الشعلة تتقد في صدري، وتلتهم قواي، وتذيب شجوني .. يد ناعمة تقبض روحي لاسيما في ساعات الوحدة والانفراد، وتسكب في فؤادي شحنة كهربائية جميلة مضيئة ممزوجة بمرارة الألم، وحلاوة الأوجاع. وتلك الأوهام ترفرف حول مضجعي في الليل البهيم،فأستيقظ من غفوتي أرنو للقمر،أتسامر معه،وأترقب طيف ضيف لا أسمع إلا صدى صوته يحييني ،و يميتني عشرين مرة كل ليلة، ثم أحيا عند مطلع الفجر أبحث عن صوتي..عن أجفاني الذابلة. الطيف اختفى، والنور ملأ الغرفة. فهل هاته الزهور المندفعة نحوي الحاملة للموت والحياة..للضجر والسرور أنامل حب، أم أصابع حبيبتي؟ أخبرني يا سرب الحمام..أيتها الأودية والجبال..أخبرني يا شاطئ الأحزان؟ من جسمها الضوئي بدأت تسيل قطرات ندى ارتشفتها بلهفة وتمعن فسكرت وتكسرت ثم صحوت.كانت حبيبتي موردة الوجنتين مبتسمة تخفي بداخلها نهر دموع وكآبة وشجن.وفي وعاء قلبها كوثر كانت تسبح فيه الأنجم فتبرق، وتتجمد كواكب الليل الحزين، ثم تموت دهرا.أما الشمس المترنمة فإنها أخذت مضجعا لها بداخل الرموش الساحرة.إن شعاعا سحريا منبثقا من أعماق العواطف واللذات أنار لي الدنيا، فرأيت عالما غير العالم الذي أعرفه وأعيشه: مروج خضراء..حسنوات ذوات شعر غجري متدل على الأرصفة عيونها عسلية طيبة كبلح الشام..ناس طيبون من ياسمين......حبها جعل حياتي حلما جميلا أبديا، فتح بصيرتي أمام هيبة اللانهاية.. حبها..جعلني في الظلام أبصر أنوار السماء..علمني كيف الضجيج أقلبه إلى هدوء عادل يجمع الكرم وأحلام الضعفاء بأماني المجانين الطيبين..كيف أسعد أجفان التعساء وأجعل قلوبهم الظمأى ترفرف، وتقطن عالما أقل قساوة وبطش من هذا العالم. إن جمال حبيبتي الفياض أعاد للبحر أثوابه الزرقاء، واللطف للسماء. إلى أين تسيرين بي أيتها الساحرة؟ إني أتبعك مغمض العينين عبر الطريق الوعرة المنسابة بين الصخور المفروشة بالأشواك، المتصاعدة نحو الأعالي، الهابطة إلى الأعماق.أسير وراءك كما البوذي إلى النار يسير.. أسير وراءك كطفل يلاحق أمه متناسيا ما حوله من أحلام. توقفي هنيهة حبيبتي كي أرى وجهك فلكم اشتقت إليه،وانظري إليّ كي أحدق بإمعان إلى سحر عينيك، وأفهم من ملامحك مخبآت نفسك. افتحي خزائن قلبك ، ودعي روحي تعانق نيات روحك.أنقذيني وأبعديني أيتها الساحرة من مدينة الغيوم المتلونة، وازرعي في فرحا لأتحسس محاسن الحياة وملذاتها،وأستقصي خفايا الوجود وأسراره. أريد – سيدتي – أن أكون كالحلم يسعى تحت جنح الليل، ويدخل من شقوق نوافذك ..يجالس عواطفك. هل ترضين بي رفيقا يقبض على النار بأصابع غير مرتعشة؟ هل تصحبين رجلا يغازل أجفان السحاب، ولا ينصهر حبه بانصهار الزوابع؟ هل تريدين بي حبيبا يقدس غابات شعرك،ورموش عينيك البحريتين؟ هل أنت قانعة بقناعتك،وراضية برضاك؟ إذن فأمطريني بمياه حنانك ،وأنقذيني من ظلم الزمان .