنزل فيها عندنا في بيتنا. - ذاك َ قدَري الجميل. - وشاء القدر أن يكون في هذا البيت فتاة اسمها ماريا... - وهذا َ قدَري الأجمل على الإطلاق.."، ليعلنالراوي فيما بعد عن وجود أعداء لا يغفلون عنا و لو غفلنا عنهم، ثم يكشف لاحقا عن وجود جاسوس من دون مبرر فني أو جمالي و يضحي بميخائيل و مساعده بركات، و يعلن عن من قتل أم حسام و أخته بحثا مخططات المدفع الذي اخترعه والد حسام. تندرج هذا الرواية ضمن استراتيجية الكتابة بوصفها حفرا في الذاكرة حتى لا تموت القدس و لا تضيع، فهي أكثر من مرجع و ذكرى و حنين، فالقدس أرض عبادة و جذور و ذكريات الطفولة و العائلة و الوالدة، و من سعت الرواية إلى الجمع بين قبة كنيسة القيامة و قبة الصخرة بالزواج بين مارية المسيحية و حسام المسلم الذي يرى مارية و القدس معا حبتان من القمح مزروعتان في ثرى قلبه، و قد أطعم بيده الكثير من الناس. بناء الرواية خطي يسير في اتجاه مسالم ودي و حبي لا يتأزم الوضع، ليرافق ما عرفته المنطقة من أهوال و تبعها من أحداث و تغييرات و احتلال و غصب للأراضي، و تفرج الرواية عن مثل هذا النضج و الوعي إلا في نهايتها و تعلن عن وجود الجاسوس و عن سر قتل والدة حسام و أخته. توضح الرواية أن الأحداث و الشخصيات هي من وحي الخيال وإن وقع توافق بينه و بين الواقع فهو من باب التشابه ليس إلا، ثم تأتي بتصدير و تعرض المحتويات و كأننا أمام عمل أكاديمي أو كتاب لا أمام عمل إبداعي، و قد بلغ عدد عناوين أجزاء هذه الرواية 92 عنوانا فرعيا فظهر العمل مهلهلا على الرغم من أنه تتبع السرد الخطي غير المتداخل أو المتشابك من البداية إلى النهاية بطريقة كلاسيكية.و جاء العنوان الفرعي : ثنائية الحب و الحياة في مدينة الأنبياء ليفقد العنوان حبتان من القمح بعضا من الشعرية و تجاوز المألوف و المعتاد. و يمكن إدراج هذا العمل ضمن أدب البحر( littérature de naufrage ). إن لغة الرواية جاءت مناسبة لهذا السرد الرومانسي الذي يقوم على أحلام وردية بالملاطفة و المجاملة و التودد و الحبية و الغزل ، فلا زعل أو غضب أو انفعال و هيجان أو هجران، مسكين حال العرب في منتصف القرن التاسع عشر .