بدون منازع، كان للكتاب الدور الرئيسي في نشر الثقافة ونشر الحضارة العربية والإسلامية وكان الآلية التي بها ينتقل العلم والمعرفة. قال رسول الله (صلعم)" قيدوا العلم بالكتابة" - رواه الحاكم و صححه الألباني. - إن الله جل وعلا يقول في محكم التنزيل" اعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم ". الآية: من اعظم مصادر القراءة، العلم والمعرفة. وأوسع مصادر العلم والمعرفة : القراءة ولقد أدرك أجدادنا الأوائل هذه المهمة فكانت نتاج ذلك تاريخ مزدهر وحافل بالانجازات العظمى في مجالات شتى الرياضيات، الطب، الاقتصاد، علم الطبيعة، الجغرافيا، حتى أصبحت بلاد الإسلام منارة للعلم والمعرفة. قبل ظهور الإسلام، كان العرب يهتمون كبقية الأمم القديمة في تدوين مذكراتهم، وأحداث عصرهم في نقوش كما أكدت آثار اليمن و غيرها.و لم يتركوا لنا آثارا مكتوبة كثيرة. وذلك راجع لظروف العيش القائمة على الترحيل والانتقال، ونضيف إلي ذلك قلة الكتاب وأهل العلم والقراءة لما حل الإسلام بيننا دينا وعقيدة، جاء بوصايا وتعليمات لأولي الألباب يحثنا علي طلب العلم والقراءة، والقران كتاب لا يفتحه إلا من يدرك القراءة والكتابة. وبظهور المسجد تولدت فيه المكتبة حيث تجمع فيها كتب القران والفقه والتفسير ثم كتب العلم، والعلم سبيل إلي خشية ومعرفة الله الواحد الأحد وتاريخ الكتاب عندنا، ارتبط بعاملين أساسيين - الأول : عامل ثقافي حضاري قام علي العلم، ونشوء التدوين. والثاني: عامل مادي فني تعلق بتوفر مواد الكتابة من البرد الرق والورق فيما بعد. الصحيح، أن الكتاب ارتبط بمراكز العلم، وانشأ في قاعات الدرس . فقد عاشت المكتبة في كنف أماكن العبادة والمسجد مثل الزيتونة في تونس.هكذا ينتقل العرب من الشفاهة إلى التدوين ونشوء مراكز للعلم. ❊ تطور أدوات الكتابة الكتاب هو العنصر المادي للحضارة الإسلامية ولا يتطور إلا بوجود أدوات الكتابة - مادة يكتب بها، ومادة يكتب عليها. ومن أبرزها. الجلد : وكانوا يسمونه الرق - الأديم (الجلد المدبوغ، الملون) القضيم، وهو نوع الجلد يرقق حتى يكتب عليه. كل هذا ذكر في الشعر الجاهلي. القماش : من القطن أو الحرير النبات : أشهرها، العسيب وهو يأخذ من النخيل وهناك أيضا الكرنافة وجمعها كرانيف وهي أصول السعف اللاصقة بالجدع، وقد ورد أن الوحي كان يكتب في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) على العسب والكرانيف العظام : أشهرها عظم الكتف واللوح والأضلاع الحجارة : وهي حجارة بيض يكتب عليها, استعملت في عهد الرسول (صلعم) الورق: صناعة الورق قديمة وهي من اختراع صيني وصلت إلي بلاد العرب أيام الفتوحات ولعب الورق دورا عظيما في الاتصال ونشر الثقافة العربية وساعد علي ظهور الكتب والمكتبات من الورق الرخيص الثمن. الورق أداة اتصال، وكانت لهذه المواد المكتوبة الفاض عامة يطلقونها عليها ليدلوا على المكتوب، وما كتب به معا الصحيفة الكتاب والزبور وجمعها زبر، وقد يراد بها الكتاب الديني. ومن أدوات الكتابة نجد في المرحلة الثانية المواد التي كانوا العرب يكتبون بها وهي 3 مواد: القلم المداد والدواة. القلم : مصنوع من القصب ويرجع عهده واستعماله إلى الفراعنة وصفه الكثير من الشعراء العرب (ابن قتيبة ابن النديم والصولي وغيرهم...). الدواة وهو الوعاء الصغير الذي يوضع فيه الحبر، ليغمس فيه القلم ويصنع عادة من بعض المعادن المعروفة آنذاك من الحديد أو النحاس... المداد : هو سائل يأخذ من رماد بعض المواد المحروقة او من بعض أنواع الحجر الملون، تدق وتطحن وتخلت بالماء واللون الأسود كان اكثراستعمالا وبعد الكتاب والقلم,كان من الضروري على العرب أن يطوروا الخط المستعمل. الموضوعات الكتابة العربية تنوعت و تطورت بتطور الأفكار والمعرفة, ثم تعددت المواد و ارتقت شيئا فشيئا و لعل أول هده الموضوعات التي كان الأجداد يدونوها- الكتب الدينية و الفقه و أصول الدين ❊ ما هي المصنفات المهمة في ابرز العلوم و الفنون - الأنساب : كان للعرب اهتمام بالغ لمعرفة أخبار الأجداد و تاريخ الجاهلية وأنسابهم وأشعارهم وظهر فيما بعد عدد من علماء الأنساب، وأصحاب الأخبار ومن أشهرهم - دغفل بن حنظله السدوسي المتوفى عام 70 ه . وله مجالس عند معاوية دونت في كتاب له اسمه "التظافر والتناصر". 2-التاريخ والمغازي : بدأت مبكرا عملية تدوين مغازي الرسول (صعلم) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وضع التقويم الهجري الذي أصبح من بعد، العمود الفقري للدراسات التاريخية. ومن أشهر الكتاب في هذا الصدد نجد عروة بن الزبير المتوفى عام 94ه فقيه ومحدث مشهور وكان مؤسس دراسات المغازي. 3-الشعر والأدب : كان الشعر شفهيا أكثر ما كان مكتوبا. ومع ظهور الإسلام وتطور أدوات الكتابة والقراءة، اتجه عدد كبير من المثقفين إلي جمع دواوين الشعراء، ومنهم من اتجه إلي جمع أشعار قبائل معينة، كل قبيلة في ديوان مستقل، ومنهم من اتجه إلى تصنيف ما يسمى بكتب الاختيار. 4- اللغة والأمثال : يمكن القول بان اللغة= نظام اجتماعي خاضع لتأثير الزمان والمكان، واللغة كائن حي تخضع لعوامل النشوء والارتقاء والتبدل والتطور، فتولد كلمات جديدة، وتموت أخرى قديمة، وتحيا أساليب كانت مندثرة، هذا شان اللغة العربية. 5- النحو : يظهر عيسى بن عمر كأول من كتب في النحو وترك لنا كتابين" الجامع" و"الكامل" وضمنهما جل الأبواب النحوية التي اتضحت أصولها في مطلع القرن الثاني الهجري وفي ذلك يقول الخليل بن أحمد... ذهب النحو جميعا كله ❊❊ غير ما احدث عيسى بن عمر ذاك إكمال، وهذا جامع ❊❊ فيهما للناس شمس وقمر 6-الفقه وأصوله، والتفسير : كانت عناية العرب في القرن الأول من الرسالة بالغة في تدوين أخبارهم الجاهلية وأنسابهم، وأشعارهم وكل ما يتصل بدينهم الحنيف. وقد تأسست في كل مدينة إسلامية مدرسة دينية عنيت بتفسير الذكر الحكيم وقصة الحديث الشريف وكل يحرس علي الحفاظ والتدوين ما يسمعونه. اشتهر ابن عباس المتوفى في عام 68 ه في مكة حيث كان يحاضر في تفسير القرآن الكريم. ونذكر عصر عمر بن عبد العزيز حتى نراه يأمر بتدوين الحديث. ننتقل بعد ذلك إلى الإمام مالك(متوفى179ه) صاحب المدونة الكبرى التي دونها عنه تلميذه سحنون. ثم نصل إلي الإمام الشافعي (المتوفى204ه) صاحب الرسالة وهي أم المؤلفات في أصول الفقه، وهي التي أسّست القواعد التي سار عليها الأصوليون بعده. 7-العلوم العامة : العلوم المعرفية و يذكر أن خالد بن يزيد بن معاوية كان متعطشا بكتب الفلك والطب و الكيمياء. ونقل العرب الكثير من المعرفة الإغريقية والهندية والفارسية وبذلك ندخل في عهد الترجمة وسنفتح تلك الصفحة الجميلة من تاريخنا المجيد في الحلقة القادمة.