ثارت ثائرة المطربين التونسيين حال الكشف على برنامج الدورة 48 لمهرجان قرطاج الدولي بعد الإعلان عنه في ندوة صحفية حضرها المهدي مبروك وزير الثقافة، وتسارعت وتيرة الاحتجاج وتعالت أصوات عدد من المطربين والمطربات مستنكرين بحدّة، منددين بشدة، وأجمعواعلى القول إن المهرجان حرمهم المشاركة بشكل أكبر وإن نصيبهم من الحضور قليل وضعيف. إذ اقتصر على حفلة لصابر الرباعي ومشاركة تكاد تكون رمزية لعدد منهم في حفل افتتاح جماعي. بعد العاصفة التي حصلت في نهاية الندوة الصحفية والتي وصل فيها الأمر إلى حدّ تهجّم مطرب على الوزير نفسه، اجتمعت النقابات الثلاثة للفنانين التونسيين في لقاء عاصف، وأعلن كل المنتمين لها من الحاضرين مقاطعة مهرجان قرطاج وكل المهرجانات التونسية الأخرى احتجاجاً على عدم إدراج عدد أكبر للمطربين التونسيين في مهرجان قرطاج، وتتالت التصريحات والاحتجاجات في الصحف ومختلف الإذاعات والقنوات التلفزيونية، مما أربك وزارة الثقافة وأثار ضجة في الرأي العام. ورغم ما عرف عن المطربين التونسيين من عدم انسجام في المواقف سابقاً وتنافس، وأحياناً تنافر وخصام وغيرة، فإن أكثرهم هذه المرة كانوا صوتاً واحداً عبر نقاباتهم. ولعلّ المصلحة هي التي وحّدتهم، ومما زاد في قوة موقفهم وصرامته انضمام لطفي بوشناق وصابر الرباعي لقرار المقاطعة، وهذا الأخير- ورغم أنه تمّت برمجة حفلة له يوم12 جويلية إلا أنه قرّر المقاطعة هو الآخر تضامناً مع بقية زملائه.والحقيقة هناك من النقّاد من يجزم أن الفنان التونسي عدا استثناءات قليلة كصابر أو لطفي بوشناق أو أمينة فاخت، لا تجلب حفلاته جمهوراً كبيراً، وحصل في دورات سابقة أن غنّى بعضهم أمام عدد قليل جداً من الجمهور. في حين أن اللبنانيين يجلبون الآلاف ويمتلىء المسرح. وتنفد كل التذاكر قبل مواعيد الحفلات مما يحقّق توازناً ماليا لإدارة المهرجان، إلا أنه جواباً على هذه الحجة فإن المطربين التونسيين يلقون باللائمة على الإعلام المسموع والمرئي الذي يقولون إنه لا يبثّ إنتاجهم كثيراً ولا يساهم في الترويج لهم، ثم أنهم يتحجّجون أيضاً بأن المهرجان هو ليس تجارياً بل هو مهرجان ثقافي وفني وهذا الجدل يتكرر دائماً دون جدوى. بعد أن علت أصوات النقابات، تخفّت وزارة الثقافة وراء اللجنة المكلّفة باختيار البرنامج، وهي لجنة ضمّت أسماء مشهود لها بالكفاءة والنزاهة. وقد تمّ عرض 130 ملفاً عليها وهي الملفات المترشّحة لمهرجان قرطاج لإعطاء رأيها، ولكن سرعان ما ظهر أحد أعضاء هذه اللجنة، وهو الملحن عبد الكريم صحابو ليؤكد بأن لا ضلع لهم في البرمجة المعلن عنها وأن الوزارة لم تأخذ برأيهم وهو ما زاد في حرج الوزارة. ومما غذّى غضب المطربين التونسيين أن المهدي مبروك وزير الثقافة سبق أن أعلن بأنه سيسعى إلى الارتقاء بمهرجان قرطاج في 2012 حتى تكون خشبة المسرح تليق بتونس وثفاقة تونس، وأنه لن يتحوّل مهرجان قرطاج إلى مهرجان للعري، كما كان في السابق. ولم يخفِ بعض المطربين التونسيين عدم رضاهم من وجود الكثير من حفلات في هذه الدورة لمشارقة من لبنان و الخليج يرون هم من وجهة نظرهم أن لا جديد لديهم وأن مشاركتهم لا يمكن أن ترتقي بالمهرجان مثلما وعد الوزير وأنه لا بد من إيجاد توازن بين أهل الدار والضيوف . ولأن حرية التعبيرفي تونس اليوم أصبحت واقعاً، فإن هناك قلة من المطربين تطاولوا على الوزير والوزارة وكالوا لهم التهم وأغلظوا القول الذي لامس التجريح أحياناً. وشعر المطربون وقد اتّحدوا لأول مرة وراء نقاباتهم الثلاثة أنه يمكن لهم أن يمثّلوا ضغطاً بقرارهم مقاطعة كل المهرجانات. وعندما اشتدّت "الأزمة"، تدخّل الاتحاد التونسي للشغل في مسعى للوساطة بين الوزارة ونقابات الفنانين وحصل اجتماع وتمّ إيجاد حلّ بإضافة أربع سهرات تونسية، وأبدت الوزارة في بلاغ لها تفهمها وقبولها لمطالب النقابات. واعترف الوزير بعد ذلك في لقاء له مع الإذاعة الوطنية أنه فعلاً خضع أمام الضغط وقال بالحرف الواحد: "نعم تنازلت"، مشيراً في نفس السياق إلى أن وزارته لها القدرة على النقاش بحثاً على التوافق. ولكنه انتقد من أسماهم "ثوار الساعات الأخيرة"، معترفاً في الوقت نفسه بحق الاحتجاج. ومن الحجج التي تقدّم بها بعض المطربين التونسيين للتعبير عن عدم رضاهم لمشاركة بعض النجوم العربية في المهرجان الإشارة إلى وجود "لوبي" داخل وزارة الثقافة وخارجها مستفيد - بشكل أو بآخر- من تواجد بعض الأسماء العربية وهي تكاد هي نفسها وتتكرر باستمرار في دورات مهرجان قرطاج الدولي. ووسط هذه الموجة أطلّت المطربة لطيفة المقيمة بمصر بإصدار بيان لم ينل اهتماماً كبيراً تعبّر فيه عن مساندتها للمطربين التونسيين. الجدير بالملاحظة أن مهرجان قرطاج الدولي الذي ارتبط منذ 2004 بعقد مع "روتانا" امتدّ إلى عام 2010 تمّ بمقتضاه مقابل مبلغ مالي معين، إقامة بعض الحفلات باقتراح منها تحتكر تصويرها وبثّها تلفزيونياً على قناتها. وقد أعلن د. المهدي مبروك وزير الثقافة وهو في الأصل أستاذ علم اجتماع في الجامعة التونسية في وقت سابق، أنه لا مكان مستقبلاًً لإليسا ونانسي عجرم في مهرجان قرطاج الدولي، وقال جملته الشهيرة: "ان نانسي عجرم واليسا لن تمرا في قرطاج ولو على جثتي". ولكنه ودون تسمية أحد، عاد هذه الأيام ليقول إن هناك عروضاً في الدورة الحالية مرّت فعلاً على جثته دون أن يسميها. وسيكون افتتاح مهرجان قرطاج الدولي في دورته الثامنة والأربعين يوم 5 جويلية 2012. ويتواصل على امتداد شهر وعشرة أيام بأكملها ليختتم يوم 15 أوت. ويتضمّن عروضاً غربية أيضاً. ويقام مهرجان قرطاج في كل صيف بالمسرح الأثري بمدينة قرطاج العريقة التي أسّستها الملكة عليسة القادمة من مدينة "صور" اللبنانية وأحرقها الرومان. وبقيت آثارها شاهدة إلى اليوم على تاريخها المجيد. وتنظّم هذا المهرجان الدولي وتشرف عليه وزارة الثقافة. وقد خصّصت له هذا العام ميزانية تناهز ما يساوي تقريباً مليوني و200ألف دولار. وسيكون لحسين الجسمي موعد مع جمهور قرطاج يوم13 ومارسيل خليفة يوم14 وكاظم الساهر يوم 19 من نفس الشهر. ومن العروض في برنامج هذه الدورة حفلة مشتركة بين رامي عياش ووائل جسار يوم28 وحفلة أخرى مشتركة بين نجوى كرم وراغب علامة يوم3 أوت . كما أُثير لغط كثير حول حفل عازف العود العراقي نصير شمة المبرمج في المهرجان. إذ تساءل الكثير من الفنانين التونسيين جهراً: "لماذا نصير شمة وليس العازف التونسي أنور براهم المشهور عالمياً"؟ وكشف الوزير أنه تقابل مع العازف التونسي الذي اعتذر عن المشاركة.