تؤكد الكثير من المراجع التي تحكي عادات وتقاليد الشعوب، أن استهلاك مادة الشاي في المجتمع الصيني، تعد ظاهرة ثقاية خاصة في هذه الشاسعة، كما أن الناس هناك، يعتبرون إعداد هذا المشروب، صناعة فنية، وليست حاجة غذائية، لذلك يتفاجأ الزائر إلى هذه القارة'' بوجود عدد كبير من المقاهي والصالونات الخاصة بالشاي، لكل مقهى أو صالون عادات خاصة يتميز بها عن غيره، باختلاف أنواع الشاي المفضلة لدى الزبائن. فأهل العاصمة بيكين مثلا، يفضلون تناول الشاي العطر، ويفضل أهل منطقة شانغهاي شرب الشاي الأخضر، فيما يفضل أهل مقاطعة فوجيان جنوب شرقي الصين شرب الشاي الأحمر. ومثلما هناك أنواع كثيرة لهذه المادة في الصين، هناك أيضا آداب معينة لاستهلاكها، تختلف بحسب المناطق، ولكنها لا تتناقض في المعنى او الغرض من استهلاك الشاي، ففي العاصمة بيكين مثلا، عندما يقدم المضيف الشاي لضيفه، يتوجب على هذا الأخير أن يقف من جلوسه، ويتناول كوب الشاي بيديه احتراما للمضيف، ويجب أن يتبع ذلك بقوله شكرا، أما في مقاطعتي قوانغدونغ وقوانغيش بالجنوب الصيني، فعندما يقدم المضيف الشاي لضيفه، يتوجب على الأخير أن يحني أصابع يده اليمنى ويدق بها سطح الطاولة بثلاث دقات خفيفة تعبيرا عن شكره للمضيف، وفي مناطق اخرى، إذا أراد الضيف أن يزيد من شرب الشاي، يتوجب عليه الإبقاء على بعض الماء في الكوب دلالة على رغبته في المزيد. مثل هذه العادات والتقاليد التي تنم عن ثقافة شعب عريق مثل الشعب الصيني، كان يمكن أن نستفيد منها هنا في الجزائر، أو لنقل نتعلمها منقولة من الجالية الصينية في الجزائر، وهي الجالية التي تكاد تكون من أكبر الجاليات العالمية المواجدة ببلادنا بحكم العلاقات بين البلدين وبحكم العمالة الصينية في الجزائر التي تظل في تزايد. الصينيون عندما جاءوا إلى الجزائر بكثافة، للأسف لم ينقلوا لنا مثل هذه العادات التي تشكل وجها ناصعا من ثقافة الآخر، ولم يساهموا في تسويق ثقافتهم الشعبية إلى شعب آخر، إنما ذاب الكثير منهم في بعض العادات التي استوردها المجتمع الجزائري من حيث لا يدري مصدرها أو انعكاساتها، ومن أمثلة هذا الذوبان المنبوذ أن ترى مواطنا صينيا يقطع الطريق وسط المدينة وهو يرتشف القهوة من فنجان يحمله بين يديه دون أن يتوقف عن السير، ودون أن يبالي بنظرات الآخرين إليه، وقد يكون منهم من يحتقره أو ينظر إليه بعين الريبة والاستصغار، لأن شرب القهوة في المقهى وليس في الشارع كما يفعل الكثير من شبابنا الذين عمموا هذه الظاهرة وجعلوا منها قاعدة أصبحت منتشرة في الكثير من المدن، فلم يعد يخلو شارع أو حائط من شاب يحمل بين يديه فنجان قهوة ويمسك باليد الأخرى سيجارة مع ما يحمله هذا السلوك من عيوب، ومع ذلك استطاع شبابنا ان يصدرها للصينيين الذين تجزأروا من حيث لا يحتسبون.