خطّت الزيارة الأولى التي قادت رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى جمهورية مصر صفحة جديدة في سجلّ العلاقات التاريخية بين البلدين ، المحكومين من منطلق عوامل كثيرة بتفعيل هذه العلاقة أكثر لمجابهة الرهانات على أصعدة كثيرة و ليس فقط إثراء الثنائية أو البينية التي تربطهما . و يسمح وضعُ الاستقرار على جميع الأصعدة ، الذي توصّل إليه البلدان على أراضيهما ، بجهد جهيد من خلال محاربة الإرهاب و إرساء مؤسسات دستورية بالتكفّل الجيّد بالمسائل الإقليمية لاسيما العربية و الإفريقية ، اللتين لا تدّخر لا مصر و لا الجزائر جهدا لتبنيها و الذود عنها من خلال عرض الحلول السياسية السلمية ، بعيدا عن لغة الحروب أو التدخل الأجنبي . و كثيرة هي المسائل التي يجمع اهتمامُها الدولتان و ما أكثرها في الظرف الراهن ، فالبلدان و بحكم تمتّعهما بالقوّة الإستراتيجية و موقعهما كبوابتين في امتدادهما الجغرافي ملزم عليهما لعب الدور المناط بهما تجاه قضايا إفريقيا و العالم العربي من أجل دحر التشويش الأجنبي و حتّى بعضَ العربي الذي يؤتمر من طرف أجندات لا تحبّ الخير للمنطقة العربية و الإفريقية ، و بالتالي تجد الجزائر و مصر نفسهما تناضلان على أكثر من جبهة من أجل موقف جامع تنخرط فيه كل القوى في محيط الدولتين . تعميق التقارب الجزائري – المصري (الموجود أصلا انطلاقا من معطيات تاريخية) ممّا لا شكّ فيه يقلق أطرافا تغرّد خارج السرب لهدفين ، أوّلهما : عرقلة المسار المشترك للدولتين لأنّه يعيدها إلى نقطة الصفر في رحلتها لاختطاف الدور الريادي و الذي من خلاله لا تخدم مصالح الأمّة بل تسخّره للعب دور الدركي لصالح قوى أخرى دخيلة و تقاسم المصالح المنتزعة على حساب مصير شعوب و تقدّم دوّل . و ثانيهما : الإحياء الجديد للتقارب الجزائري المصري و العمل على ترسيخه لأهداف طويلة المدى يبعث الريبة و يشتّت من ينجزون حساباتهم بمفردهم دون الأخذ بعين الاعتبار وجود قوى أخرى ، لهم بالمرصاد في محاولاتهم الاستيلاء على مكاسب غيرهم و بالتالي تحويل الرأي العام الداخلي و الخارجي عن إخفاقاتهم المتكرّرة تجاه شعوبهم و أمّتهم. بين الجزائر و مصر توافق على طول الخط حول المسألة الليبية ، و هما الدولتان اللتان لم تجهض الظروف و المؤامرات عزيمتهما للمطالبة بل و العمل على إعادة بعث المسار الانتخابي المتعثّر في ليبيا ، و هو السبيل الأول للبناء المؤسساتي و العسكري لهذا البلد الجار . أضف إلى ذلك ما تتعرّض له القضية الفلسطينية من دسائس كلّها جاءت من الإخوة الذين فضّلوا مصالحهم الضيّقة على أم القضايا ، فحتّى إعادة رأب صدع المقاومة الفلسطينية يخيفهم لأنّ ترميم العلاقة بين الفصائل ينعكس سلبا على شريكهم «الاستراتيجي»، الكيان الصهيوني ، الذي يحارب القضية من الداخل من خلال سعيه الحثيث إلى التطبيع مع دول عربية ، و مصر بحكم الموقع تمتلك المادة الرمادية رفقة الجزائر التي لا تحيد عن موقفها و دعمها تجاه القضية و بالتالي التحرّك لصالح فلسطين لن يأتي من خارج الجزائر و مصر ، و هذا الملف مطروح بقوّة خلال القمّة العربية المنتظر انعقادها في الجزائر ،حيث تحاول الأخيرة تحقيق أكبر إجماع لهذا الموعد المصيري للقضايا العربية ، دون أن تغفل الدولتان المسائل الإفريقية و ما أكثرها في زخم تكالب القوى الراغبة في توطين نفوذها في السمراء لأهداف يعرفها الجميع ، بعيدا عن أدنى رغبة في مساعدة إفريقيا للخروج من مستنقع تخلّف تحبذه هذه القوى ذاتها لإحكام السيطرة.