قال الله تعالى على لسان آسيا بنت مزاحم إمراة فرعون: «رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (التحريم:11) إن امرأة فرعون أثبتت استقلال شخصيتها في موقف إرادي خاص، بعيد عن الدنيا ومظاهرالترف والبذخ، لم تنتظر، ولم تتردد وقد أوقفت روحها ووجدانها من أجل احتضان الولد الصغير البريئ وحمته ليكون من شأنه ذلك الفتى موسى صاحب الغلبة والظهور على جبروت فرعون وسطوته، كيف تغفل أو تتراجع وقد ذاقت حلاوة الإيمان على يديه ؟ وعرفت الطريق إلى الله، فطالبت بما عند الله من حسن جوار وأمان وسعادة، بعد أن عزفت نفسها عما عدا ذلك. بهذا الدعاء سجلت امرأة فرعون تميزها فكانت نموذجا فذا للمرأة الفاضلة القوية ،ولا شك ان لفظة (عندك) تؤسس لظِلال وجدانية روحية تشير للتجاور والتقارب والأنس بالوجود لله الواحد الأحد، وهي مشاعر جديدة تولدت مع الإيمان بقوة الله المناهضة لغطرسة فرعون وطغيانه ، ثم تنشد من الله بيتا في الجنة، وفي ذلك إشارة إلى نوع من الافتقار كانت تحس به وهي داخل القصر، حيث الفخامة والخدم والحشم وكل المباهج، طلبت حاجة خاصة بها، تمنحها السكينة والراحة النفسية والسعادة التي لم تذقها في قصر فرعون، آثرت حياة الآخرة على الدنيا مصداقا لقوله تعالى: «انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ». فكانت مثالا غير مكرر للتحدي والقدوة واليقين في الله عز وجل، فضربت مثالا للمؤمنين يحتدى بها على مر السنين قال الله تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ». إنها سيدة لموقف عظيم وتحدي كبير بحسن تحكمها في سير الحدث، لصالح ما تؤمن به ولو خالفت في ذلك أعتى الجبابرة، وهي ألصق الناس به وأعلمهم بملفه الأسود في البطش والجبروت والطغيان وسفك الدماء، وبهذا الموقف البطل كانت جديرة بالتنويه الطيب والإشادة العطرة، لمبادرتها الحرة إنها السيدة المستقلة للانفصال عن الباطل، والاتصال بالحق.. فكانت بحق المثل الباهر للمؤمنة الموقنة المترفعة عن مغريات الحياة الدنيا غلبت الجميع بعفتها وثباتها وقوة يقينها في الله وحده. احست أنها تعيش نقمة فسألت من ربها نعمة ولكن أي نعمة ؟ إنها نعمة الحصول على بيت بجوار الرحمان في الجنة. وها نحن نرى رسولنا نبي الرحمة يرسم لنا طريقا سهلا ميسورا للحصول على بيت في الجنة فيذكر لنا أسبابا أقل مشقة بكثير من السبب الذي يسر الله به لامرأة فرعون دخول الجنة إنها أسبابٌ للحصول على بيت في الجنة، يتم بيانها فيما يلي: فعن رملة بنت صخر بن حرب رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صلَّى في يومٍ وليلةٍ ثنتي عشرة ركعةً، بُني له بيت في الجنة؛ أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر» . وعن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ولَدُ العبد، قال الله لملائكته: قبضتُم ولَدَ عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرةَ فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمُّوه: بيت الحمد» ؛ وعن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «من بنى مسجدًا للهِ ، بنى اللهُ له بيتًا في الجنةِ» و عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيمٌ ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترَك المِراء وإن كان مُحقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسن خلُقه» .فاللهم يسر لنا أحسن سبيل لنيل مقام بجوارك في الجنة آمين