لقد بات لزاما على الجامعات الجزائرية أن تتوفر على الكفاءات والمخابر والإمكانيات بالقدر الذي يمكنها من المساهمة في تطوير ومواكبة التكنولوجيا الحديثة والتحكم في أبجديات الرقمنة؛ إذ رغم أن الرقمنة هي مجرد تقنية الكترونية لتحويل الملفات والصور والأجسام إلى إشارات تماثلية يمكن لقارئ إلكتروني إعادتها إلى صورتها الأصلية, إلا أنها أصبحت عملية لا غنى عنها في عصر الحكومات الإلكترونية من أجل القضاء على البيروقراطية وتقريب جميع الخدمات للمستخدمين وللمتعاملين المستعملين لهذه التقنية التي تتميز بعدة مزايا منها على وجه الخصوص الحفاظ على الوثائق النادرة مع إمكانية عرضها للباحثين و إظهار التفاصيل وإمكانية التكبير وتحسين الوثيقة و سهولة البحث بحسب الموضوع وسرعة الاسترجاع وسهولة الاستخدام والاقتصاد في مساحة التخزين, وقد أكد مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس, أن أهم ميزة للرقمنة أنه يمكن زيادة حجم استيعابها دون الحاجة إلى حيز أكبر. وهذا يعني أن كيفية توظيف هذه التقنية, هي التي تحدد أدوارها سلبا وإيجابا في جميع مجالات النشاط البشري حاليا والآلي في مستقبل نراه بعيدا ويراه علماء الثورة الصناعية الرابعة قريبا عندما يصبح منتوج الذكاء الاصطناعي واقعا لا مفر منه. فالإمكانات التي تكاد تكون غير محدودة, المتاحة بفضل الرقمنة , سمحت بتخزين كم هائل من المعلومات و البيانات والصور والوثائق والكتب والموسوعات و شتى المعارف التي أنتجها الفكر البشري في مختلف الميادين و الحقول العلمية , مع سهولة و سرعة الوصول إليها و الإفادة منها مجانا في معظم الأحيان, بل والمساهمة في إثرائها بما تجود به قريحة المستخدم . وبالتالي فإن الحياة اليومية بشتى تلوناتها وتعدد فاعليها , وتنوع نشاطاتها و اهتمامات أصحابها, واختلاف ثقافاتهم وأهدافهم, وتباين مواقفهم وآرائهم, كل ذلك لا يمثل إلا غيضا من فيض ما توفره الرقمنة للطامحين في تحسين وضعهم المهني, الاجتماعي, المالي, التعليمي, الثقافية وهلم جرا من مجالات النشاط البشري لا يمثل التحسيس والتوعية والتعاون والتواصل المهني أو العائلي أو العلمي فيه إلا جزئية بسيطة من نماذج وأمثلة للاقتداء, ومناهج للسلوك تتكيف بحسب الأوضاع و الحالات. ولا شك أن تجارب البشرية بمعاناتها جراء جائحة كورونا فيروس, بكل جزئياتها وتفاصيلها الشخصية, العائلية, الفئوية, القومية والعالمية, ستضاف إلى الذاكرة الرقمية الإنسانية لاستغلالها مستقبلا في وأد الجوائح المماثلة في مهدها, ما دام بيل غيتس نفسه توقع لبلاده أنها : "قد لا تكون آمنة تماما من مخاطر فيروس كورونا حتى خريف 2021" أي بعد إنتاج لقاح ضد الوباء لكنه كان أكثر تفاؤلا بالمستقبل عندما أكد: "أن العالم لن يواجه على الأرجح - وباء آخر بعد فيروس كورونا لأن الدروس المستفادة حول الاختبار والمراقبة والحلول الطبية الممولة دوليا الجارية الآن للاستجابة للأزمة الحالية سوف تكون قادرة على احتواء مسببات المراض البشرية في المستقبل قبل أن تصل إلى النطاق العالمي والمأساوي للازمة الحالية..." ولا شك أن الفضل في ذلك يعود لتقنيات الرقمنة ومشتقاتها وتطبيقاتها التي لا حصر لها شريطة امتلاك مفاتحها العلمية والتكنولوجية.