تفضلي يا آنسة يا أم العيون الناعسة أنا وحيد متعب ولا رفيقا آنسه من لا يذكر كلمات هذه الأغنية الجميلة التي ذاع صيتها وردّدتها الشفاه في كل ربوع الجزائر؟ إنها كلمات مميزة لشاعر مميز هو-سليمان جوادي- صاحب الدواوين الكثيرة والتي منها:قصائد للحزن وأخرى للحزن أيضا, وأغاني الزمن الهادئ, وسليمان وغيرها. هو الشاعر والفنان والإداري والمثقف, وهو الصديق الذي لا يكفّ عن مد يده لكل من تعثر في الحياة وهو من الشعراء الذين ينتمون لجيل السبعينيات في الجزائر. كتب-سليمان جوادي- القصيدة الغنائية وبرع فيها متأثرا وقارئا ولا شك للكثير من الشعراء وعلى رأسهم الشاعر الكبير-نزار قباني- حيث كانت المرأة هي المحور الأكثر الذي اهتم به الشاعر, كما توزعت باقي القصائد بين قضايا عامة تهم الإنسان إضافة إلى قصائد تتعلق بالوطن. يكتب هذا الشاعر كمن يمسك الفرشاة ويرسم لوحة جميلة وساحرة, فتأتي قصائده كنسيج متماسك وأغنية أخّاذة ترحل بك إلى البعيد..إلى حيث الأشياء الجميلة ما تزال تولد وتنمو بقلب الإنسان..يغوص في التفاصيل الصغيرة ليصل إلى الفكرة مبسطا إيّاها بكلمات مألوفة لكنها واضحة.. عاشق هو دوما.. هارب من زمن إلى زمن.. ترفضه القصيدة حينا ويرفضها حينا آخر.. يفتش في شوارع المدن الجميلة عن لؤلؤ قد يتصادف أن يعثر عليه في الجزائر أو في بيروت أو في القاهرة..وحين تضيق الشوارع يهرب إلى البحر ليسكن موجه وينادي عليه: أن أعدني إلى مملكة الشعر.. الحب عنده كون شاسع كالبحر, هو العمر وأكثر حين يتحول الحبيب إلى الكون بأكمله..يقول الشاعر في قصيدته-العمر لك-: الحب لكْ.. والعشق لك.. والعمر لك.. أهجر فمهما هجرتني سأظل لك, سأقول إن فارقتني ما أعدلك, وأقول إن عذبتني ما أبخلك, جُد بالعذاب فبالهوى سأجود لك. هو العشق إذن كما ترسمه أنامل الشاعر.. وهو الكرم الذي لا كرم بعده عندما يذوب الجفاء في البذل والعطاء..ويواصل الشاعر عطاءه حين يرسم لوحة جميلة أخرى من خلال قصيدته -لا تعترف-..إذ يقول: لا تعترف يا ظالمي..لا تعترف أنا لم أسل عمّا اقترفت وتقترف. ماذا أقول وقد رجعتَ كمذنب عاف المجون ومل من عيش الترف قد جئتني وطرقت بابي نادما متوسلا..وأنا أحبك لا تخف.. هي مشاعر الأنثى التي تعطي دون مقابل وتمنح من نفسها ولو أن كرامتها قد تداس..هي التي تمنح السماح باسم الحب وتمنح الأمان باسم الحب أيضا..فهل يفعل الحب أكثر من هذا؟ يرد الشاعر؟ أدخل..دخلتَ ورحتُ مثل صبية بلها أرش العطر في كل الغرف ماذا فعلتُ؟ نسيت كل مواجعي ما دمتَ قربي لا يهمكَ ما سلف مُذ كنتَ لي وأنا أحبك يا ظالمي ما كان لي في العمر غيرك من هدف ارجع إلى قلبي الذي حطمته رمّم بقاياه وجدد ما تلف إني غفرتُ لك الذنوب جميعها فلم البكاء؟ لم الأصابع ترتجف؟. هذه هي الأنثى التي ما إن تهزها كلمة عشق حتى تنسى وتغفر وتنكر الذي كان وكأنها كانت تنتظر فقط لحظة العودة لتمسح من ذاكرتها كل الذي حدث وباسم الحب دائما سواء أكان ذلك صدقا أم كذبا..وهكذا يحدث أن تكذب فقط لتحمي الذي تحب وتحافظ على صورته مشرقة في عيون أطفاله..يقول الشاعر: أيقظت أطفالي وقلت لهم أتى بابا إليكم بالهدايا والتحف بابا.. وأكذب كلما سألوا:ترى يا أم مات لذا عن الإتيان كف؟ وأقول باباكم مضى لمهمة ولسوف يأتي هكذا قلبي هتف وأتيتَ ما لك لا تصدق إنني أنكرت حقدي واستبد بي الشغف إني وأطفالي بدونك لم نكن إلا كنبع فاض أياما وجف. انزع همومك يا حبيبي واسترح ما بيننا نرجوك ألا تنصرف.. لا شك أن روح-نزار قباني- حاضرة هنا كما في قصيدته -أيظن- حين ترمي العاشقة بكل ذنوب خائنها وتركض في البيت ناسية كل الحقد والغضب وتنكر حتى أنها قد حقدت عليه يوما.. لكن المرأة هنا هي الأم التي تسعى بنظر الشاعر لأن تزرع دوما موسما يعج بالدفء والغفران دون أن تفقد صفة العاشقة أيضا.. على هذا المنوال تقريبا كانت كل قصائد الشاعر وخاصة في ديوانه الأخير موزعة مبنية على العشق ورسم عوالم الذات المنكسرة من الداخل والتي تحاول ترميم ما تبقى لتستقبل الآتي دون ندم ودون حقد. وغير بعيد عن هذه القصائد, كتب –سليمان جوادي-قصائده الوطنية بنفس العشق وبنفس الرغبة في غد أكثر إشراقا..يقول الشاعر في قصيدته -جسدي والوطن-: ليس لي وطن غير هذا الوطن ليس لي وطن غير هذا الذي ينبت الحب فيه وتنتشر الأغنيات غير هذا الذي يكثر العشق فيه وتزدهر الأمنيات هو الوطن الذي ليس لها غيره..وهو الأمنية المزدهرة في حاضر مليء بالأغنيات..لكنه يظل حلما بعينيها, تريد أن تحيا فيه كما تشتهي ليكبر بداخلها ويمتزج بجسدها فهي العاشقة دوما لهذا الوطن..يقول الشاعر: آه يا جسدا ظل يحملني هل أنا مرفأ أم سفن؟ هل أنا واحة للهوى أم مدن؟ آه يا جسدي أنا غارقة في هوى وطني للأذن أنا عاشقة ولدت قبل أن يستفيق الزمن ولدت قبل أن يولد الحب من رحم الكلمات قبل أن يعرف الناس ما النور ما الظلمات أنا عاشقة فاتركوني أمارس هواي كما يشتهي وطني وكما أشتهي فأنا ليس لي وطن غير هذا الوطن. هذا هو الشاعر-سليمان جوادي-..هذا هو الشاعر الحالم الذي يرى بعيني العاشق والفنان ليتغنى بأجمل ما يمكن أن يتغنى به الإنسان.. هذا هو الراكض دوما في مروج الكلمات ليقطف من كل فج زهرة, يبلورها في شكل قصيدة يفوح منها عبق الحب والدفء والوطن..إنه الشاعر الذي اهتم الكثيرون بدراسته وبتقديم أعماله التي زاد من شهرتها تغني الكثير من الفنانين بها وقد قدمتهم بامتياز.. ويبقى أن أشير إلى أن-سليمان جوادي- مازال شاعرا وسيظل ومازال لديه الكثير من العشق ليبثه في قصائده ومازال لديه وطن كبير اسمه الجزائر ليظل متغنيا به.. وأختم هذه الكلمة بمقطع جميل لهذا الشاعر الذي فتح أبواب الحب في وطن لم يخلق إلا للحب..يقول في قصيدته -لا شعر بعدكِ يكتب-: تقولين يا للسذاجة: كم من فتاة عشقتَ؟ وكم من قصيد كتبتَ؟ وما قيمة العشق قبلكِ؟ ما قيمة الشعر قبلكِ؟ كنتُ هباءً وكانا هباء فلا عشق قبلك ِيُذكر لا شعر بعدكِ يُذكر أنتِ البداية والانتهاء.