الحمد لله رب العالمين والعاقبة الحسنى لعباد الله المتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : فقد تعدّدت أشكال الطاعات والنوافل التي يؤديّها المسلم للتقرّب لله تعالى، ومن ذلك صلاة التهجُّد، وصلاة القيام، والتهجُّد هو إحياء الليل بالصلاة النافلة خاصَّة، ويكون بالاستيقاظ من بعد رقود أو نوم، في حين أنَّ القيام يكون بالصلاة وغيرها كالذكر، والتسبيح، والاستغفار، وقراءة القرآن الكريم، ولا يشترط فيه القيام من بعد نوم فقد يكون من بعد صلاة العشاء مباشرة، بينما يصلي المتهجد ركعتين ركعتين متى استيقظ، إلى أن يختم بصلاة الوتر قبل دخول وقت الفجر، وقد حثَّ القرآن الكريم على التهجد والقيام، فقال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ هذا بالنسبة للتهجُّد، أمَّا القيام فورد في آيات عدَّة منها قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ وهذه فيها أمرٌ بالقيام المقترن بالذكر والتسبيح، فجاء الأمر بالتسبيح في أدبار السجود، أي بعد صلاة القيام، وهناك فضل عظيم لصلاة التهجُّد في رمضان. حُكم صلاة التهجُّد ودليل مشروعيّتها: صلاة التهجد سُنّة؛ حيث ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (أَحَبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داودَ، كان يصومُ يوماً ويُفْطِرُ يومًا، وأَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ، كان ينامُ نصفَ الليلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، وينامُ سُدُسَهُ) فضل صلاة التهجد في رمضان صلاة التهجُّد في رمضان يجتمع فيها خيران عظيمان، خير التقرُّب إلى الله بالتهجُّد والصلاة في رمضان، حيث يضاعف أجر الطاعات في رمضان إلى أضعاف مضاعفة فشهر رمضان له ميزة خاصَّة في الذكر، والدعاء، وسائر العبادات، فالنافلة فيه تعدل فريضة فيما سواه من ناحية الأجر والثواب. أدلة فضل التهجد إنَّ لصلاة التهجُّد فضل عظيم في الإسلام يظهر من خلال نصوص القرآن التي وردت بذلك، والتي تضمَّنت ذكر لمنزلته وفضله وقيمته، فمن ذلك: .استحقاق المقام المحمود عند الله سبحانه حيث ذكر الله سبحانه معللاً أمره لرسول صلى الله عليه وسلم بقيام الليل: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ ومعروف أنَّ قيام الليل في بدايته كان فرضاً في حق الرسول صلى الله عليه وسلم . استحقاق الثناء من الله سبحانه كما ورد في قوله تعالى: ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ . استحقاق الأمم التي سبقت الإسلام المدح والثناء من الله سبحانه لقيامهم الليل، قال تعالى: ﴿مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ الله آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ . استحقاق المسلم الذي يحافظ على قيام الليل دخول الجنَّة، بعد أن استحقَّ وصف العبوديّة للرحمن، وهي نسبة تشريف لهم، قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ .مدح الله من يحافظون على الصلاة والقيام بأنّ علامات الصلاح بادية على وجوههم من كثرة تقربهم لله بالقيام، قال تعالى: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ . موافقة الوقت الذي حثَّ صلى الله عليه وسلَّم بشغله بالقيام، وهو ثلث الليل الآخر، حيث يتنزل الله في هذا الوقت نزولاً يليق بجلاله حاثاً عباده القائمين بالتوجُّه إليه بالدعاء وبالتوبة والاستغفار، فهذا وقت يستجاب فيه الدعاء، قال صلى الله عليه وسلم : (ينزل اللهُ إلى السماء الدنيا كلَّ ليلةٍ . حين يمضي ثُلثُ الَّليلِ الأولُ . فيقول : أنا الملكُ . أنا الملكُ . من ذا الذي يَدعوني فأستجيبَ له ! من ذا الذي يسألني فأُعطِيَه ! من ذا الذي يستغفِرُني فأغفرَ له ! فلا يزال كذلك حتى يضيءَ الفجرُ... فاللهم اعنا على صيام رمضان وقيامه واجعلنا فيه من الفائزين /