منذ أن استأسدت الجائحة و خلال وفاة إيّ اسم بارز أو مسؤول من كل الفئات المهنية ينشب بيننا في قاعة التحرير نزاع ، فلا أحد يريد أن يكتب على ميّت أو يحرّر تعزية إلّا أمس ... تسلّل كلّ واحد منّا إلى زاوية من زوايا بيتنا الكبير " الجمهورية " تسبقه دموعه التي غطّت على لوحة المفاتيح حروفَها، فرحنا نقلّب في ذاكرتنا و قلبِنا عن تلك الأيّام الجميلة التي تقاسمنها معكِ. و معك و بفضل الآلة الحاسبة اندهشت عندما علمت أني قاسمتك 23 سنة في مهنة المتاعب ، كيف مرّ الوقت يا فتيحة و في ما قضيناه ؟ هل صحيح أنّك غادرتِ إلى دار البقاء ؟ هل صار أبناؤك عَجايا ؟ لمن تركتِ فلذة الكبد فالأمّ سرّ الحياة و رحيمو لم يرد أن يكبرَ ؟ اليوم وجدتُ نفسي أبكي أختا عفوية تلقائية يصدح لسانها بما في صدرها دون ترتيب أفكار أو انتقاء مفردات ، وحتّى إذا غضبتِ فإشراقة وجهك الجميل لا تعبّر عن ذاك الغضب بل تسبقك ضحكة رنانة ، ففتيحة لا تعرف منطق " اسكت " و لا تعرف الضحك الهادئ بل قهقهتها تسمعها و هي لا تزال في الطابق الأرضي . و لا تدخل اجتماع الصباح إلّا و تضفي على المكان جوّا لا تتقنه إلّا فتيحة ، فزميلتنا تختلق لك موضوعا مفتوحا لكلّ التعاليق و حينها فقط يذهب عنّا السبات و الخمول و ننخرط في يوم جديد . و قبل أن تقلّب برقيات مراسليها تحدثك عن سفيان و ميمو و رحيمو ، أشبالها الذين عاشت كلّ حياتها مجتهدة و مجاهدة من أجل تدريسهم و نيلهم الشهادات العليا . ثم احذر أن ترتكب خطأ في اللغة ، فيومها يومك أسود ، لأنّك ستتابع مرغما درسا في القواعد ، فلغة الصحافة كما تقول فتيحة : لا تستدعي شعرا بل لغة بسيطة و كفى . اليوم ينساب حبري إلى البياض ليخطّ و يخطّ و معه ينساب الدمع على الخدود لأنّي أراك في كل مكتب ، خماراتك بألوانها الزاهية التي تزيد بياض وجهك رونقا ، نظاّراتك الأنيقة التي تنزعينها عن عينيك كلّما أردتِ الكلام و تقولين لي : نبغي انقابل . و حينها أعرف أنّ الأمر جاد. قيل لي أنّك تبسمتِ لزميلتنا سليمة حين زارتك في اليوم الثاني من العيد بمصلحة كوفيد 19 بوهران و أنت ترقدين في فراشك الأخير ، حينها انبعث في كل جسدي بصيص أمل جميل و انتعش فؤادي و ذهبت عن صدري غمّة و عن حلقي حشرجة و أنا كل رغبة في أن أراك مرّة أخرى و الضحك يسبقك ، فترجيتُ أن تترجلي لتزفي أبناك الثلاثة ، فأنا ما زلت أنتظر دعوة لعرس رحيمو الذي شهدتُ ميلاده و عقيقته ذات يوم من شهر أوت ، ، حيث جمعتنا اللّمة السعيدة . فتيحة هل تذكرين يوم قلتِ لي أنّ رجلا جاء إلى الإمام و كان هذا الإمام أب زميلنا محمّد اسماعين و قال له : يا شيخ أريد أن استردّ زوجتي فقد طلقتها و أنا غاضب . فردّ الحاج بن يمينة ربي يرحمه : و هل هناك من طلّق زوجته و هو سعيد ؟؟؟ أنا ضحكت و انصرفت و أنت ملأتِ الجريدة قهقهة ً. و هل تذكرين كيف كنّا نحتمي بك و نختبئ وراء ظهرك عندما يستشيط المدير غضبا من عنوان ما و تأتين أنت لتخلصينا من الموقف الحرج باقتراح عناوينك الجميلة ؟ ، و هل تذكرين قصتك لي عن عطلتك في ألمانيا و كيف يجتهد أبناء هتلر في تطوير بلدهم و كيف كان مطار هونبورغ آية في العصرنة ؟؟ و كم عساني أمنّي نفسي بأنّك لا تزالين ترقدين و غدا تستفيقين محاطة بأكاليل الزهور ، تسبقنا تهانينا بسلامتك و شفائك ؟ و أجدني أقول لنفسي في هذه اللحظات بأنّ فتيحة بن شيخ غادرت إلى دار البقاء بعد أن فاضت روحها الجميلة .. ربي يوسّع مدخلك و يثبتك عند السؤال و يستبدلك دارا خيرا من دارك يا حبيبة. الله مولانا