قال الله عز وجل :(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) لا شك أن شهر رمضان شهر يستجاب فيه الدعاء وتقضى فيه الحاجات ولقد علمنا النبي أن الدعاء أعظم سلاح لخوض غمار الحياة فقال صلى الله عليه وسلم : الدعاء سلاح المؤمن وإن هذا الدعاء المبارك الذي بين أيدينا يحمل في طياته جميل المعنى وعظيم المقصد والطلب والتوسل إلى الله ببسط الأمنين الأمن الإجتماعي والأمن الغذائي وذلك ليتحقق الأمن السياسي العام في البلاد وإن هذا الدعاء حين جأر به خليل الرحمان سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان يعلم علم اليقين أن اختلال الأمن هو أكبر نقمة وأعظم شر تصاب به الأمة وسواء أكان اختلال الأمن سياسيا أو اجتماعيا أواقتصاديا، فإنه لا محالة يحدث في الأمة الاضطراب والفزع ويوقع بين الأفراد التباعد والنفور. -ولقد طلب إبراهيم خليل الرحمان من الله شيئين اثنين ابتداء : أن يجعل هذا المكان بلدا وأن يجعله آمنا .ثم قال: «وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم» فكأنه طلب الرزق للمؤمنين وحدهم .. لكن الله برحمته جعل الرزق عاما للمؤمنين والكافرين ،ليتحقق الأمن العام في البلاد. ولذلك نقول كأن سيدنا إبراهيم يخاطبنا بلسان ذلك الإمام الكبير الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي فهم بحق أبعاد الأمن حين قال: «خذ للحياة سلاحها وخض الخطوب ولا تهب» وهكذا يتبين أنه لا بد لنا من سلاح نرفعه في وجه الأعداء لننال الأمن،. ولما كان الأمن هو الغاية التي طالما بحثت عنها الحضارات السابقة وسوف تبحث عنها الحضارات الآتية ولهذا فجميع الأديان السماوية قد حثت على ضرورة إيجاد الأمن لأنه هو الضامن الوحيد لتطور واستمرار المجتمعات، ومن المعروف أن جميع الدول تسعى دائمًا إلى أن تضمن وتؤمن أمنها السياسي، والاجتماعي وأيضًا أمنها الاقتصادي، هذا إلى جانب حفاظها على أمنها الخارجي. -والآن لنسأل كيف نحقق أمن المجتمع؟ وقبل الإجابة عن ذلك لا بد من معرفة الجبهات المختلفة التي يتبرص لنا فيها العدو وهذه الجبهات خمس وهي : -الجبهة الأولى الكفر -الجبهة الثانية الجهل -الجبهة الثالثة الظلم -الجبة الرابعة الفقر -الجبهة الخامسة الأمراض والأوبئة. فنقول إن سعينا لتحقيق الأمن بجميع مرتكزاته في المجتمع يتطلب مشاركة فعلية من الجميع في جميع جبهات المعارك ، ولذلك فإن بناء الأمن يبدأ حتما بتجنيد الافراد كلهم دون استثناء في المعركة التعليمية ضد الجهل والجهالة لتحقيق العلم والمعرفة ثم إن الأمة إذا فازت في معركتها لمحاربة الجهل لا شك ستسهل عليها المعركة الثانية ألا وهي المعركة الإيمانية ضد الشرك والكفر، قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } فلا بد من تيسير السبل لمعرفة الخالق ثم توحيده وعبادته وطاعته وحده. فهذان هما الأساسان في معركة السعي لتحقيق الأمن العام للبلاد، وأي تخاذل أو تكاسل عن العمل والجد والإجتهاد في هذين المجالين سيحدث لا محالة ثلمة في محيط أمن البلاد.ذلك أنه إن تيسر للأمة علمها وإيمانها سعى بها العلم والإيمان إلى الرقي فتجند جميع أفراد المجتمع حول المعركة الثالثة التنموية الإقتصادية لمحاربة الفقر كما أنه بعد ذلك لاغنى للأمة بجميع أفرادها من خوض معركة أخرى رابعة ألا وهي معركة تحقيق العدالة الإجتماعية وإشاعة روح الإنصاف بين أفراد المجتمع ، لأن العدل أساس الملك بل هو أساس لإيجاد الأمن داخل المجتمع، وهي معركة كبيرة ضد الظلم لا هوادة فيها. ثم تأتي المعركة الخامسة والأخيرة وهي المعركة ضد الامراض والأوبئة المختلفة وهنا نقول أن هذه المعركة ستكون من أسهل المعارك حيث الأمة تملك كل الأسلحة لمحاربة الأمراض فلا شك أن أمة تحوز العلم والإيمان وتملك اقتصادا متطورا ويسود العدل والإنصاف أفرادها ستفوز وستنتصر على كل الأوبئة والامراض. هذا هو معنى الدعاء الذي رفعه سيدنا إبراهيم حين قال رب اجعل هذا بلدا آمنا لذا كان من الواجب علينا قبل رفع أكف الضراعة والدعاء من أن نعمل بجد واجتهاد حتى نحقق تلك الشروط ، ومتى تحققت الشروط ، فرفعنا أكف الضراعة وسألنا الله الأمن بيقين ، كانت الإستجابة من الله لنا وتحقق أمن بلادنا وأمانها. وهذا هو دعاء إبراهيم عليه السلام في قوله : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) أخيرا نقول رب يسر لأمتنا شروط الأمن وحقق لبلادنا الأمن والأمان وسائر بلاد المسلمين آمين