يمكن الإشارة منذ البدء, بخصوص تمويل الحملة الانتخابية , إلى أن قانون الانتخابات المعدل , كان أكثر تفصيلا من سابقه كونه خصص 36 مادة لهذا الجانب الحساس من العملية الانتخابية , بينما اكتفى القانون السابق ب 10 مواد فقط اقتصرت على العموميات , مع ترك التفصيل للتنظيم , حيث حددت هذه المواد للمترشحين لمختلف الاستحقاقات الانتخابية مصدر تمويل حملتهم الانتخابية المتمثلة في «مساهمة الأحزاب السياسية و مساعدة محتملة من الدولة , تقدم على أساس الإنصاف و مداخيل المترشح «فضلا عن وضع سقف للتمويل و لتعويض الدولة لمصاريف الحملة الانتخابية للأحزاب المشاركة, على أساس حساب مفصل للحملة يسلم للمجلس الدستوري بغرض التعويض . كما نصت هذه المواد على حظر التمويل الأجنبي للحملات الانتخابية. و كان من نتيجة هذا التعميم في تحديد كيفية تمويل الحملة الانتخابية , في القوانين السابقة , ظهور أشكال التمويل غير الشرعي و الخفي , التي كشفت محاكمات بعض المسؤولين السابقين و رجال الأعمال , عن بعض ملفاتها, بل و حولت العملية الانتخابية برمتها إلى مناسبة لاستثمار المال الفاسد , في شراء المناصب الانتخابية بدءا بالترشح ,و انتهاء بالاحتفال بالفوز , مرورا بكل مراحل العملية , و ما تدره من ريع انتخابي ,معظمه من خزينة الدولة. و هي التجاوزات التي حاول القانون العضوي الخاص بنظام الانتخابات المعدل معالجتها, بتفاصيل تزيل الغموض عما أجمله القانون السابق , فشرح للمترشحين لمختلف الاستحقاقات الانتخابية ,مصدر تمويل حملتهم الانتخابية بموجب المادة 87 من عدة مصادر تتمثل في «مساهمة الأحزاب السياسية المشكلة من مشاركات أعضائهم و المداخيل الناتجة عن نشاط الحزب؛ و المساهمات الشخصية للمترشح؛ و الهبات النقدية أو العينية المقدمة من المواطنين كأشخاص طبيعيين؛و مساعدات الدولة المحتملة للمترشحين الشباب للانتخابات التشريعية و المحلية؛ و إمكانية تعويض الدولة لجزء من نفقات الحملة الانتخابية.» في حين سقَّفت المادة 89 من هذا القانون المبلغ الأقصى للهبات بالنسبة لكل شخص طبيعي بالنسبة للانتخابات التشريعية و الرئاسية و إلزام المترشح أو موكله بتبليغ لجنة مراقبة تمويل حسابات الحملة الانتخابية بقيمة الهبات و بقائمة أسماء الواهبين , كما حصرت المادة 92 المبلغ المرخص لتمويل الحملة الانتخابية الرئاسية ب 120 مليون دج لكل مترشح في الدور الأول و يرفع المبلغ إلى 140مليون دج في الدور الثاني .أما سقف تمويل الحملة الانتخابية للتشريعيات فحددته المادة 94 بمليونين و خمسمائة ألف دج عن كل مترشح. تسقيف المبالغ المخصصة للحملة هذا و قد اشتمل الباب الثالث المتعلق بالحملة الانتخابية و تمويلها على 36 مادة , حاولت تتبع كل الثغرات التي تتسرب عبرها أساليب التمويل الخفي للحملات الانتخابية أو ضمان فرص الترشح بشراء رؤوس قوائم الترشح الحزبية , أو التحايل في تقدير كلفة الحملة الانتخابية , و غيرها من طرق الالتفاف على النصوص القانونية المنظمة للعملية الانتخابية. و لايمكننا استعراض كل التدابير القانونية الجديدة التي جاء بها قانون الانتخابات المعدل في صيغته الحالية , إذ يمكن الاطلاع عليها مباشرة في الوثيقة , التي تحدد الحد الأقصى للهبات و تفرض التبليغ عن قائمة الواهبين و تمنع التمويل الأجنبي , و توجب دفع الهبات النقدية عندما تفوق ألف دج عبر الصكوك أو التحويلات البنكية , و تعيين أمين مالي للحملة الانتخابية لكل مترشح لرئاسة أو كل قائمة مرشحين , و فتح حساب بنكي وحيد للحملة الانتخبية لكل مترشح أو قائمة كذلك , و تكليف محافظ الحسابات بتقديم حساب الحملة الانتخابية للجنة مراقبة تمويل حسابات الحملات الانتخابية. كما تضمن القانون مواد تتعلق بإنشاء لجنة مراقبة تمويل حسابات الحملات الانتخابية و الاستفتائية و تشكيلتها و مهامها في مجال تدقيق و التصديق على الحسابات . و اختتم هذا الباب بنص المادة 122 الخاص بتشجيع الترشيحات المستقلة للشباب عبر تكفل الدولة بنصف نفقات الحملة الانتخابية الموجهة لطبع الوثائق و النشر و الإشهار و إيجار القاعات الأمر الذي لم يكن في القوانين السابقة. هل تكفي كل هذه التدابير لوقاية الاستحقاقات الانتخابية من تأثيرات المال المشبوه ؟ ذلك هو المأمول , غير أن الأمل يبقى معلقا بحسن نوايا الأطراف المعنية بالعمليات الانتخابية ترشيحا و ترشُّحا , و استعدادها لاحترام و تطبيق القانون , و هو ما لا يمكن الجزم به , في ظل استمرار الأحزاب في اتخاذ المواعيد الانتخابية وسيلة لدعم أرصدتها , إذ الترشح سواء كان في صدارة القائمة أو في ذيلها , سيبقى له ثمن, ما لم يخضع هو الآخر لانتخابات داخلية ضمن الحزب نفسه, يبعده عن شبهات البيع و الشراء . و هي صفقة تتكرر 3مرات كل خمس سنوات ,و بالتالي من الصعوبة بمكان التفريط في ريعها, بالنسبة لأحزاب لم تتطور بعد إلى مؤسسات سياسية , بميزانيات شفافة يمكن أن يطلع عليها الرأي العام أو بالأحرى المناضلون الذي لهم كل الحق في معرفة كيفية تمويل حزبهم , و فيما تصرف اشتراكاتهم , إن كانوا يواظبون على دفعها بطبيعة الحال...و لذا فإن طريق التمويل الشفاف للعمليات الانتخابية , مازال في حاجة إلى عمليات تطهير أعمق على مستوى تنظيم الانتخابات , أو على صعيد طريقة تسيير الأحزاب.