❊ أجد نفسي في العمل الحكواتي الذي أقوم بكل أدواره ❊ "بقرة ليتامى" قصة جميلة ومطلوبة بكثرة من قبل الجمهور ❊ حصة "أستوديو الأطفال" التلفزيونية منحت لي الفرصة لتجسيد مهنتي ❊ "راديو غزال مرسيليا" كان همزة وصل بيني وبين جاليتنا والجمهور الفرنسي ❊ تربطني علاقات قوية مع عدة فنانين أجانب في هذا المجال ❊ لم أجد الدعم لا من مديرية الثقافة بسيدي بلعباس ولا من الوزارة الوصية ❊ أنا بصدد إعادة هيكلة نص »القنديل« للأديب الفلسطيني غسان كنافي يعد ماحي مسلم صديق أحد أعمدة الفن الحكواتي الشعبي بعاصمة المكرة ، هذا الفن الذي إنبثق من الذاكرة الشعبية و عبر عديد العصور و تتلمذ على يده عديد المثقفين بدأت من مجرد حكاية أو قصة من أم أو جدة لإبن أو حفيد لتصل و تلج عالم الفنون و تصبح مخزنا للذاكرة و شاهدا على حقبة من الحقب و من أجل الغوص أكثر في خبايا هذا الفن العريق عراقة أصله أجرت الجمهورية حوارا مع أحد رواد هذا الفن و الذي أوصل الحكاية الشعبية الجزائرية إلى قمم العالمية و ذلك من خلال مشاركته في عديد المناسبات الثقافية في العالم : ❊ من هو الحكواتي ماحي الصديق؟ - الإسم الكامل ماحي مسلم صديق من مواليد 1960 و هو فنان حكواتي و مؤلف لعدة نصوص و أنا إبن مدينة سيدي بلعباس رأت عيني النور بحي القرابة العتيق و الذي شهد أيضا ميلاد عمالقة و كبار الفن الشعبي ببلعباس على غرار الشيخ المدني و أحمد زرقي . ❊ ماذا نعني بالحكاية الشعبية و ما هي جذورها التاريخية و ما هو الهدف منها ؟ - الحكاية الشعبية ببساطة هي الذاكرة الشعبية فأي مجتمع أو أي جيل بدون حكايات أو أساطير تنبثق منها محكوم عليه بالزوال فالحكاية الشعبية تمشي ببطء من قرن إلى قرن و من جيل إلى جيل و من عصر إلى عصر و إمتداداتها تنحصر بين الناقص مالا نهاية و إلى الزائد مالا نهاية فليس لها بداية و لا نهاية . ❊ هل لمهنة الحكواتي قالبها الرسمي أم هي مهنة حرة ؟ فيه خطابات رسمية للدولة إهتمت بالتراث الشعبي بطريقة فلكلورية و لكن هاته الصبغة لم تدفع بفن الحكاية الشعبية إلى الأمام . ❊ هل للحكاية الشعبية مكان خاص يتلاءم و خصوصيتها ؟ - في قديم الزمان كان فقط الحكواتي أو القوال يقوم بأعماله داخل الأسواق الشعبية و كان هو المكان الوحيد لإبراز الأعمال الحكواتية . و لكن في الوقت الحالي لم يعد السوق الشعبي كما كان عليه في القدم فأصبح للبيع و الشراء فقط دون سواهما لذلك بحث الحكواتي عن أمكنة أخرى لإيصال الفن القصصي إلى الجمهور الواسع من ذلك المسرح ، المدارس ، دور الثقافة ، المساحات العمومية ، وسائل الإعلام كالتلفزيون و الإذاعات المسموعة ..إلخ . و من ذلك أصبح للحكاية الشعبية أمكنة متعددة و جمهور واسع عكس القدم. ❊ هل تأثرت الحكاية الشعبية سلبيا بعصر التكنولوجيا ؟ - لم تتاثر الحكاية الشعبية بعصر التكنولوجيا سلبا بل إيجابا بدليل قيامي بطبع (3) كتب على شبكة الإنترنت و هي معروضة للبيع بفرنسا و من ذلك " حجرة القمرة " و " بنادم لي كان يشوف الليل " إلى جانب طبع كتاب " مراية الما" و الذي ألفه مع الكاتب الفرنسي دانييل لودوك و هو من جيل الخمسينيات. ❊ متى إنطلقت مسيرة الحكواتي ماحي صديق و كيف أصبح معروفا على المستوى الوطني و العالمي - تعود بي الذاكرة إلى المنبع الأول و هي الأم رحمها الله و التي كانت تروي لي الحكايات و القصص بحيث كبرت في جو الأساطير التي ما زلت أتذكرها إلى غاية يومنا هذا . و ما ساعد أيضا في إكتساب موهبة الحكواتي الحي الشعبي الذي ولدت و ترعرت فيه و هو حي القرابة العتيق و الذي عشت فيه جو الحكاية الشعبية و أصولها المتجدرة بإعتبار أنه يضم ساحة عمومية أصبحت في وقتنا الحالي سوقا لبيع ملابس الرجال و يتعلق الأمر " بالطحطاحة " و التي كانت تقام فيها تجمعات يومية للسكان الذين يأتون من كل حدب و صوب يتوسطهم الحكواتيون لسرد مختلف القصص و الحكايات الشعبية و من ثم وصلت إلى مرحلة ألزمتني بضرورة إخراج هذا الفن إلى النور و كانت اول تجربة لي في المقاهي و لقيت تجاوبا كبيرا من طرف الوافدين عليها و من ثمة و بخطوات متقدمة كونت ذاتي و أصبحت أشارك في المهرجانات و المناسبات و اللقاءات الثقافية رغم أنني لقيت صعوبات كثيرة في مسيرتي الحكواتية و ذلك لأن هذا الفن لم يكن معروفا لدى الكثيرين ففي بدايتي الفنية كنت أتصل بمؤسسات ثقافية لغرض عرض موهبتي و إبرازها للجمهور و لكن في كل مرة كنت أصطدم بعدم معرفة هذا الفن ففي كل مرة كان يطلب مني إخراج ديكور خاص فمنهم من كان يحسبني بهلوانا أو ساحرا لذلك كنت في كل مرة أترجم معنى فن الحكواتي و الذي هو أرقى من كل الفنون لإحتوائه على النص و الجماليات معا و هذا الفن تحتاجه كل أنواع الفنون فالأغنية تحتاج إلى النص و المسلسل التلفزيوني يحتاج كذلك إلى نص .....فهذا الفن له علاقة وطيدة مع كل مستلزمات الفنون . ❊ من إكتشف موهبة ماحي الصديق ؟ - منهم من كان يقول بأني أملك صوتا إيذاعيا و منهم من كان يرى في التركيبة المسرحية و لكن من إكتشف في هذه الموهبة هو الجمهور الذي عرفني بمخزوني الداخلي و أعطاني الفرصة لإكتشاف ذاتي و صقل موهبتي . ❊ هل يحبذ ماحي صديق الأعمال المنفردة أم يميل أكثر إلى الاعمال المشتركة ؟ - لا أنا أحبذ أكثر العمل المنفرد من العمل المشترك لأن الحكاية هي صوت داخلي شخصي فهو بحث يومي في أعماق الذات البشرية ، فأنا أجد نفسي في العمل الحكواتي الذي أقوم بكل أدواره بنفسي و لكن رغم ذلك قمت بعدة أعمال مشتركة و لعل أهمها ما قمت به في فرنسا مع حكواتي فرنسي الجنسية ( من أصول جزائرية ) و الذي جسدت برفقته حكاية " بقرة ليتامى" بحيث قمت بتجسيدها باللغة العربية ليقوم هو بترجمتها باللغة الفرنسية لأن هذا العمل كان موجه للجمهور الفرنسي . ❊ من أين إقتبست حكاية " بقرة ليتامى " ؟ - »بقرة ليتامى« هي قصة جميلة جدا و مطلوبة كثيرا من قبل الجمهور و قمت من خلالها بإجراء لقاء بين إمٍرأة أمية و هي أ مي رحمها اللّه من خلال ما كانت تحكيه لي و أخرى مثقفة تدعى مرغربت طاوس عمروش و إحدى الكاتبات في منطقة القبائل بحيث قمت بإجراء تزاوج في نص واحد مما أضفى جمالية رائعة على هذا الأخير. ❊ هل خاض الفنان ماحي صديق مغامرات مع عدسة الكاميرا ؟ - نعم كنت أنشط حصة تلفزيونية موجهة للأطفال بعنوان " استيديو الأطفال " و التي كانت تبث على القناة الجزائرية الثالثة كل يوم جمعة و كانت لي الفرصة بأن أجسد مهنتي الحكواتية و أحكي قصصا من التراث . ❊ هذا عن التلفزيون فماذا عن الإذاعة المسموعة ؟ - نعم أنا أنشط أسبوعيا كل يوم سبت ركن براديو "غزال مارسيليا" و هي إذاعة فرنسية بمدينة مارسيليا و هو فضاء أقوم فيه على المباشر و بالإتصال بالركن هاتفيا أقوم بسرد قصة أو حكاية أو أسطورة . ❊ كيف سمحت لك الفرصة بتنشيط هذا الركن ؟ - هذا الركن قبل أن أقوم بتنشيطه كان مخصص للمثقفين من المغرب العربي فتم برمجة لقاء معي و قمت فيه بتجسيد فكرة الحكواتي عبر أمواج الأثير فلقيت إعجابا و تجاوبا كبيرا من طرف الجمهور الفرنسي الذي وجد لذة في كيفية صياغة النص و الإلقاء الذي لا يخلو من الدقة و الشجون فطلب مني من طرف إدارة الإذاعة تنشيط هذا الركن كل يوم سبت و كان ذلك لي بمثابة المفخرة بأن يترك الحكواتي الجزائري بصمة قوية في نفوس الجمهور الأجنبي . ❊ هل قمت بسرد الحكاية بلغات أجنبية أم أصالتها تكمن في لهجتها الشعبية ؟ - الشطر الثاني من السؤال هو الأصح فعلا فأصالة الحكاية تكمن في اللهجة الشعبية خاصة و أن لها ريتم موسيقي فالنص حتى و إن لم يفهم باللهجة الشعبية و باللغة العربية من لدن جمهور أجنبي إلا أنه يتذوق الأصالة و اللذة ، فقد حدث في فرنسا و أني أردت أن أترجم النص إلى اللغة الفرنسية بعدما قمت بسرده بلغته الأصلية إلا أن الجمهور رفض رغم أنه لم يفهم النص . ❊ هل شاركت في مهرجانات دولية و ما هي الأعمال التي عرضت فيها ؟ - نعم شاركت في عدة مهرجانات دولية منها الإحتفالية التي تنظمها كل شهر سبتمبر جريدة " ليمانيتي" الفرنسية و قد شاركت بنص " الطوير لي منقارو خضر " و هو نص باللغتين العربية و الفرنسية و حاليا ترجم إلى اللغة الإسبانية و شاركت أيضا في مهرجان ريو لوكو بمدينة تولوز المخصص لتلاقي الثقافات لا سيما المغاربية هذا و شاركت في مهرجانات دولية أيضا تم تنظيمها بالجزائر مثلت بلدي فيها على غرار مهرجان الاهقار الذي تم تنظيمه في تمنراست و قمت بتنظيم ورشة تكوينية بالمناسبة هذا و شاركت في الصالون الدولي للسياحة الذي نظم بالعاصمة و الذي قمت من خلاله بمحاكات الجزائر . ❊ ماذا عن المهرجانات المحلية و الوطنية ؟ - كان لي الشرف في الأسبوع الماضي بأن شاركت في اللقاء السادس حول الحكاية بوهران و ما زادني شرفا أني عينت المدير الفني للمهرجان و الذي أشرفت عليه جمعية القارئ الصغيرتحت شعار " احكيلي وهرن " و قد شارك في هذا اللقاء عدة حكواتيين أجانب قدموا من دول إيطاليا ، لبنان ، الكونجوا ، و الكوت ديفوار ، و ما حز في نفسي هو أني أنا من حكيت وهران بتاريخها و أصالتها و عراقتها ، هذا و كانت لي الفرصة أيضا بأن حكيت الصحفي عبد الحميد بن الزين و ذلك بعدما كتبت أسطورة عنه و هو الذي شارك في الثورة الشعبية المظفرة بمنطقة ولاد ميمون بالغرب الجزائري و ذلك بمناسبة منح جائزته التي تمنح كل سنة لصحفي ، و قد قمت هاته السنة خلال محاكاتي للماضي الثوري الجليل بمحاكاة الثورة أيضا و إحياء الذاكرة الثورية و خلق الفرصة لسرد وقائع ثورية للخلف . ❊ هل كان لك لقاءات مع فنانين حكواتيين أجانب ؟ - ليس لدي لقاءات مع فنانين حكواتيين أجانب فحسب و إنما تربطني علاقات قوية و متينة مع عدة فنانين في هذا المجال . ❊ هل كان لهاته العلاقات المتينة كما ذكرت تأثير على التبادل الخبري بين الحكاية الشعبية الجزائرية و الحكايات الشعبية الأخرى ؟. - هذا أكيد و لكن تبقى الحكاية الشعبية الجزائرية أعظم من الحكايات الشعبية الأخرى كقرينتها في المغرب العربي بحيث الحكاية العربية مازالت تحتفظ بطابعها الخام و لم يدخل عليها أي تصنيع أو مكياج رغم أنها تعود إلى حقب غابرة . ❊ هل تم إستنساخ حكايات ماحي صديق و تحويلها إلى أعمال مسرحية و سينيمائية ؟ - أجل فيه نصوص كثيرة كتبتها أنا و تم وضعها في قالب مسرحي على غرار نص " غميضة " و هو العمل الذي أنتجه المسرح الجهوي لولاية سيدي بلعباس سنة 2010 و أخرجه للمسرح قادري محمد " السمكة الذهبية " هو أيضا نص تم تحويله إلى عمل لعرائس (الڤراڤوز) و قد نال هذا العمل أحسن نص في مهرجان عرائس (الڤراڤوز) بعين تيموشنت . ❊ هل تلقيت عروضا للتعاقد مع مؤسسات تلفزيونية أجنبية ؟ - لم يحدث حتى الساعة أن وصلتني عروض من هذا القبيل و نتمنى أن تكون جريدة الجمهورية فأل خير علينا في هذا المجال . ❊ بمن يتأثر الحكواتي ماحي صديق ؟ - مدينة سيدي بلعباس غنية بالرجال المبدعين في العالم المسرحي خاصة ، و أنا شخصيا من الأشخاص المحظوظين لأنه كانت لي الفرصة و أن عشت و عايشت أيام كاتب ياسين ، عبد القادر علولة ، و عبد الرحمن كاكي و هم عمالقة المسرح الجزائري عموما و المسرح الغرب الجزائري خصوصا . و قد كان هذا الثلاثي العظيم التيار الفكري و المسرحي الذي تأثرت به و كانوا بمثابة منبع الذي شربت منه حتى ارتويت ، و ممن تأثرت بهم أيضا أمي الكريمة (رحمها اللّه) و هي تاج رأسي و التي تعد اللبنة الأولى لإكتساب الموهبة صعدت من خلالها إلى أعلى القمم . ❊ ما هي آخر مشاريعك أو أعمالك ؟ - أنا بصدد إعادة هيكلة نص القنديل للأديب الفلسطيني غسان كنفاني و هو النص الذي إلتقيت به صدفة و هو يحكي قصة أميرة ترك لها والدها وصية بعد موته لتولي مقاليد السلطة موصيا إياها بمحاولة إدخال الشمس إلى القصر الملكي لتبدأ الأميرة برحلة البحث من أجل تنفيذ وصية أبيها و هذا العمل هو تتمة لنص " لوكان كنت في غزة " ❊ هل تجسدت في الواقع أحلام ماحي صديق و هل وصلت الرسالة الحكواتية من خلالك ؟ - أجمل كلمة للرد على هذا السؤال هي الحمد لله و بفضل الله أنا سعيد بما قمت بإنجازه إلى حد الساعة فقد تخطيت كل الصعاب من أجل أن تصل الحكاية الشعبية الجزائرية التي كنت أسمعها من أمي إلى العالمية . ❊ هل وجدت الدعم الملائم من السلطات المحلية و الوطنية لنقل التراث بين الأجيال المتعددة - لا ، لا لم أجد الدعم لا من مديرية الثقافة لولاية سيدي بلعباس ولا من وزارة الثقافة كل ما وصلت إليه كان عن طريق علاقاتي الشخصية و لم أجد أية مساعدة بطريقة رسمية إلا من المسرح الجهوي لولاية سيدي بلعباس الذي دعمني كثيرا و أمدني بفرص كثيرة لإبراز موهبتي و ملاقاتي مع الجمهور من خلال برمجة عروضي على خشبة المسرح و من هذا المنبر الإعلامي أشكر كل من ساعدني من قريب أو من بعيد بإدارة المسرح الجهوي .