يشرّح الخبير الاقتصادي الدكتور حسين بن عالية في هذا الحوار الذي خص به الجمهورية، واقع المشهد الاقتصادي في ظل تداعيات وباء كورنا، الذي كبد المؤسسات الوطنية والعالمية خسائر فادحة، حيث يرى بن عالية أن تجاوز الانعكاسات السلبية لهذه الجائحة، التي أفرزت أزمات اقتصادية و اجتماعية، لن يكون إلا على المديين المتوسط والبعيد. - امما لاشك فيه أن كوفيد-19 يضرب بقوة الاقتصاد العالمي، هل الاجراءات التي اتخذها الدول المتضررة من تداعيات هذا الفيروس، ستمكنها من احتواء هذه الأزمة ؟ - الإجراءات المتخذة من طرف جل دول العالم تتشابه في معظمها، تختلف فقط في التركيبة الاقتصادية لكل دولة ، لكن فاتورة هذا الوباء كبيرة جدا على أوروبا و الاتحاد الأوروبي الذي تعيش معظم دوله، خاصة المتضررة جدا مثل إيطاليااسبانيا و فرنسا حالة عجزا ماليا بسبب تضرر شركاتهم بشكل كبير، مما استعجل بالإعلان بالإفلاس لعدة مؤسسات اقتصادية أوروبية من اجل إما جدولة ديونها أو بيعها . وأحيانا الغاء أو تأجيل تحصيل البنوك لكل هذه الدول للفوائد على كل القروض الممنوحة سابقا للأشخاص الطبيعيين و المؤسسات الاقتصادية المتضررة من أزمة كورونا هو اجراء للحماية الاجتماعية للأسر و حماية مالية مؤقتة للمؤسسات الاقتصادية و المالية. لكن ضخ كمية نقدية من الاتحاد الأوروبي أو الولاياتالمتحدةالامريكية، يمكن و مؤكد أنها ستشكل مشاكل اقتصادية أعمق في الأشهر المقبلة، كون أن المؤسسات الاقتصادية غير منتجة و بالتالي سيولد ظاهرة التضخم المالي لاقتصاديات هذه الدول و انعكاساتها تشمل كل العالم . بالنسبة لبعض رجال المال و الاعمال و الدول تنتهز هذه الفرصة لشراء اسهم الشركات العالمية التي هوت و هبطت أسعارها. لكن هذه الإجراءات لا تكفي الدول المتضررة على تخطي تداعيات فيروس كورونا في الاجل القريب و سيشكل أزمات اقتصادية و اجتماعية بكل أنواعها للدول الأوروبية و أمريكا في السنوات الثلاثة القادمة، وستتخطى هذه الدول هذا المشكل المالي في الاجل المتوسط و البعيد. - كل الاجراءات الاستعجالية والظرفية التي اتخذتها معظم هذه الدول، من أجل إنقاذ مؤسساتها الاقتصادية من الانهيار تكاد تتشابه، بما فيها التدابر التي أقرها بنك الجزائر، لماذا ؟ وهل هي كافية لعبور هذه المرحلة العصيبة ؟ فعلا اتخذ بنك الجزائر كبقية بنوك العالم جملة من التدابير الاستثنائية والمؤقتة خاصة بالوضع الاستثنائي من جانبين الأول مالي، بعد تدهور سعر البترول وانعكاساته على الخزينة العمومية للجزائر و إيقاف نشاط تمويل عدة قطاعات، والثاني متعلق بتسهيل التوطين البنكي لعمليات الاستيراد المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا من أدوية و أغذية و مستلزمات طبية، وكل القائمة من المواد و اللوازم التي تم ضبطها من طرف المنظمة العالمية للصحة و المنظمة العالمية للتجارة، بالتنسيق مع المنظمة العالمية للجمارك، لكن التدابير شهدت نوع من التأخر بالنسبة لبنك الجزائر . لكن السؤال المطروح بالنسبة لوزارة المالية – لماذا لم تتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على أفضليات الاقتراض بدون فوائد للدول المحدودة الدخل مثل الجزائر، بعد عرض الصندوق لكل الدول المتضررة من هذا الوباء قروضا بدون فوائد، عوض استعمال احتياطي الصرف لتغطية النفقات الاستثنائية جراء وباء كورونا، هذا هو الخطأ الذي وقعت فيه وزارة المالية وبالتحديد بنك الجزائر. لقد تم اصدار التعليمة رقم 05-2020 مؤرخة في 6 أفريل الماضي من طرف محافظ بنك الجزائر، وتتعلق بالإجراءات الاستثنائية لتخفيف بعض الأحكام الاحترازية المطبقة على البنوك والمؤسسات المالية، من أجل السماح لهذه الأخيرة برفع قدراتها التمويلية تجاه المؤسسات الاقتصادية، وهو اجراء متأخر نوعا ما لكن سيسهل على المؤسسات الاقتصادية و يشجعها على تحدي الصعوبات المالية التي جاءت جراء وباء كورونا، كما تتضمن هذه العليمة أمر لكل البنوك و المؤسسات المالية أخذ تدابير لمواصلة التمويلات للزبائن المستفيدين من تأجيل تسديد القروض، أو إعادة جدولتها. بالإضافة إلى تخفيض الحد الأدنى لمعامل سيولة البنوك والمؤسسات المالية، لرفع مستوى التمويلات. و تشمل الاجراءات، إعفاء البنوك والمؤسسات المالية من إجبارية تكوين وسادة الأمان المقتطعة من أموالها الخاصة، أي التخفيف من اجراء الضمانات على القروض لكن حددت نوعيتها و المؤسسات التي ستستفيد من هذا الاجراء الاستثنائي في نصوص تنظيمية للبنوك و المؤسسات المالية، و أرى ان هذا الاجراء جاء في وقته و يمثل تصحيحا ظرفيا لقانون النقد و القرض 90-10 . - بعد الانهيار غير المسبوق لأسعار النفط، أخيرا اتفق تحالف "أوبيك +" على تخفيض انتاجه ب 10 ملايين برميل يوميا، كيف سيؤثر هذا على الاقتصاد العالمي، لا سيما الوطني في ظل جائحة كورونا ؟ - بالنسبة لتهاوي أسعار البترول أعتقد أن العربية السعودية سببا قويا لذلك مع التعنت الروسي الذي هدفه منح امتياز للشركات الأمريكيةوالصينية لشراء أكبر مخزون بسعر منخفض جدا ، لأنه كان من الممكن تفادي هذا السيناريو بعد اجتماع الأوبيك في شهر مارس الماضي و كانت توقعاتنا انتعاش لأسعاره في أواخر شهر مارس ، و لو لم هنالك اجتماع للمنظمة و خضع سوق النفط لقانون العرض و الطلب لاستقرت الأسعار في حدود 40 الى 45 دولار للبرميل أواخر شهر مارس كون مصنع العالم الذي هو الصين تعافى بشكل كبير و بدأت مصانعه في العمل و بالتالي الطلب سيرتفع. لكن بعض اللوبيات العالمية خلقت هذه الأزمة لتعمق خسائر الدول المالية و منها الجزائر. أما خفض الإنتاج العالمي للنفط من طرف دول أوبيك و غير أوبيك جاء اثر الانهيار المالي لبعض الدول المنتجة للبترول و مكن من رفع الأسعار و سترتفع أكثر في الأسبوع الحالي ، لكن الارتفاع الحقيقي للأسعار سيكون بعد تعافي الدول المصنعة من وباء كورونا خاصة الصين و أوروبا و أمريكاالشمالية. و أتوقع وصول الأسعار الى مراحل قياسية لم تشهدها من قبل لعاملين أساسيين هما : الأول هو كثرة الطلب على العرض ، و الثاني لإخراج اللوبيات العالمية التي اشترت مخزون كبير بسعر منخفض لبيعه في الأسواق العالمية، لكن بالنسبة للجزائر يجب صنع قرار حقيقي لنقل اقتصادنا من اقتصاد مبني على ريع البترول الى اقتصاد متنوع.