تمرّ اليوم الذكرى ال189 لبيعة الأمير عبد القادر، والتي كانت محطة لقيام الدولة الجزائرية الحديثة في 27 نوفمبر 1832، كما كانت منطلقا لحركة جهادية منظمة لتحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي. واختار الأهالي آنذاك الأمير عبد القادر قائدا لهم، وعقدوا له «البيعة الأولى» تحت شجرة الدردار بوادي فروحة في سهل غريس بمعسكر. وبعد حوالي 3 أشهر من البيعة الأولى بتاريخ 27 نوفمبر 1832، وقعت «البيعة الثانية» أو «البيعة العامة» في قصر الإمارة بمعسكر بتاريخ 4 فيفري 1833. وقد حارب الأمير عبد القادر فرنسا مدة 17 سنة، وهو شاب صغير وخاض 116 معركة ضدّ 122 جنرالا فرنسيا و16 وزير حرب فرنسي، و5 من أبناء الملك لويس فيليب، وقتل جيش الأمير في معركة المقطع وحدها 1500 فرنسي. وحسب الدكتورة صورية حصام من قسم التاريخ بجامعة وهران، فإن الأمير عبد القادر وبحسه العالي ووعيه بأهمية العدالة في بناء الدولة التي كان بصدد تأسيسها بالتوازي مع جهاده ضد المستعمر، قام مباشرة بعد تلقيه المبايعة من عامة الناس بمسجد المبايعة بمعسكر بتعيين القاضي الحمدوشي وغيره من القضاة. وتميز الأمير عبد القادر بمشروعه الفكري والثقافي من أجل تعميم التعليم في وسط الجزائريين، حيث سعى إلى جمع المخطوطات في كل المناطق التي مرّ بها من أجل إنشاء مكتبة مغاربية شاملة، وحثّ جنوده على التعلم كما اهتم بنسخ المصاحف وكرس مجانية التعليم، وبالرغم من كل ظروف المقاومة الصعبة، إلا أنه عمل على توفير منحة للطلبة تتفاوت حسب مستواهم من أجل تشجيعهم على طلب العلم والتفوق. وكانت «الزمالة'' المدينة الحاضرة التي استحدثها الأمير، عاصمة للثقافة بتركيبة متكاملة مع فكرته الجهادية واهتمامه بالعلوم العسكرية، وأتاحت الفرصة لانصهار الروح العصبية والقبلية بين الأعراش، حيث جسّدت فكرة الأمير في التعايش والنظام المدني والوحدة الوطنية. وقد وحد الأمير الصفوف من أجل محاربة الفرنسيين، ومن أجل ذلك لعب دور القائد العسكري فقاوم العدو، ولعب دور القاضي فحلّ المنازعات بين القبائل، ولعب دور السياسي فألف بين الصفوف المتفرقة، حيث بدأ الأمير عبد القادر هجوماته العسكرية ضد الجيش الفرنسي ابتداء منذ سنة 1833، وفي حقيقة الأمر أن الأمير عبد القادر كان يحارب على جبهتين في آن واحد، فمن جهة كان يحارب فرنسا، ومن جهة كان يحارب القبائل المتمردة ويحاول أن يوحد الصفوف ويعيد الأمر إلى نصابه، لأن الأمير كان يدرك أن نجاح مقاومته من فشلها متوقف على الولاء والطاعة واحترام قرارات دولته، خاصة وأن فرنسا كانت تراهن على فشل العرب في تنظيم أنفسهم وصفوفهم للنضال والمقاومة.