يتميز الحكواتي الكونغولي "جوروس مابيالا" بطريقة خاصة وفريدة في الإلقاء، جعلته يستقطب الصغار والكبار وجمهورا من مختلف الفئات والأعمار، فالكل يصغي باهتمام كبير لأجمل الحكايا والقصص في عالم ساحر مزين بأبهى ألوان التراث يقول "جوروس" أن جاء إلى الحكاية واختارها دون سواها ليقهر العدو، كما يرى بأن بداخل كل واحد منا جدة تروي قصصا وحكايات وطفلا ينصت إليها بشغف واهتمام مكافح عملاق من أجل تثمين التراث وقائد مغوار لسفينة الحكاية يتقاسم مع الجمهور تارة لحظات من الخوف وتارة أخرى لحظات الأمل من خلال رحلة ممتعة في عالم الحكاية المليئة بالجمال والخيال...اعتمدته جمعية "القارئ" منذ سنة 2007 نظير خدماته الجليلة لهذه التظاهرة الثقافية المتميزة فكان لها السند والأساس المتين الذي أضحت ترتكز عليه. الجمهورية: بصفتك المدير الفني للمهرجان الدولي للحكاية بوهران ما الذي يميز دورة 2011 ؟ - جوروس مابيلا: يتميز المهرجان هذه السنة بإحتفاله بالدورة الخامسة، وبالتالي فإن هذا التقدم الذي أحرزه مهرجان الحكاية بوهران، جعلنا نحرص كل الحرص على الإهتمام أكثر بالجانب الفني للتظاهرة من أجل توسيع صداه وإعطائه خصوصية، وكون أن الجزائر هي بلد "البناف" فإن هذا جعلنا نضاعف جهودنا لبلوغ أهدافنا والمتمثلة في فتح بوابة إفريقيا وأعني بها الجزائر أمام جمهور الشباب من خلال إبراز الأبعاد الحقيقية والقيمة الفنية للحكاية، لاسيما وأن هذا النوع من الفنون أضحى وسيلة جد مهمة للتعبير والتواصل بين الناس بل وبين الشعوب بغض النظر عن جنسياتهم وعرقهم وموقعهم الجغرافي، وعليه أتمنى أن نتكفل أكثر بتقاليدنا وأن نولي عناية فائقة ولموروثنا الثقافي حتى نتمكن من ترسيخ حضورنا بقوة في الكلمة والفنون الشفهية، باعتبار أن إفريقيا هي مهد الإنسانية نشأت على الكلمة والثقافة، وبالتالي فإن مهمتنا اليوم تقتصر على ترميم الذاكرة عن طريق إبراز وتثمين البحوث الأولى التي قام بها الأسلاف في مجال الحكاية التي تعتبر المسرح الأول بلا منازع. من خلال تنشيطك للعديد من عروض الحكاية في الدورات السابقة للمهرجان ما رأيك في الجمهور الجزائري لاسيما بوهران؟ - خصوصية مهرجان الحكاية بوهران، هو أنه يرتكز أساسا على الجانب التربوي من خلال تنظيم خرجات إلى المؤسسات التعليمية بغية التقرب أكثر من التلاميذ وإطلاعهم على مختلف الحكايا المتداولة بين الشعوب، وهذا أمر مهم وأساسي بالنسبة لنا كونه يصب في صلب أهدافنا، واستطيع القول ودون مبالغة أن الجزائر تملك جمهورا رائعا ومحبا للحكاية، بل هي أكبر مثال يمكن أن يؤخذ ويحتدى به على المستويين القاري والعالمي، والدليل على ذلك هو ما لمسناه لدى تنشيطنا للعديد من جلسات وعروض الحكاية عبر مختلف المؤسسات التربوية والثقافية خلال الدورات السابقة بوهران، فعادة ما تكون القاعات مملوءة عن آخرها، رغم أننا لم نقم بأي دعاية أو ترويج للمهرجان وبالتالي فإن الجزائر لديها أحسن جمهور محب ومهتم بالحكاية، وهو ما يشجعنا ويحفزنا على تقديم عروض في المستوى تليق بهذا الجمهور الرائع. نعلم أنك دائم التنقل بين مختلف مهرجانات الحكاية المنظمة عبر العديد من البلدان، برأيك فيما تكمن خصوصية مهرجان وهران؟ - خصوصية مهرجان الحكاية بوهران تكمن في الجانب الفني طبعا، فنحن نسعى من خلال هذه التظاهرة التوغل في عمق المجتمع من أجل تثمين الثقافة لاسيما الشعبية، وجعل الجمهور يحضر ليتعلم وأيضا ليتذكر الفنون الشفهية النابعة من تراثنا العريق وعلاوة على هذا هناك أيضا جانب التبادل والإحتكاك بين الشعوب، فشغلنا الشاغل هو جعل هذه التظاهرة ملتقى للثقافات وإبرام الصداقة بين الشعوب، وموعدا لا يفوت للتبادل والتواصل والتعريف بخصوصية الحكاية بالبلدان المشاركة. هل لديك فكرة عن الحكاية الشعبية الجزائرية؟ - تمكنت من خلال مشاركتي في مهرجان الحكاية بوهران على مدار أربع سنوات وترددي الدائم على الجزائر من الإلمام بالكثير من جوانب الحكاية الشعبية الجزائرية، التي أجدها من أروع الحكايا كونها مستوحاة ومستمدة من التراث الجزائري الثري والعريق وقد ازدادت الفكرة التي كنت أحملها تطورا أثناء مشاركتي في المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني "البناف" الذي احتضنته الجزائر في 2009 . من خلال تنشيطي لليالي الحكاية بجبال القبائل التي كانت في منتهى الروعة، أعتقد بأن هذا النوع من الفنون أضحى من التقاليد الجزائرية التي بدأت تزداد ترسخا يوما بعد يوم من أجل سرد تقاليد المنطقة. ما رأيك في الحكواتيين الجزائريين؟ - معظم الحكواتيين المحترفين الجزائريين أو الإفارقة يتواجدون في الخارج، أما الذين ينشطون في الداخل وأقصد في بلدانهم فإن عيبهم الوحيد أنهم يفتقدون للإحترافية ويبقى هذا إستنتاجي الخاص، لكه هذا العيب يمكن التخلص منه وتجاوزه بكل سهولة عن طريق الممارسة وتطوير وتبادل الخبرات مع أهل الإختصاص في مجال الحكاية، إلا أن الجزائر تتميز كما سبق وذكرت عن سائر بلدان العالم بجمهور رائع لاسيما وأنها تتوفر على شريحة هائلة من الشباب يمكن أنم نجعل منها الجمهور الأساسي للحكاية الجزائرية والإفريقية على حد سواء. ذكرت في أحد تصريحاتك أنك تربيت على إيقاع القصص التي كان يسردها والدك كيف ذلك ؟ فعلا لقدمنحي والدي الحرية المطلقة منذ صغري ولا أتذكر يوما قال لي فيه لا تفعل هذا إنه سيء وافعل هذا إنه جيد! وإنما كانت لديه طريقة خاصة في التربية وفي التعامل معي تتمثل في سرد حكاية لها صلة بالموضوع المطروح وعلي أنا أن أستنتج الفكرة وأستخلص الدرس وآخذ العبرة فالحكاية بالنسبة لوالدي ليس لها نهاية بل هي مفتوحة وكل موضوع تدور حوله حكاية ما يحمل في ثناياه حكاية أخرى فكل هذا ساهم في تكوين شخصيتي وغذي موهبتي ورسم مساري الفني لكن بالمقابل لا أقبل أن يوضع مفهوم محدد للشفوية يقيد حريتي في هذا المجال طالما أنني أملك طريقتي الخاصة التي تحدد هويتي ألا وهي الشفوية الإفريقية التي أعتز بها كل الإعتزاز وأفتخر بها ومتشبث بها إلى أبعد الحدود هو إذن كفاح إخترته ولا أزال أخوضه لحد الساعة نفهم من كلامك أنك حكواتي لا يكل ولا يمل؟ حقا يمكنك قول ذلك لأنني إخترت هذه المهنة عن قناعة وحب وكرست لها ولا أزال كل وقتي وجهدي من أجل إمتاع الجمهور التواق لفن الحكاية بأجمل القصص وفي نفس الوقت لكسب قوت عيشي لقد ثابرت حتى أفرض نفسي وقدراتي الفنية كما أنني أجد متعة لا توصف عندما أقابل الجمهور وأشرع في سرد قصص وحكايات لأبحر بالحضور في عالم مليئ بالسحر والجمال والخيال... هل لديك طريقة خاصة في التواصل مع الجمهور؟ أحسن وسيلة لتمرير أو سرد أي حكاية شفويا هو أن تجعل كل الأذان صاغية لك وحريصة على سماعك من البداية إلى النهاية وبالتالي فإن أهم شيء في الحكاية هو أن تقنع السامع بما تقول وتجعله يركز معك ويتابعك بإهتمام وهناك تكمن جدارة وحنكة الحكواتي بل إحترافيته وخبرته في هذا المجال. هل هناك فرق بين الحكاية أمام الصغار والكبار؟ خصوصية الحكاية الإفريقية بشكل عام أنها لا تفرق بين الصغار أو الكبار لأن جمهورها يتشكل من مختلف الأعمار كما أنها لا تسرد من أجل أن ينام الأطفال بل على العكس فهي تسرد كي توقظ الضمائر وينهض الأطفال فالدماغ عضلة وأحسن طريقة لتنشيطه هي الكلمة ما هي حكاياتك المفضلة التي تحرص على سردها بإستمرار؟ لا أخفي عليك الحكايات المفضلة لدي هي الحيوانات أحب كثيرا سرد قصص على لسانها لسبب بسيط هو أن كل ما يحدث في الغابات أجده يشبه إلى حد ما ما يحدث في أوساط المجتمعات وما هو متداول بين البشر وربما قد يتعجب الكثير من الناس إن قلت أنه في بعض الأحيان أجد أن الحيوانات عقلاء على البشر !! وهذا ما يجعلني أميل كثيرا إلى هذا النوع من القصص والحكايات التي عادة ما تحظى بإعجاب الجمهور ما موقع الحكاية الإفريقية من خارطة الحكاية العالمية ؟ تحتل الحكاية الإفريقية مكانة مهمة في خارطة الفنون الشفهية العالمية وقد تم تأكيد ذلك في الكثير من المناسبات والتظاهرات الكبرى لا سيما خلال »البناف« إفريقيا هي مهد الإنسانية وبالتالي فإن كل الفنون الشفهية بما فيها الحكاية متجدرة فيها ومنتشرة في كل زاوية من زوايا القارة السمراء لكن إن أولينا لها مزيدا من الإهتمام فإنها حتما ستحتل المكانة المرموقة التي تستحقها على المستوى العالمي . إستهليت مسارك الفني بالرقص والتمثيل ليستقربك الأمر في نهاية المطاف على الحكاية كيف تم ذلك؟ فعلا لدي تكوين في الرقص والتمثيل كما أنني جربت واشتغلت بكل المسارح الكلاسيكية المعروفة خلال بداياتي الفنية فكل ما تعلمته في المدرسة ومع هذا الفن الرابع جعلني أخرج بإستنتاج واحد هو أن الحكاية هي المسرح الحقيقي ومن تم قررت الإشتغال فيها وفي المهنة التي لا أزال أزاولها بإستمرار ومتشبث بها إلى أبعد الحدود من أجل تثمين هذا النوع من الفنون الذي يكتسي أهمية بالغة لدى الشعوب هل من مشاريع تعتزم إنجازها مستقبلا؟ أنا في تواصل مستمر ودائم مع الجمهور وبالموازاة أواصل كفاحي من أجل تثمين هذا الفن ونشره وإستقطاب جمهوره عبر أنحاء العالم أتمنى أن يتزايد عدد الحكواتيين الأفارقة والجزائريين على حد سواء كما أطلب من كل واحد لديه قصة ألا يتردد في سردها وفي تنمية قدراته حتى يحلق بركب المحترفين في فن الحكي إنه مشروع طالما حلمت أن يتحقق ويحظى بكل الدعم والوسائل اللازمة الكفيلة بالتجسيد على أرض الواقع خدمة للحكاية وتثمينا لتراثنا العريق وأيضا للإنفتاح على الثقافات وفنون الكلمة ونشر المحبة والسلم والصداقة بين الشعوب