قال الله تعالى في محكم تنزيله « فلينظر الانسان مما خلق ، خلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب و الترائب « الآيات 5 ، 6 و 7 من سورة الطارق .فالله ينبهنا هنا لكي نتدبر خلقنا و مبدأه و لا ننسى طبيعته و أصله ، فالإنسان مخلوق من ماء مهين وصفه سبحانه و تعالى بالماء الدافق و هو مني الرجل لأنه يحس به و يشاهد دفقه وفي تفسير الآية، لا يوجد خلاف في معنى الصلب فهو صلب الرجل أي أسفل ظهره حسب جل التفاسير إلا انه اختلف في المراد بالترائب ، أهي ترائبه أيضا أم ترائب المرأة . فقد ذكر السيوطي عن بن حميد عن ابن عباس قوله «والترائب» تريبة المرأة و هي موضع القلادة من صدرها و نفس القول اخرجه عكرمة و ابو حاتم لأن ذلك موجود في كلام العرب و في اشعارهم حيث قال الشاعر المثقب العبدي : ومن ذهب يسن على تريب كلون العاج ليس بدي غضون . و قال امرئ القيس : مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسجنجل و قال احدهم قديما : و الزعفران على ترائبها شرفا به اللبات و النحر وفي هذه الآية الكريمة يتحدث المولى عز وجل عن الانسان بدون ذكر الجنس منبها إيانا الى ضرورة النضر الى أصل خلقتنا مذكرا انه خلقنا من ماء يتميز بالدفق كخاصية مميزة ثم انه يخرج من مكان معين حدده المولى بمنطقة تقع بين الصلب و الترائب اي حسب جل المفسرين بين اسفل الظهر عند العمود الفقري و بمحاذاته من جهة و عظام الصدر عند موضع القلادة عند المرأة من جهة اخرى ، لكن الاشكال الذي وقع في التفاسير العلمية لهذه الآية هو أن خلق الانسان بيولوجيا هو نتاج إلتقاء الحيوان المنوي للرجل ببويضة المرأة و الآية تتحدث عن ماء دافق واحد حدده المفسرون بماء الرجل ثم ان مكان خروجه ليس من الخصية و ملحقاتها كما هو متعارف عليه طبيا بل من مكان موجود بين الصلب و الترائب مما زاد من تعقيد الأمر و فتح باب للمشككين في صحة كتابنا المنزل على حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم . لكن تفطن بعض الباحثين للحقيقة العلمية لهذا الاشكال كان برجوعهم الى دراسة مراحل تكوين الجنين في علم الأجنة فوجدوا الجواب الكافي و الشافي حيث ان كلا من خصية الرجل و مبيض المرأة ينشان في مكان واحد قبل «تمايزهما بجوار الكليتين ما بين منتصف العمود الفقري و اسفل الاضلاع « من بين الصلب و الترائب « من خلال بروز نتوءه في الجهة الوسطى لما يسمى « الميزونيفروز» و ذلك ابتداء من الاسبوع الرابع من عمر الجنين الى غاية الاسبوع السادس و هذا الانتفاخ البارز قد اخد قواعده على مستوى غشاء « البيريطوان البدائي او السيلوم « ثم تنطلق مراحل التمايز بعد ذلك الى ان تظهر الخصية و تنزل الى الصفن او المبيض الذي يستقر داخل الحوض ، و تبقى التغذية الدموية و الإثارة العصبية و الاوعية اللمفاوية من نفس المكان مدى الحياة من خلال الشريان الأبهر « الاورطي البطني « بحيث أن أي خلل أو ورم أو أي مرض يمس هذه المنطقة ينجر عنه عجز عن انتاج الحيوانات المنوية او الخلايا البيضية بالنوعية التي يقتضها الانجاب... (يتبع)