شرّح العديد من الأكاديميين بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة وهران "محمد بن أحمد" ما جاء به مشروع تعديل الدستور الجديد الذي سيعرض للاستفتاء في الفاتح نوفمبر القادم، لبناء صرح ديمقراطي جديد والذي تضمن عدة مواد تعزز الحقوق والحريات وتشدد هيئات الرقابة القضائية وسلطة محاربة الفساد و أخرى تلزم السلطات والهيئات العمومية بتطبيق أي حق في الدستور، ناهيك عن تحرير مجلس المحاسبة المجمد منذ 20 سنة الذي أصبح له إمكانية الرقابة على الأموال التجارية ليس في القطاع الإداري فحسب بل حتى عن طريق مؤسسات أخرى ذات طابع عمومي واقتصادي أي يمكنها الرقابة على كل ما يجول من أموال تحت الخزينة أو البنك العمومي، إضافة الى تعزيز مكانة المرأة والشباب ودور المجتمع المدني . انطباعات : محفوظ عبد القادر : أستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية "أحسن هيئات الرقابة التي تكون من قبل المحكمة الدستورية " مشروع تعديل الدستور 2020 هو تعديل لدستور 1989 والذي سبق وأن عرف بدوره عدة تعديلات خلال السنوات الماضية كان آخرها تعديل 2016، وأهم ما يميزه حاليا هو عرضه للاستفتاء الشعبي لأنه يتضمن نفس أحكام وهيكل تعديل 2016 والتي تم الإبقاء عليها لاسيما ما تعلق بالحقوق والحريات، والتعديل شمل هذه المرة التغيير في التبويب وفي تسمية المحاور أو الهيكل بأبواب وعناوين جديدة على غرار باب الدولة الذي أصبح باب الحقوق والحريات، وباب تنظيم السلطات الذي كان يحتوي على 3 فصول تتعلق بالسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وهذه التسمية اختلفت في 2020 اختلافا جوهريا، حيث أصبح يحتوي على 4 فصول "رئيس الجمهورية والحكومة " واللذان يمثلان السلطة التنفيذية، و"البرلمان" بدل السلطة التشريعية والذي يعني البرلمان بغرفتيه أي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة لاسيما وأن السلطة التشريعية كانت تتعلق بالمجلس الشعبي الوطني فقط، وطبقا للدستور المعدل في 2020 فإن الحكومة يرأسها وزير أول أو رئيس حكومة والانتخابات التشريعية هي من ستحدد ذلك . إضافة إلى "القضاء" بدل السلطة القضائية وهو ما يعزز مكانة القضاء، و" المحكمة الدستورية " عوض المجلس الدستوري، والتي لها تقريبا نفس الأحكام ولكن الهيئات اختلفت فالأولى كان لها رقابة سياسية، أما المحكمة فتعني الرقابة القضائية ويصبح هناك قضاة دستوريون عوض أعضاء المجلس، وما نشير إليه هو أن الدستور يشدد في هيئات الرقابة وأحسنها تلك التي تكون من قبل المحكمة الدستورية . حتى بالنسبة لهيئات الإخطار التي كانت محددة بثلاث هيئات منها رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة والتي أثبتت عدم فعاليتها قبل 2016 في تحريك المجلس الدستوري بالنسبة للقوانين المخالفة، ففي تعديل 2020 تم الإبقاء عليها ولكن مع إضافة أخرى للإخطار إلى المحكمة الدستورية وهو " الدفع بعدم الدستورية " وهي تعتبر أيضا من أهم النقاط التي أتى بها التعديل في حال كان القانون مخالفا لأحد الأحكام الدستورية، وفي حال لم تقم أي هيئة بالإخطار فيمكن إخطار المحكمة الدستورية بمخالفة قوانين غير دستورية من قبل الشعب أي ما يمكن تسميته بالرقابة الشعبية التي يمثلها 40 نائبا بالمجلس الشعبي الوطني أو 25 عضوا بمجلس الأمة والذين يقومون بتقديم طلبا بالإخطار إلى المحكمة الدستورية، يأتي هذا إضافة إلى البند الآخر الهام والمتعلق بتحرير مجلس المحاسبة المجمد منذ 20 سنة . وفيما يتعلق بباب الحقوق والواجبات فلم يتم إلغاء أي حق به في التعديل الحالي وإنما أضافوا نقاطا جديدة، لاسيما بالنسبة للمادة 34 من الدستور الحالي التي لم تكن في الدستور السابق " تلزم الأحكام الدستورية ذات الصلة بالحقوق الأساسية والحريات العامة" أي أن السلطات والهيئات العمومية ملزمة بتطبيق أي حق في الدستور . هذا إضافة إلى مادة جديدة كذلك متعلقة بالمادة 77 والتي فتحت المجال للمجتمع المدني وتنص على أنه بإمكان كل مواطن الحق في تقديم ملتمسات إلى الادارة بشكل فردي أو جماعي لطرح انشغالات تتعلق بالمصلحة العامة وبتصرفات تمس بحقوقه الأساسية ويتعين على الادارة المعنية الرد على الالتماسات في أجال معقولة. أما بالنسبة لأحكام الواجبات فتم الإبقاء عليها كما هي ما عدا واجب الضريبة الذي أضافوا فيه كلمة في فقرة المادة 82 من التعديل الحالي والتي تقابلها المادة 78 في دستور 2016 "الضريبة من واجبات المواطنة " أي أن المواطن يساهم في التكاليف العامة، ويبقى بهذا أحسن دستور هو الذي يجسد عمليا. بن زحاف فيصل : أستاذ محاضر بكلية الحقوق والعلوم السياسية "مجلس المحاسبة أصبح له امكانية الرقابة على الأموال التجارية " كل الأبواب التي أتى بها التعديل الدستوري حاول فيها إدراج بعض الفقرات التي توضح المبادئ العامة التي تحكم المجتمع والحقوق الأساسية والحريات وتنظيم السلطات والفصل ما بينها ومؤسسات الرقابة والهيئات الاستشارية وإدراج عدة مواد موصولة بالديباجة، فالمؤسس الدستوري أدرج كل ثوابت الأمة ودور الشعب في استرجاع الحرية وأدرج على غرار الدساتير الأخرى ثوابت الأمة ومن المستجدات في الديباجة انه أدرج لأول مرة البيان المؤسس لأول نوفمبر على عكس السابق الذي كان يتكلم عن الثورة كتاريخ، إضافة الى فقرات تقضي على الكراهية والتمييز، وجانب الحراك الشعبي الذي تمثله إرادة الشعب في الديباجة ومسألة الضمان الأمني القانوني والديمقراطي والاتفاقيات التي صادقت عليها الجزائر فيما يتعلق بحقوق الإنسان والبيئة والتغيير المناخي واحترام عدم استنزاف الموارد الطبيعية لتركها للأجيال القادمة . إضافة إلى بند هيئات الرقابة من خلال تعزيز مجلس المحاسبة الذي أصبح له إمكانية الرقابة على الأموال التجارية ليس في القطاع الإداري فحسب بل حتى عن طريق مؤسسات أخرى ذات طابع عمومي واقتصادي أي يمكنها الرقابة على كل ما يجول من أموال تحت الخزينة أو البنك العمومي، ناهيك عن العهدة الانتخابية بحيث يمكن لرئيس الجمهورية أن يقوم بعهدتين انتخابيتين متتاليتين أو منفصلتين، والهيئات الاستشارية الجديدة وسلطة مراقبة ومكافحة الفساد التي أتت استجابة لمطالب الحراك وتعزيز دور المجتمع المدني من خلال ما يسمى بالديمقراطية التشاركية عن طرق الجمعيات ولجان الأحياء وحتى بالمجال المركزي. كما قام مؤسس الدستور بتعزيز المعارضة عن طريق مشاركتها في اللجان البرلمانية من خلال التداول وإخطار المحكمة الدستورية التي تم استحداثها وجاءت محل المجلس الدستوري التي تضم 12 عضوا بين التعيين والانتخاب من بينهم 4 أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية لتمثيل السلطة التنفيذية الى جانب عضوين احدهم من المحكمة العليا والآخر من مجلس الدولة و6 أساتذة مختصين في القانون الدستوري يمثلون سلطة الشعب على أن يكون الأعضاء لا يقل سنهم عن ال 50 سنة، أما بالنسبة للأساتذة فلابد أن يكونوا قد درسوا 20 سنة قانون دستوري، علما بأن التعديل الدستوري منح للمحكمة الدستورية صلاحيات كبرى مقارنة بالمجلس الدستوري، وفيما يتعلق بالبرلمان فلا يمكن أن يتجاوز عهدتين انتخابيتين متتاليتين أو منفصلتين. بربيح محي الدين : أستاذ محاضر بكلية الحقوق والعلوم السياسية " التعديل الجديد أظهر استعداد الدولة لمكافحة الفساد" هذا الدستور تضمن العديد من التعديلات التي استجابت لمطالب الحراك أهمها مجموعة من الحقوق والحريات التي تم النص عليها وكفالتها، على غرار حق التظاهر السلمي الذي كرسه الدستور وكفله لما شهدته الجزائر خلال الآونة الأخيرة. الى جانب الحق في الحياة وهو حق آدمي إنساني لا يمكن أن يوضع إلا في قانون، وفيما يتعلق دائما باب الحقوق والحريات فأهم ما تضمنه هو نص خاص يلزم السلطات العمومية والهيئات على احترام الحريات والحقوق المكرسة في الدستور. فضلا عن البند الذي ينص على حق الشباب وتشجيعه في الحياة السياسية من خلال إنشاء المجلس الأعلى للشباب في الدستور الجديد، وإعطائه أهمية لحق التعليم الإجباري في الطور الابتدائي والمتوسط والذي يضمن لكل أبناء الشعب الحق في التمدرس فضلا عن، الحق في الحصول على المياه وتثمينها والحفاظ عليها . إلى جانب حق المرأة من خلال الأحكام التي تضمنها لحمايتها من كل انوع العنف سواء الأسري أو العمل أو حتى خارجا، وأعطى اهتماما لها بتمكينها من المشاركة في الحياة السياسية، ناهيك عن المجتمع المدني الذي أصبح له مكانة في اتخاذ القرارات وحظي باهتمام في مواد مستقلة في بناء الدولة والديمقراطية، إضافة إلى المحكمة الدستورية التي أصبحت هيئة قضائية بالدرجة الأولى ولها صلاحيات أوسع . والتعديل أعطى أيضا للمواطن حق رفع شكوى إلى المحكمة الدستورية بخصوص حالات لقوانين مخالفة للدستور ومنح حيزا كبيرا للمجلس الأعلى للقضاء وتغيير تشكيلته واستقلاليته والسلطة الانتخابية التي أصبحت تتمتع بالاستقلالية نظرا للمهام المنوطة بها في تحضير الانتخابات بكل أشكالها رئاسية أو استفتاء أو تشريعية ومحلية، فالمؤسس الدستوري أوجد قانون دستوري خاص للسلطة المستقلة للانتخابات وبعدما كانت هيئة عليا مستقلة أصبحت سلطة، إضافة إلى ان التعديل الجديد نص على السلطة الوطنية لمكافحة الفساد تبعا لما شهدته الجزائر من متابعات جزائية وهو ما يظهر استعداد الدولة لمكافحة ومحاربة الفساد .