إن استحقاقات التجديد النصفي لتشكيلة مجلس الأمة , هي من العمليات الانتخابية المفصول في نتائجها مسبقا , كونها مجرد تكريس لما أسفرت عنه الانتخابات المحلية من نتائج ,و لذا فإن ما حصدته الأحزاب من مقاعد في الانتخابات الولائية و البلدية التي جرت يوم 27 نوفمبر الماضي , هو الذي سيحدد رصيدها من مقاعد بمجلس الأمة, في حالة التزام المنتخبين باحترام مرشحي حزبهم , و التقيد بشروط التحالفات التي يبرمها مع أطراف أخرى , أحزابا كانوا أو مستقلين. و لذا تحرص الأحزاب التي لها تقاليد في خوض مثل هذه الاستحقاقات الانتخابية , على عامل الانضباط لدى مناضليها في جميع مراحل العملية الانتخابية.و لجعل المناضلين أمام مسؤولياتهم تجاه مرشحي حزبهم , حمَّلتهم قيادات الحزب مسؤولية اختيار مرشحي حزبهم عبر انتخابات أولية لانتقاء المرشح الأوفر حظا للفوز بالمقعد, و خاصة على مستوى الولايات التي يحوز فيها الحزب على أغلبية المقاعد على مستوى المجالس المحلية المنتخبة . و رغم أن نتائج الانتخابات المحلية كشفت عن وجود ما لا يقل عن 38 حزبا - من بين 39- حصلت على مقاعد على مستوى المجالس البلدية , ومنها 24 حزبا - من بين 30 – حازت على مقاعد على مستوى المجالس الولائية , إلا أن مرحلة الترشيحات لانتخابات التجديد النصفي لتشكيلة مجلس الأمة ,قلصت الأحزاب المتنافسة على مقاعد مجلس الأمة إلى 22 حزبا قرر المشاركة في هذا الموعد الانتخابي إلى جانب المترشحين المستقلين. تحذيرات غير مجدية من التمرد الحزبي و الملاحظ بخصوص معيار الأغلبية أنه نسبي عندما يتعلق الأمر بانتخابات وطنية , و الغلبة فيها لذوي الأغلبية محليا , و لذا تضطر الأحزاب إلى شكل من أشكال التحالفات الظرفية التي تمليها أوضاع الأحزاب نفسها خاصة من حيث الوزن الانتخابي و الانتشار الجغرافي بغض النظر عن التوجه السياسي أو الإيديولوجي. و ضمن هذا الإطار تندرج تحذيرات قيادة حزب جبهة التحرير الوطني لمنتخبيها من مغبة تمكين مرشح حزب آخر من الفوز على حساب ممثل " الأفلان " مؤكدة حرصها على ضرورة التعبئة للأفلان ,وتكتل ناخبي الحزب في صف واحد ضد أي مرشح ما عدا الذي يستظل تحت مظلة التحالف مع حزبهم .و لم يكتف الحزب العتيد بالتحذير بل أتبعه بالتجسيد حيث" قررت قيادة الحزب عبر بعض المحافظات المعنية إقصاء من صفوف الحزب المنتخبين الذين ترشحوا خارج إرادة الحزب في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة ، في كل من ولايات:الجزائر العاصمة,المدية ,تيارت, أم البواقي , غليزان, بني عباس , و رقلة . ويأتي هذا الإجراء تطبيقا لأحكام المادة 18 من القانون الأساسي للحزب". حسب البيان الصادر في هذا الشأن غير أن هذا الإجراء لا يخلو من بعض العواقب الجانبية , و منها حرمان الحزب من الترشح ببعض الولايات التي يُرْفَض مرشحه "الوحيد" بها لأسباب قانونية دون إمكانية تعويضه, و هو قصور تحالفات هشة النتائج و وخيمة العواقب في استشراف عواقب القرارات , لدى معظم الأحزاب, تحاول ترقيعه باللجوء إلى تحالفات هشة , ما دام الانشغال الأكبر للفائزين بالمناصب الانتخابية و أحزابهم , ينحصر بعد الإعلان عن النتائج مباشرة في البحث عن احتمالات التحالف الأكثر تمكينا للطرفين ضمن الهيئات القيادية للمجالس المنتخبة أولا, و كذا كيفية استثمار النتائج المحققة في المحليات بشكل يتيح الفوز بمقعد في مجلس الأمة و يدعم رصيد الحزب في هذه الهيئة البرلمانية الهامة. و بالتالي فإن التحالف الأوثق الذي يحتاجه المنتخبون الجدد بمختلف المجالس المنتخبة , هو ذلك الذي يمتن علاقتهم بالمواطن , و يرمم الثقة بين الطرفين, و إعلان نتائج الانتخابات ينبغي أن يكون إعلانا عن بداية هذا التحالف المثمر, لا طلاقا يستمر إلى حين قرع طبول استحقاق انتخابي جديد, لتكرار نفس "اللعبة", علما أن نفس المنتخبين المحليين للعهدة الحالية ,هم مدعوون لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة بعد 3 سنوات. هذا و رغم أن التحالفات دخلت بشكل محتشم في الانتخابات المحلية منذ ثاني موعد انتخابي تعددي في الجزائر سنة 1997 و استمرت عبر بقية المواعيد الانتخابية , إلا أنها ,غالبا ما تبقى بدون تأثير كبير لا على نتائج الانتخابات و لا على نسبة المشاركة فيها , بل الراجح أنها تؤثر سلبا على مصداقية العملية الانتخابية برمتها جراء ما تفرزه المنازعات و الخلافات بين المترشحين الفائزين جراء تغير التحالفات أو قيام تحالفات مضادة على ضوء النتائج, بحثا عن التموقع الجيد الذي يتيح الفوز بمنصب ضمن الهيئات التنفيذية للمجالس المنتخبة , و ما ينجر عن ذلك من انسداد تعطل سير المجالس و من خلالها المصالح المباشرة للمواطنين , و لاسيما على مستوى الجماعات المحلية. و لذا كان من المفروض , قبل اللجوء إلى أي شكل من أشكال التحالفات الانتخابية "القبلية او البعدية" , أن تتوفر الأحزاب المعنية على أوراق رابحة يمكن أن تضمن لها فرص التفاوض مع الحلفاء,فما هي الأوراق التي تتوفر عليها معظم الأحزاب المعتمدة في الجزائر سوى تبادل الأصوات؟. المهم ؛أنه رغم كل عوائق المسار الانتخابي, فإن 68 منتخبا سيلتحقون بمجلس الأمة, بعد إعلان نتائج انتخابات التجديد النصفي للمجلس, منهم 20 منتخبا يمثلون الولايات العشر الجديدة ,في هذه المؤسسة التي يكتمل بها بناء صرح المؤسسات الدستورية المنتخبة, بالنسبة للجزائر الجديدة, المنبثقة عن الحراك الأصيل, قبيل ذكراه الرابعة بأيام معدودة.