لو تأملنا العنوان سنجد أنه أفترض لنا لوحة انطباعية في محاولة لابتكار العناصر اللونية لها، الانطباعية بديل الحلم أو اليقظة، فهي كالوقوف بين الظل والضوء،فجعلنا ننتظر قدوم مانيه ،حيث يحضر بذاته وليس بريشته في لوحاته، لكن التحول المفاجئ في افتتاح القصيدة بتحولها إلى السريالية بمشهد العين الواسع التي تحولت إلى حقل ذئاب تتكاثر،كأنه صباح مضاد، هكذا تباغتنا الدهشة في هذا المشهد الحركي التفاعلي الذي تتحكم به حركة النمو والاتساع بالتكاثر، يتحول اللون فيه من لون الصبح المتفائل العذب إلى اللون الرمادي تحت سماء زرقاء بفكرة الوثوب والافتراس مع آخر نغمة على وتر الكمان لموسيقى سفر التكوين ل " توني بانكس"، فالعين هنا ليست عين " رينيه ماغريت" المخادعة في لوحة "المرآة الزائفة" ولا لوحة (عين) ل "موريتس ايشر" وفكرته العجيبة الانعكاس الكروي التي يقرأ بها المستقبل، كأنه حاضر يكون يتشكل الآن، لكنها عين الشاعر التي يرى فيها الذئاب تتكاثر في حاضر الأيام ، فيهرب السكر والهواء ، فيقول الشاعر : في عينيك أرى حقلَ ذئابٍ تتكاثرُ من فمكَ السّكَّرُ يهربُ مثلَ هواءٍ يزرعُ في أنفِ المستنشقِ، حيثُ الصّدفةُ بلورتِ الحالَ، يحيلنا الشاعر الحلاج كذلك إلى الصدفة التي بلورت الحال وينحني بنا منحاً تجريدياً بكلمة (لعل)، وهو من الأحرف المشبهة بالفعل يفيد التوقع والترجي، ويختص بالممكن الذي لا وثوق بحصوله، فيشاكس الضوء والظل، في محاولة ترتيب الحلم بالتمني على متخيله،كأنه يرسم فراسة الضوء في محاكاة تعاكسه مع كينونته ، وهو يتشكل بصمت شعرياً وتشكيلياً، وهذا ما جعل القبلاتِ استجداءَ حنوِّ الكفين كالبحث عن الماء في السراب فيقول الشاعر: القبلاتِ استجداءَ حنوِّ الكفين لعلَّ عمود النّخلةِ يفرضُ منحنيَ الشّكلِ لفيءٍ كالمرآةِ يصدُّ النّظراتِ الممزوجةَ بالرّمل المقليِّ بخوض الشاعر أمير الحلاج في قصيدته "لون الصباح" تجربة جديدة في اللغة، وفي تشكيل الصورة، وهندسة القصيدة، فهو يمتلك فيما يمتلك الحالمون المبدعون ناصية التحول والحلول في الكلمات، ربما لا يكون لديه أي فكرة عما يمكن أن ينبثق في النهاية،ليكون الشعر لديه مجاز يعبر عن الحياة كلها، فالفكرة هنا غير قابلة للتدجين رغم النزعة التشكيلية في اللغة في محاولة لتجسيد الحياة، فهي تتخطى فكرة التشكيل الشعري وما ينبثق منها من ابتكار وما يؤول إليه مآلها، تذوب فيها النغمات في تواليها الممتد في المدى على قوس الأفق ، ثم تعود على مسافة الصدى، وهي تتسلق سلمها اللوني والموسيقي حتى أخر الموجة، فتجعل اللون كهيئة الصباح في احتماله تأملا، وتأويلا، ومن بعد ذلك نذهب للحلم. النص : لون الصحّ في عينيك أرى حقلَ ذئابٍ تتكاثرُ من فمكَ السّكَّرُ يهربُ مثلَ هواءٍ يزرعُ في أنفِ المستنشقِ، حيثُ الصّدفةُ بلورتِ الحالَ، القبلاتِ استجداءَ حنوِّ الكفين لعلَّ عمود النّخلةِ يفرضُ منحنيَ الشّكلِ لفيءٍ كالمرآةِ يصدُّ النّظراتِ الممزوجةَ بالرّمل المقليِّ فهل ثمَّة ميزانٌ يخضرُّ بصدركَ؟ إنَّ الدّمعةَ أحيانًا تخرجُ وقت الفرحةِ فلتتوقف ثوب الصّوتِ الرّاجفِ لا يفصح عن واجهةِ الحزنِ فدع خدَّي من تبصرُ دون خدوشٍ فالهاربُ من سجنِ العينين أسرعُ من دفءِ كلامِ فمٍ لم يعرفْ لونَ الصّحّ.