بدأ الأمير عبد القادر مسار تأسيس دولته مند مبايعته من طرف أعيان وشيوخ القبائل، لاسيما في البيعة الثانية المعقودة بتاريخ 13 رمضان سنة 1248 ه الموافق ل04 فبراير سنة 1833 م. وكانت هذه المرحلة بمثابة عمليةٍ انتخابية أفرزت قيادةً سياسية ومرجعية دينية. تفطَّن الأمير عبد القادر بصفته قائداً سياسي وعسكري إلى مجموع العوائق التي ستؤثر على نشأة الدولة، ولعل أبرز ما تفطَّن له، هو تفرُّق صف الأمة وشتات رأيها، حيث عمد إلى توحيد الكلمة وزرع الوطنية، وإذكاء الثقافة السياسية لدى مختلف القبائل والعشائر، التي كانت غير متعوِّدة على الانصياع تحت قيادة مركزية تتحكَّم فيها وتسيِّرها، إذ ألفت الاستقلالية في ذلك. هذا ولتسهيل عملية إدارة وتسيير الدولة قام الأمير عبد القادر بتقسيم جغرافية الدولة إلى ثمان (08) مقاطعات وهي كما يلي: مقاطعة الجبال على مستوى برج حمزة(ولاية البويرة حالياً) خليفتها أحمد الطيب بن الدبيسي، مقاطعة الزيبان على مستوى بسكرة خليفتها فرحات بن سعيد، مقاطعة مجانة على مستوى سطيف خليفتها محمد بن عبد السلام المقداني، مقاطعة الصحراء على مستوى بشار خليفتها قدور بن عبد الباقي، مقاطعة معسكر على مستوى معسكر خليفتها مصطفى بن أحمد التهامي، مقاطعة مليانة على مستوى مليانة خليفتها محُي الدين بن علال القليعي، مقاطعة التيطري على مستوى المدية خليفتها محمد البركاني. من أجل الوقوف على مصالح الدولة ومرافقها عيَّن الأمير عبد القادر خمسة(05) وزراء من ذوي القدرة السياسية والكفاءة العلمية والخلق والأمانة، ووكَّلهم بشؤون الدولة الحديثة، فسعى إلى تنظيم ظروف السكان الاجتماعية والعلمية والاقتصادية، فبنا المساجد، وضبط الميزانية ومولها من مخرجات الزكاة. علاوةً عما سبق، قام الأمير عبد القادر بإنشاء معالم الدولة ورموزها، إذ قام بتأسيس عاصمة لها ممثلةً في مدينة معسكر، كما قام بسك عملةٍ وطنية وصمم علماً خاصاً بالدولة.كما وأنشأ عاصمة متنقلة حملة إسم الزمالة كانت بمثابة عاصمة عصرية آنذاك تحتوي على كافة المرافق، ساعدته في تنظيم الدولة ومحاربة الإستعمار الفرنسي بفعالية وقوة؛ فضلاً عن ذلك بنا الأمير عبد القادر جيشاً منظماً ومهيكلاً وفق أحدث النُظم وقتئذٍ، ودعمَّه بالأسلحة الحديثة، حيث شيَّد عدة مصانع للأسلحة، الأمر ساهم بصفة كبيرة في إنتصارته العسكرية على الاستعمار الفرنسي؛ كما وأسس الأمير عبد القادر جهاز الشرطة الذي كان يسهر على تأمين المدن لاسيما من قطاع الطرق واللصوص، حيث إستتب الأمن في ربوع الدولة، وقلت الجرائم والفساد الأخلاقي. إن دولة الأمير عبد القادر كانت ذات تنظيم إداري، سياسي، عسكري، ديني وفكري ثقافي قلَّ نظيره، إذ أن جهوده في بناء دولةً حديثة للجزائر سمح بخلق نسيجٍ سياسي قوي ذا عمقٍ محلي وصدى دولي، مازالت تقاليدها قائمة إلى يومنا.