وصف الملحن قويدر بركان الوسط الفني ببلادنا على أنه بات فضاء للدخلاء الذين لا يفقهون في الفن شيئا ولا تربطهم أي علاقة بالغناء أو الموسيقى , الأمر الذي أثر بشكل سلبي على وضعية الفنانين الذين طالهم التهميش و الإهمال بمختلف أشكاله و ألوانه , كما تأسف بركان للحالة المزرية التي يعيشها أعضاء الجوق الموسيقي لوهران الذي لا زال مصيره مجهولا في ظل غياب استراتيجية عمل محددة وعدم تبنيه قانونيا من طرف أي هيئة أو مؤسسة رسمية , هذا إضافة إلى تصريحات أخرى تكتشفونها في الحوار التالي : الجمهورية : الجوق الموسيقي لوهران عرف سنوات باهرة من التألق و النجاح منذ فترة الاحتلال , لكن بريقه مضى و اضمحل خلال الأعوام الماضية فما سبب ذلك ؟ بركان : لحد الآن لم نتلق أمرا بتوقيف الجوق الموسيقي , لكن في نفس الوقت لم تعطنا الولاية الضوء الأخضر لاستئناف نشاطنا كما في السابق أو أفضل من ذلك , فالأوركسترا المكونة من 26 عضوا لا يزال مصيرها مجهولا و أعضاؤها مشتتين بطريقة تبعث على الاستياء , إذ نادرا ما يتم استدعاؤهم في العاصمة للمشاركة في بعض المناسبات الفنية و الثقافية على غرار مختار شومان و سراج عبد الرزاق و مولاي عبد النبي و قايدي الهواري و باي بكاي و لخضر اسطنبولي , هذا عدا عن أولئك الذين ماتوا و تركوا وراءهم أعمالا فنية لا زالت مسجلة في الذاكرة الفنية لمدينة وهران, و الأمر مماثل بالنسبة لي ففي حال ما إذا احتاجتني السلطات في تظاهرة معينة أقوم بجمع شتاتها و استدعاء الفرقة لتنشيط الحفل لكن إلى متى سيبقى الحال على ما هو عليه ؟ , فالعمل بهذه الطريقة لن يفيد الأوركسترا في شيء و لن يدعم أعضاءها المهمشين الذين لا زال مصيرهم معلقا في ظل غياب استراتيجية عمل واضحة , فمهرجان الأغنية الوهرانية في طبعته السابقة قدمناه بشق الأنفس و استغرقنا حوالي شهر و نصف لتحضيره لأن الفرقة تشعر بالضياع ولحد الآن لم تجد من يتبناها لا الإذاعة و لا الولاية ؟ !! و هو ما نطالب به الجهات المعنية التي عليها أن تنقذ الأوركسترا من الضياع و تنتشلها من مستنقع النسيان . الجمهورية : ما هي في رأيك الصعوبات التي بات يواجهها اليوم الفن بوهران ؟ بركان : الفن الوهراني بحاجة للاستقلالية و الخروج من طابع التبعية التي أثرت بشكل كبير على مستقبل الفنانين , فالفنان بات اليوم مهمشا بشكل رهيب و نادرا ما يتم استدعاؤه بالعاصمة للمشاركة في حفل فني كبديل ربما أو لملء الفراغ و أنا أتحدث هنا عن الفنانين الكبار و المعروفين أما الشباب فحدث و لا حرج , إذ لا زال هؤلاء محبوسين في مدينتهم ينتظرون الفرج من الباب الضيق , فحبذا لو أن مؤسسات الدولة تتنبى هذه المواهب و تنتج لهم مشاريع و مبادرات من شأنها أن تساهم في ترقية الفن ببلادنا تماما مثل السنوات الخوالي عندما كونت الإذاعة خلية إنتاج مختصة تضم خيرة الملحنين و الكتاب على غرار ناجي نور الدين و كريم الهواري و طيبي طيب و عبد الله غربال و رحال الزوبير و غيرهم من الأسماء الفنية العريقة , هذا إلى جانب الكتاب مثل طموح عبد الله و صايب الحاج و ميلود بن عبد الله , هذا إضافة إلى وجود فرقة موسيقية تابعة للإذاعة و الحمد لله تخرج منها فنانون معروفون منهم المطربة مليكة مداح و الراحلة صباح الصغيرة و يوسفي توفيق و سامية بن نبي , و لكن منذ أحداث أكتوبر 1988 إلى يومنا هذا خلية الانتاج توقفت و توقف معها حلم كل فنان كان يطمح للوصول الى النجومية و ربما الى العالمية ولم لا ؟. و الأسوأ من ذلك وجود دخلاء على الفن , إذ ترى أناسا لا يفقهون شيئا في الموسيقى يتدخلون في أمور يجهلونها و يسيرون مشاريع بطريقة غير احترافية , و إذا دققنا أكثر في الأمر فسنجد أن 70 بالمائة كلهم دخلاء و هذا يجعلنا ندق ناقوس الخطر لا محالة و نتوقع ما هو أسوأ من هي الوضعية المزرية التي يعيشها الفن ببلادنا !!! . الجمهورية : غياب النصوص أثار الكثير من التساؤلات في الوسط الفني ببلادنا , فهل هذا يعني أننا نواجه أزمة تأليف حقيقية ؟ بركان : لا يمكن أن نقول أنها أزمة لكن ربما هي غيمة سوداء ستزول في يوم ما . !! الأمور تغيرت اليوم ففي القديم كان المؤلفون هم من يبحثون عن الملحنين و المطربين لعرض نصوصهم و تقديمها علها تكون مناسبة لهم و يتم اقتناؤها بطريقة قانونية صحيحة , لكن اليوم فالملحن هو من أصبح يجري وراء المؤلف و يطلب منه كتابة نص ما لتلحينه و تعزيز رصيده الفني الفاتر , فأنا مثلا عندما أردت إنتاج " حلمي و حلمك " اتصلت بالكاتب سليمان جوادي و طلبت منه كتابة نص خصيصا لهذا العمل الموسيقي و هكذا فإن طريقة العمل تغيرت و الأمور انعكست بشكل واضح لدرجة أنها أصبحت تجارية بحتة و مناسباتية . الجمهورية : هل تعتقد أن تراجع الأغنية الوهرانية مرتبط أساسا بالنجاح الذي حققته أغنية الراي خلال السنوات الأخيرة ؟ بركان : لا هذا غير صحيح !! فالأغنية الوهرانية كموسيقى و إيقاع و تقنيات فنية موجودة أصلا في أغنية الراي لكنها غائبة في النص الذي أضحى اليوم مجرد كلام شارع , أنا نشجع أغنية الراي كونها صرخة شبابية جديدة و نموذج موسيقي عصري استطاع أن يصل الى العالمية بفضل أصوات و أسماء لها وزنها في الوسط الفني العالمي , لكن في نفس الوقت أرى أن هذا اللون بحاجة إلى قفزة نوعية كبيرة حتى يرقى إلى المستوى المطلوب و ينافس أقوى الطبوع الفنية الأخرى , و هذا من خلال أفكار جديدة و رؤية موسيقية لا تقل أهمية عن موسيقى " الجاز " مثلا , إن الشعبية التي تحظى بها أغنية الراي و الرواج الكبير التي عرفته في وسط الشباب الجزائري لا يعني أنها بلغت ذروتها من النجاح و وصلت إلى أرقى المراتب و أسماها !! , لأن النصوص قد أكل عليها الدهر وشرب و لابد من تطويرها و تجديدها .ضف إلى ذلك أن أغاني الراي أضحت اليوم تعتمد على مفردات غير لائقة و كلام مستهلك و بذيء في بعض الأحيان عكس الأغنية الوهرانية التي تتسم بكلمات نظيفة و موزونة و أغلبها تكون مستوحاة من القصائد الشعبية العريقة و الحكم التراثية الراسخة في مجتمعنا الغربي منذ الأزل . الجمهورية : في الأخير ماهي آخر مشاريعك الفنية التي ستطل بها على الجمهور ؟ و هل هناك أي عمل فني مع مطربين جزائريين أو عرب ؟ بركان :أنا أستعد لتسجيل ملحمة " حلمي و حلمك " بالأستوديو و هي عرض غنائي قدمته على ركح مسرح الهواء الطلق بوهران يوم 5 جويلية الفارط رفقة الكينغ خالد و المطرب التونسي محمد جبايلي و الفنان المغربي إلياس الذي ناب عن المطربة لطيفة رأفت التي تعذر عليها الحضور لظروف خاصة , و من المنتظر أن أباشر في التسجيل رفقة المجموعة الصوتية ابتداء من الأسبوع المقبل , لأسجل بعدها مع المطربين و ذلك تحت إشراف الديوان البلدي للثقافة و الفنون بوهران , إضافة إلى هذا سأقوم بتلحين أغنية للمطرب معطي الحاج ومن كلمات الشيخ نونة و ذلك بمناسبة الاحتفال بخمسينية الاستقلال , كما طلبت مني المطربة فلة الجزائرية تلحين أغنية لها و كذا الإشراف على تلحين ديو لها مع المطرب اللبناني عاصي الحلاني .