المتتبع للحملة الإنتخابية التي دخلت أسبوعها الثالث يكون قد لاحظ أن العزوف عن التجمعات الشعبية لمختلف الأحزاب لايزال سيد الموقف ولم يخف العارفون في الميدان حقيقة فشل »الخطاب« السياسي المنتهج من طرف رؤساء الأحزاب وممثلي القوائم الحزبية المختلفة في إقناع الناخبين لحضور التجمعات الشعبية التي أضحت شبه فارغة. وأرجع المختصون في دلاليات الخطاب وسيميولوجية سببا العزوف الملاحظ لتدني مستوى الخطاب السياسي أثناء الحملة مما كرس الرتابة المملة التي نفرت المتلقي من التجمعات الحزبية. وفي هذا الإطار يرى الأستاذ مرسلي لعرج أستاذ بجامعة وهران والمختص في اللسانيات والسيميولوجيا أن نفس المصطلحات السياسية لاتزال تتردد على مسامع الجزائريين من طرف خطباء الأحزاب السياسية وزعمائها منذ عقدين حيث يفتقر أغلبهم لما أسماه »القاموس السياسي« حيث ساهم إفتقار »الخطباء« لآليات الإقناع« أو ما يسمى »بالحجاج« في تكريس الملل والرتابة التي طغت على معظم التجمعات الشعبية بينما أرجع المتحدث ذلك لافتقار أساليب الخطاب للآليات الحداثية كالبساطة وانعدام الصدق مما انعكس على البعد الاتصالي الذي لم يرق للمستوى الجماهيري الذي يؤهله لاستقطاب المتلقي مما جعله بالتالي منعدم الدقة والفعالية التي جعلته يدخل في خانة مايسميه المحللون السوسيوثقافيون بالعادة. وتطغى الخلفية والتراكمات السابقة لقادة الأحزاب على صورة الخطاب السياسي لتلك الهيئات مما جعل خطابها السياسي يدور في »حلقة مفرغة« رغم الاجتهاد في توظيف »هجين« و»خليط« لغوي حيث لم تحدث الخطب »الرنانة« المتضمنة إديولوجيات معينة الصدى المطلوب نتيجة تغلب الصورة والاحكام المسبقة على الشخصيات الحزبية من طرف المتلقي الذي لم تغب عنه التراكمات السابقة والتي لم تسلم منها حسب الأستاذ مرسلي حتى الأحزاب الثقيلة على الساحة التي لم يعد خطابها جذابا بل تجاوزه الزمن. وبالمقابل لايزال الخطاب »اللاذع« و»العنيف« و»الانتقادي« يستقطب بالجزائر حيث تلجأ النخب السياسية لتصعيد لهجة خطابها كوسيلة أخيرة نتيجة للغلق السياسي والإعلامي الذي يرى ذات المختص أنه كرس لسنوات إحتقانا على كافة المستويات جعل الخطاب العنيف يستقطب أكثر بالمقارنة مع الخطاب المتزن والمفتقد ببلادنا نتيجة لغياب نقاش اجتماعي مستمر على المستويات الاعلامية والرسمية وكذا لانعدام ثقافة المواطنة وكذا »الهوة« الشاسعة بين اللغة المستعملة في الخطاب والمستوى الثقافي للجمهور المتلقي باعتبار أن اللغة نتاج لمعايير سوسيولسانية واجتماعية ومهنية وفئوية. وكحل لفشل الخطاب في »تعبئة« الجماهير بالجزائر يرى المتحدث ضرورة قصوى لفتح الإعلام الثقيل أمام كافة الاطياف الاجتماعية بما يهدف لخلق ثقافة مواطنة فيما يقترح أستاذ اللسانيات على الاحزاب مراعاة مستوى الجمهور »المستهدف« في الوقت الذي يتعين على التيارات السياسية المختلفة تحقيق إنسجام تام بين برامجها وإديولوجياتها المتنوعة وبين »اللغة الإشهارية« الخاصة بها في الملصقات التي لاتزال منعدمة »الدلالة السيميولوجية« نتيجة إفتقارها للدراسات المتخصصة.