لم نجد في التاريخ الإسلامي بل في تاريخ البشرية كلها امراة أكثر جدارة بحمل اسم الزوجة المثالية، إلا هذه السيدة الفاضلة (رضي الله عنها) وأرضاها .إنها خَديجةُ بِنتُ خُوَيلِد القُرشيّةُ وأمُّها فاطمةُ بنتُ زائدَةَ بنِ جُندُب.قرشية من بني عامر بن لؤي. يلتقي نسبها مع الرسول صلى الله عليه وسلم في جده قصي، فهي من أقرب نسائه إليه في النسب. بيتها بيت مجد، ورياسة، فقد كانت امرأة ذات شرف، ومال ، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه، بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قوما تجارا.ولدت (رضي الله عنها)، ونشأت وترعرعت بمكة، وقد مات والدها يوم حرب الفُجَّار. تزوجت مرتين، قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، باثنين من سادات العرب، هما: أبو هالة بن زرارة بن النباش التميمي، وجاءت منه بهند وهالة وهما ذكران.وأما الآخر فهو عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم، وجاءت منه بهند بنت عتيق. تعد خديجة من تجّار مكّة المعدودين. بلغت منزلة عظيمة في الكرم والأخلاق الرفيعة، إذ كانت، نساء مكة، والمقربات إليها يعرفن عنها ذلك؛ فكن يذهبن بأنفسهن إليها في بيتها، فينلن من كرمها وفضلها الشيء الكثير. وكانت إذا ما خرجت إلى البيت العتيق، لتطوف به، خرجن معها، وقد أحطن بها، فلا تلغو واحدة منهن، ولا تتكلم إلا بالجد من الكلام، ولا يحببن أن يسمعن من أحد لفظة نابية، قد تجرح سمع السيدة الشريفة خديجة، رضي الله عنها. وفي إحدى المرات، وهُنَّ عند البيت العتيق مع خديجة، طلع عليهن يهودي، وناداهن قائلاً: «يا نساء قريش، سيظهر نبي في هذا الزمن، فمن أرادت أن تكون له زوجا فلتفعل». فثارت النسوة اللاتي كنّ يحطن بالسيدة خديجة، (رضي الله عنها)، وقذفنه بالحجارة. وقد فعلن ذلك من أجل السيدة خديجة، رضي الله عنها. زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم: لما كان للسيدة خديجة، رضي الله عنها، حظٌ وافر من التجارة، فقد كانت تستأجر الرجال وتدفع إليهم أموالها، ليتاجروا بها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا من الذين تعاملوا معها.حيث أرسلته مرة إلى الشام، بصحبة غلامها ميسرة. ولما عاد، أخبرها الغلام بما رآه من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، وما لمسه من أمانته وطهره، وما أجراه الله على يديه من البركة، حتى تضاعف ربح تجارتها؛ فرغبت به زوجًا. وسرعان ما خطبها حمزة بن عبد المطلب، لابن أخيه، من عمها عمرو بن أسد بن عبد العزى. وهي أوّلُ امرأةٍ تزوّجَها النبي (صلى الله عليه وسلم) قبلَ المبعَثِ بخمسَ عَشْرَةَ سنةً، وكانت بِنتَ أربعينَ سَنةً وهو ابنُ خمسٍ وعِشرينَ سنةً ،ولم يكن لفارق السن بينهما من أثر على سعادة زواجهما الذي كان زواجا مثاليا بحق كما لم يكن لزواجها برجلين من قبل وإنجابها منهما أي سبب أو عائق يحول دون نجاح زواجهما، كما لم تقف ثروتها سدا منيعا لتحول بين القلبين المتحابين بحق، بل ساهمت تلك الثروة في بسط السكينة والمحبة بينها بل كانت ثروتها سندا قويا لدعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فكانت نعم الزوجة و أمُّ أولادِ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كلِّهم سِوى إبراهيم بنِ مارِيَةَ القِبطِيّة. ولدَت له القاسمُ وبه كان يُكنَى، وعبدُ الله وهو الطّاهرُ والطّيبُ، سُمّي بذلك لأنّه وُلدَ في الإسلام، وَولَدت له منَ النّساءِ زَينبَ ورُقيّةَ وأمَّ كُلثُوم وفاطمةَ رضي الله عنهم أجمعين. السيدة المثالية رب البيت: @ دار السيدة خديجة،أم المومنين رضي الله عنها، الدار المثالية المباركة: كانت دارها كما أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم تأوي الأيتام و المعوزين كانت صاحبة الدار الزوجة الصالحة تنتظر الليالي الطوال صابرة راضية عودة زوجها سالما معافى بعد تحنثه في غار حراء الليالي ذوات العدد وقد حببت إليه الخلوة بغار حراء. وكانت السيدة خديجة، (رضي الله عنها)، تحب النبي صلى الله عليه وسلم، حبًّا شديدًا، وهي التي اختارته زوجا وكانت تعمل على نيل رضاه، والتقرّب إليه، حتى إنها أهدته غلامها زيد بن حارثة، لما رأت من ميله إليه صلى الله عليه وسلم. فبحبها واحترامها ورعايتها تمكنت، رضي الله عنها، من أن تهيئ للنبي صلى الله عليه وسلم بيتا هانئا قبيل البعثة، إذا أعانته على خلوته في غار حراء، وواسته بنفسها ومالها. وعند البعثة فهي من ثبتته وآزرته وصَدَّقته، عندما جاءها خائفا يرتجف قائلا: «زملوني زملوني». فزملوه حتى ذهب عنه الروع. فكان لها دورٌ مهم في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، والوقوف معه، بما آتاها الله من رجحان عقل، وقوّة شخصيّة، وحكمة واعية. @ عن عائشة أم المؤمنين، (رضي الله عنها)، أنها قالت: أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي، الرؤيا الصالحة في النوم. وكان لا يرى رؤيا، إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء؛ فكان يخلو بغار حراء، يتحنث فيه: وهو تعبد الليالي ذوات العدد (أي الليالي الكثيرة). قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى السيدة خديجة، رضي الله عنها، فيتزود لمثلها؛ حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه المَلَك، فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ، (أي لا أحسن القراءة). قال: فأخذني، فغطني (ضمني)، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني، فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني، فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: 0 ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ ... إلى آخر السورة. فرجع بها النبي صلى الله عليه وسلم، يرجف فؤاده، فدخل على زوجته السيدة خديجة بنت خويلد، رضي الله عنها، فقال: «زملوني زملوني»، فزملوه، حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة، وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسي»، فقالت الزوجة الصالحة: كلا، والله، ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل (الضعيف)، وتُكسب المعدوم (الفقير)، وتقري الضيف (تكرمه)، وتعين على نوائب الحق.ثم انطلقت به رضي الله عنها، حتى أتت ورقة بن نوفل، ابن عمها، وكان امرأً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب. وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له : يا بن عمي، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له ورقة: «هذا هو الناموس، جبريل – عليه السلام – الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا (أي شابا قويا)، ليتني أكون حيا، إذ يخرجك قومك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أو مخرجيّ هم؟ « قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا. ثم لم يلبث ورقة أن توفي، وفتر الوحي (أي انقطع) . ثم عندما نزل قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّر»، أي يا أيها المتدثر بثيابك، قم فأنذر الناس، وحذرهم من عقاب الله تعالى؛ فكان ذلك أمرا للرسول بأن يدعو الناس إلى الإسلام؛ امتثل صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، وأخذ يدعو الناس إلى الإسلام سرًا، لكي لا يثير عداوة قريش. فبدأ صلى الله عليه وسلم بأهله وأصدقائه، وكانت زوجه خديجة، (رضي الله عنها)، أول من آمن بدعوته إلى الإسلام، كما أسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه، وكان من الموالى،وأسلم علي بن أبي طالب بن عم الرسول (صلى الله عليه وسلم) فكان بيتها أول بيت مسلم على وجه الأرض . وكانت الزوجة الصالحة، (رضي الله عنها)، قد وهبت نفسها للدعوة وبيتها لخدمة اليتامى والمسلمين، واستغلت مكانتها في دفع الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ...تلك هي السيدة العظيمة خديجة، (رضي الله عنها)، قامت الزوجة المثالية مع زوجها تسانده في دعوته، وتؤانسه في وحشته، وتذلّل له المصاعب. فضل خديجة على سائر أمهات المؤمنين حفظ النبي صلى الله عليه وسلم لها ذلك الفضل، فلم يتزوج عليها في حياتها إلى أن قضت نحبها؛ فحزن لفقدها حزنًا شديدًا، ولم يزل يذكرها، ويُبالغ في تعظيمها والثناء عليها، ويعترف بحبّها وفضلها على سائر أمهات المؤمنين، فيقول: «إني قد رزقت حبّها»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «آمنت بي، إذ كفر بي الناس . وصدّقتني، إذ كذبني الناس. وواستني بمالها، إذ حرمني الناس. ورزقني الله (عز وجل) ولدها، إذ حرمني أولاد النساء». حتى إنّ السيدة عائشة، رضي الله عنها، كانت تغار منها، غيرة شديدةً. وقد أورد البخاري وغيره عدة روايات تبين غيرة السيدة عائشة، رضي الله عنها. ومن مظاهر وفائه صلى الله عليه وسلم، لها أنه كان يصل صديقاتها، بعد وفاتها، ويحسن إليهنّ؛ وفاء لها، رضي الله عنها. وكان صلى الله عليه وسلم، كما ورد في (البخاري) و(مسلم)، إذا ذبح الشاة يقول: «أرسلوا بها إلى صدائق (أو خلائل) خديجة»، رضي الله عنها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا سمع صوت هالة، أخت السيدة خديجة، تذكّر صوت زوجته، فيرتاح. وفي رواية: يرتاع، كما ثبت في (الصحيحين).