نتوقف اليوم بإحترام كبيرا أمام ذكرى وفاة الراحل أحمد وهبي لنعيش ولو لبرهة جزءا من رحلته الأسطورية في عالم الفن التي جاب من خلالها جل الدول العربية والأوروبية وقدم على هامشها أنجح الألبومات الغنائية التي زحفت اليوم نحو العالمية وترجمت طموح فنان جزائري ترعرع بين جدران الباهية وكبر في أزقتها وشوارعها ليقدم إلى العالم فنا أصيلا يحمل في لبه أسمى معاني الحب للوطن ولأبناء البلد الذين لم يقدروا فعلا كل هذه التضحيات وهاهم الآن يتجاهلون إسما صنع لهم المعجزات بعوده الجميل وخياله الإبداعي الواسع حيث غنى عن "وهران" وأصالتها العريقة التي سلبت الألباب وشلت العقول. وكل هذا دفع بالمنتج والموزع الموسيقي " صالح رحوي" لتنظيم تظاهرة معينة قصد تخليد ذكرى وفاة الراحل وإعطائه قدرا كبيرا من الإهتمام والحب للتعبير عن مدى إمتنانه لما قدمه من أعمال، ورغم أن الإجراءات كانت نوعا ما صعبة لتحقيق هذا الحلم إلا أن صالح لم ييأس بتاتا بل بالعكس واصل كفاحه في مطاردة حلمه ليتمكن أخيرا من تحديد يوم 28 أكتوبر ليكون شاهدا على هذا الحلم الذي سينطلق من مسرح علولة بوهران على مرأى نخبة هامة من الفنانين والمطربين الجزائريين وكذا الضيوف العرب الذين سيشاركون صالح رحوي هذا الحلم ويصفقون مطولا على موروث فني يبرز الثقافة الجزائرية الأصيلة ويظهر معالم الأغنية الوهرانية الذين التقوا صالح رحوي وعبروا له عن فخرهم لما يقدمه من مجهودات للحفاظ على ذكرى أحمد وهبي وسط إهمال ملحوظ من طرف المختصين ولم يتعجبوا أبدا من هذا التصرف الإنساني والفني بالدرجة الأولى كون صالح رحوي من الأصدقاء المقربين للعائلة ولم يأخذ الأمر منه تفكيرا مطولا للبدء في الخطوات الأولى لتنظيم هذا الحفل الضخم بهدف إحياء ذكرى هذا العملاق، وهو ما دفعنا للاتصال بصالح بهدف الإلتقاء به وإجراء الحوار التالي: الجمهورية : في بداية الأمر، هل لك أن تكشف لنا بعض التفاصيل عن مسيرتك الفنية؟ ص. رحوي: بكل تأكيد، أما من مواليد 11 جوان 1965 بوهران، قضيت طفولتي في أزقة الباهية وعشت ذكريات جميلة في شوارعها القديمة التي لم أنساها لحد الآن وشكلها لا يزال مرسوما في مخيلتي لدرجة أنني لازلت أتخيل نفسي أركض في حينا وأقصد السينما كما في السابق تماما. لكن بعد هذه الفترة المميزة عشت حوالي 25 سنة بين فرنسا ولندن، وأنا الآن أعمل كمؤلف وموزع موسيقي وكذا منتج الذي قائمته طويلة من الأعمال الناجحة في مسيرتي الفنية حيث سجلت لحد الآن حوالي 20 ألبوما لعدد معين من الفنانين المعروفين كما كنت وكيلا فنيا لألمع نجوم أغنية الراي على غرار الشاب صحراوي الشاب عقيل وخالد ونجيم والشيخة الريميتي والشاب نديم وغيرهم من الفنانين الذين لهم اسم كبير في عالم النجومية، ولا يتعلق الأمر بالجزائريين فقط بل حتى الأوروبيين حيث كنت موزع موسيقي ومؤلف للعديد منهم أمثال كنزة فرح، ويلي دانزي، جيبسي كينغس، أليبي مونتانا والماتا دور. وغيرهم من نجوم الفن الفرنسي على وجه الخصوص، وأحيطكم علما أن الموزع والمؤلف الوحيد بعد الشاب خالد طبعا الذي وقعت عقد عمل في الإنتاج مع شركة " إيمي بوبليشنع فرانس" وهي أول دار إنتاج في العالم بأكمله. وخطوتي الهامة لدخول عالم الراي من بابه الواسع هو تعاملي مع الشاب نجيم الذي تكفلت كليا بكتابة وتأليف جميع أغانيه ناهيك عن الإخراج وغيرها من التفاصيل الفنية الأخرى ومن أهم أعماله التي أشرفت عليها أذكر ألبوم " نروحو نزورو" الذ يقدمه في ديو مع الشيخة ريميتي وهي أغنية رائعة وناجحة جدا كتبت إكراما لذكرى عدد كبير من الفنانين الجزائريين والصحفيين الذين اختفوا في فترة العشرية السوداء. وإضافة إلى جميع هذه الأعمال إلا أنني لم أتوقف عند هذه المراحل بل بالعكس فقد حاولت الدخول أيضا لعالم إخراج الكليبات وكذا إنتاج المهرجانات وذلك سنة 2006 أين كنت مساعد مخرج في حفل الليالي البيضاء للفنانين بباريس وهو حفل يعتمد على الأرشيف الباريسي حيث يؤدي هؤلاء الفناون أغاني فرنسية قديمة وناجحة تعود لسنوات ماضية، وقد حقق هذا الحفل نسبة كبيرة من المبيعات فيما يخص التذاكر حيث سجلنا 19600 متفرج وهو رقم قياسي مقارنة مع حفل مثل هذا، وبعذ ذلك نظم حفلا آخر سنة 2009 بقصر المؤتمرات بباريس لصالح أطفال غزة بعد أحداث العنف والقتل التي عاشها الشعب الفلسطنيي الشقيق في ديسمبر 2008، وقد كنت المخرج المنفد في هذا الحفل بالتعاون مع رابطة الشعراء العرب بفرنسا والمنظمة العامة لفلسطين بفرنسا تحت رئاسة السيدة هند خوري وأنا شخصيا لن أنسى هذا الحفل الضخم مدى الحياة كونه لم يشهد الجمهور المغربي من قبل مشاركة هذا العدد الهائل من الفنانين العرب من المغرب العربي والشرق الأوسط وكذا أوروبا على غرار الفنان حسين الجسمي وعبد الهادي بلخياط وفرقة ماجيك سيستام، لطفي بوشناق ووليد توفيق ونادية والشاب فضيل وسعاد ماسي والشاب بلال وغيرهم. أما عن مشواري في إخراج الفيديو كليب فقد بدأ سنة 2007 حيث كانت البداية مع كليب الشاب نجيم " نرحو نزورو" الذي صور بوهران، وقد عدت هذه السنة من خلال إخراج فيديو كليب آخر للفنان العربي ديدة وفي 9 ماي 2010 وقبل تأهل الفريق الوطني للمونديال نظم حفلا فنيا بجنوب فرنسا على شرف نجوم الكرة الجزائرية وتشجيعا للخضر في مشوارهم وقد استضفت في هذا الحفل قدامى الكرة على غرار لخضر بلومي، فرڤاني وفوريشي وشريف الوزاني، إضافة إلى النجوم الحاليين أمثال مغني ومنصوري ونذير بلحاج وشاذلي عمري، وقد أحيى هذا الحفل نخبة هامة من المطربين على غرار شيكو، شريفة لوحا، سينيك، فرقة 113، الزهوانية والشاب خلاص. الجمهورية: وماذا عن تظاهرة أحمد وهبي؟ كيف تمت الإجراءات لتنظيم هذا الحفل بوهران؟ ص. روحي: في الحقيقة فكرة تنظيم حفل فني ضخما احتفاء بذكرى رحيل أحمد وهبي قد جاءتني مباشرة مع الإنتهاء من تحضير ألبوم خاص بالراحل يضم أنجح الأغاني الوهرانية التي عرف بها هذا الأخير في السنوات الماضية، كما حضرنا أيضا لفيديوكليب يدخل دائما في ذات الصدد علما أن الألبوم يؤديه الشاب محمد نذيم، وعليه فقد قدمت للجزائر في جوان الفارط واقترحت على إدارة مسرح علولة أن أنظم هذا الحفل وقد وافقت هذه الأخيرة فورا ولم يكن لديها أي اعتراض، ثم اتصلت بعدها بوزارة الثقافة والوكالة الجزائرية للإشعاع الفني التي أبدت موافقتها أيضا ناهيك عن جريدة الشروق التي كانت من السباقين لدعم هذا الحفل، وبعدها قمت بالاتصال بالفنانين أمثال العملاق بلاوي الهواري الذي سيكون ضيف الشرف وهواري بن شنات والشاب نجيم، رجاء مزيان خريجة مدرسة ألحان وشباب وهواري دوفان، وبارودي بن خدة، هواري الولهاصي، ونجوم مسلسل " ذاكرة الجسد" على غرار الفنانة السورية زينة الحلاق إضافة إلى أمل بوشوشة، نجمة ستار أكاديمي وغيرهم. وهكذا فالحمد لله توفقت في إتمام جميع الإتصالات وأنهيت جميع الإجراءات لتنظيم هذا الحفل الذي ستكرم من خلاله الراحل أحمد وهبي الذي يستحق أكثر من هذا لكونه عملاق من عمالقة الفن الجزائري وحتى العربي بصفة عامة، وهذا ما حفزني أكثر على الإقدام لتنظيم هذا الحفل هنا بوهران حتى تضاء شمعة أحمد وهبي ويعود تألق الفن الوهراني من جديد أمام مرأى هؤلاء الضيوف العرب والصحافيين وإنه لفخز لي أن أقدم شيئا مميزا مثل هذا للراحل وهبي الجمهورية: ما هي الخطوة التالية التي ستقوم بها مباشرة بعد انتهاء الحفل؟ ص/ رحوي: كما تعلمون فالحفل سيتواصل لغاية 29 أكتوبر، وبعدها مباشرة ننطلق في جولة فنية عبر عدد معيّن من ولايات الوطن لتكون المحطة الموالية هي العاصمة ثم عنابة وقسنطينة، حيث ستنظم حفلا فنيا بكل ولاية جزائرية نحيي من خلالها ذكرى الفنانين القدامى المعروفين في كل منطقة ونختار من كل واحدة فنانا عريقا أعطى الكثير للفن الجزائري، لنقدم بهذه المناسبة حفلا تكريميا له، لتتوقف الجولة في نهاية المطاف في باريس شهر ماي المقبل، ثم سنعمل بطبيعة الحال على إصدار الألبوم الذي يضم 10 أغنيات خاصة بأحمد وهبي وأغنيتين مغايرتين وذلك باستعمال الأوركسترا تحت قيادة المايستر (باي بكاي) ، أما عن الكليب وهو من إنتاجي الخاص فسيعرض تحت عنوان »يا وعدي« والآداء سيكون كما ذكرت للشاب محمد نديم الذي يملك صوتا مشابها لصوت الراحل أحمد وهبي وهي الميزة الحقيقية التي يعرفها هذا الفنان الصاعد الذي سيكون له مستقبل زاهر في عالم الأغنية الرايوية والوهرانية. ومن جهة أخرى فإن الألبوم الذي سنطرحه بالسوق هو عبارة عن جزء أول، أما الجزء الثاني فسنتعاون فيه مع ابن المرحوم عبد الله الذي يعمل حاليا كعازف على آلة البيانو ولي الشرف شخصيا أن أتعامل مع إبن المرحوم لأحس أنني جزء لا يتجزأ من ماضيه. الجمهورية: لماذا وقع اختيارك على المرحوم أحمد وهبي لتحتفل بذكرى وفاته في حين أن وهران لا زالت تضم بين ذراعيها نخبة هامة من الفنانين القدامى في عالم الأغنية الوهرانية؟ ص. رحوي: لا يمكن لأحد الإنكار أن الراحل أحمد وهبي هو عملاق الأغنية الوهرانية ولا يوجد أي فنان يستطيع الوصول إلى نحمه الساطع أو يحقق ولو جزءا صغيرا من نجاحه وتألقه في العالم العربي، وأنا شخصيا أعتبره أب الفنانين جميعا، وأكثر شيء حفزني على اختياره هو أنه لم يأخذ نصيبا كبيرا من الإهتمام بل بالعكس فقد صار منسيا تماما بعد أن تجاهلته السلطات وحتى الجيل الجديد من المواطنين الذين عزفوا عن السماع لأغانيه وتذكره والأمر الوحيد الذي كرّم به هو تسمية المعهد البلدي للموسيقى على إسمه إكراما له وما عدا ذلك فلا يوجد أي مساهمة أو مبادرة تعبّر عن مدى الإمتنان لهذا الفنان القدير ولا يتعلق الأمر بتسمية المعاهد والمراكز على إسمه فحسب بل أيضا لا يوجد مهرجانات وتظاهرات تقام تحت شعار »أحمد وهبي« لتعزيز الفن الأصيل وإحياء الطرب الجميل وهذا أمر محزن جدا خصوصا بوهران كونها الولاية الجزائرية الأولى التي إحتضنت ميلاد الآلاف من المطربين المتألقين وكانت شاهدة على بروز طابع الراي الذي صار اليوم حديث العالم بأسره، ومن المؤسف أن لا نشاهد مبادرات فنية في هذا الصدد، وليس هذا فقط بل لا يوجد حتى مسابقات حول الأغنية الوهرانية في المعهد البلدي الموسيقي أحمد وهبي ولا برامج فنية تدخل في نفس الإطار من شأنها أن تصقل المواهب وتبرز إبداعات الشباب الموسيقية. وأكثر ما يغيضني في الأمر هو تجاهل الناس لأحمد وهبي وكأنه لم يكن موجودا يوما في قلب عاصمة الغرب أو لم يبدع في تأسيس الأغنية الوهرانية وإيصال صوتها إلى مختلف دول المشرق والمغرب وربما أن الكثيرين يجهلون أن أحمد وهبي قد تحصل سنة 1956 على جائزة بغداد للموسيقى واعترف له الفنان العربي محمد عبد الوهاب بالإبداع والموهبة وأنه من أكثر الفنانين العرب تعددا في المواهب ، وصدقوني إذا غنى باللغة العربية الفصحى لكان تربّع على عرش الفن العربي الأصيل وحقق نجاحات أكبر لأنه كان المنافس الأول لمحمد عبد الوهاب في العزف على العود. أنا جدّ حزين لأنني أحس أن المرحوم لم يأخذ حقه ووهران لم تُعره اهتماما كبيرا رغم أن أشهر أغنية لديه هي »وهران وهران« فمن العار أن نعطيه مقامه المستحق ليس كفنان فقط بل حتى كإنسان مجاهد ترك كل شيء في فرنسا وجاء للمساعدة في الثورة الجزائرية كما شكل فرقة موسيقية تهدف بالدرجة الأولى للدفاع عن التراث الموسيقي الجزائري وهذا بشهادة أصدقائه العرب أمثال فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب. وكل هذه الأمور دفعتني في الحقيقة لإختيار أحمد وهبي حتى يكون شعار لهذه الإحتفالية التي تزامنت مع ذكرى وفاته ، فأنا لا أزال أذكر عندما كنت صغيرا رأيت ألبوم المرحوم يُباع وهو »يا ذا الغزال« ورأيت توقيع الفنان محمد عبد الوهاب عليه فاندهش وفي نفس الوقت كنت فخورا بهذا المطرب القدير، ولي الشرف الكبير أن أقف اليوم بمسرح علولة وأعلن عن حبّي وتقديري لفنان عظيم مثل أحمد وهبي بحضور عدد كبير من الفنانين والمطربين، وأنا لا أرضى أبدا أن يذهب موروثه الثمين هباء منثورا دون العودة إليه وتثمينه فبمجرّد الإستماع للحن »يامنة» ترحل بعيدا في رحلة الإحساس الجميل والإبداع المتميز وغيرها من الأغاني الناجحة التي أبدع وهبي في تلحينها وتوزيعها موسيقيا ، ونحن شاكرين له. الجمهورية: كيف ترى واقع الأغنية الوهرانية اليوم؟ ص. رحوي: إن الأغنية الوهرانية جاءت في الأصل من الطابع البدوي وتأسست على يد الفنان بلاوي الهواري والمرحوم أحمد وهبي وكذا أحمد صابر وهؤلاء هم مدارس في الموسيقى الوهرانية التي ولدت بدورها طابع الراي الذي وصل اليوم إلى العالمية وصار يغنى على ركح المسارح الأوروبية ولاسيما الباريسية، ورغم أن هؤلاء العمالقة عانوا سنوات الأربعينيات والخمسينيات وتغرّبوا عن الجزائر إلا أنهم عادوا لبلدلهم وأسسوا العديد من المعاهد والمراكز مثل مقهى الفنانين الذي كان شائعا في تلك الفترة بوهران ودور شباب متعددة أما اليوم فلأسف لا يوجد ولا مقهى فني أو أدبي وحيد وكأننا نعيش في منطقة معزولة تماما وغير متحضّرة ، لا يوجد مكان يضم إبداعات الشباب في مختلف المجالات، فكيف إذا تحدثنا عن الأغنية الوهرانية التي صارت من الماضي ولم يبق منها سوى بعض الفنانين الذين لا زالوا متمسكين بها وأبوا تأدية الطبوع الموسيقية الأخرى، وأكثر ما أضحكني أن بعض المهتمين بمجال الفن عزفوا عن فتح مراكز ثقافة ودور توزيع وفضلوا تغيير النشاط لبيع الأكل الخفيف بحجة أن الأمور صارت تجاربة وتتطلب مجهودا لكسب القوت وعالم الفن ليس بالخيار الصحيح، فإذا كان هذا هو تفكير هذه الفئة فماذا تقول عن المواطنين من الجيل الجديد الذين عزفوا تماما عن سماع الأغنية الوهرانية. من المؤسف أن الناس اليوم يفكرون في التجارة ولا يأبهون بالتمسك بالتراث، وصدقوني ففي باريس يوجد محل ينشط منذ قرون ومتخصص في بيع الأشرطة السمعية والبصرية القديمة ولا يزال كذلك لحد الآن، فهو لا يأبه للتطورات التي يُحكى عنها، بل بالعكس فمحافظته على التراث هي أهم ما يفكر فييه صاحب هذا المحل. فالفنان يبقى فنان حتى ولو عاش فقيرا ولا يجب عليه أن يفشل بل بالعكس عليه أن يكافح حتى ينجح لأن الفن شيء كبير ويستحق العناء. وهناك أمر آخر أيضا فقد تساءلت كثيرا عن سبب عدم وجود مسابقة وطنية مثل »ألحان وشباب« خاصة فقط بالأغنية الوهرانية، وأنا متأكد أن هذا المشروع سينجح ويدفع الجيل الجديد للرجوع إلى الذاكرة والحفاظ على التراث الجميل الذي حققه وراءه أحمد وهبي ومختلف الفنانين الآخرين ، كما سينجم عنه خلق مكتبة فنية أخرى تدخل في أرشيف التلفزيون ويمكن العودة إليه في أي وقت، لذلك يمكن القول أن الأغنية الوهرانية تسير نحو الإندثار ووهران بصفة عامة تغيّرت كثيرا إلى الأسوأ ، فلم تعد الباهية كما عهدناها لا من ناحية الفن ولا من ناحية النظافة ولا حتى البرمجة الثقافية. ضف إلى ذلك أنه لا يوجد موزعين ومنتجين بوهران، فأغلبهم موزعين بين العاصمة وفرنسا ولإنجاح طابع غنائي معين لا بد من تكاثف الجهود بين الموزع والمنتج وكذا الملحن فإن غاب هؤلاء تغيب بطبيعة الحال الأغنية الوهرانية. الجمهورية: هل ترى أن وصول بعض الأغاني الوهرانية إلى العالمية قد أخل بأصالتها وأخرجها من طابعها التراثي؟ ص. رحوي: بالعكس فالأغنية الوهرانية لم تتغير أبدا، وطابع (الريتم) الذي تتحدثين عنه زادها جمالية وأدخلها للعالمية كما قلت، (فالريتم) لا يزال تراثيا مائة بالمائة مع الإحتفاظ بالكلمات فنجوم الراي أمثال الشاب خالد عندما غنى »وهران« أو »بخته« حافظ على (الريتم) الوهراني باستعمال الدّربوكة وذلك ما ساهم في نجاح هذا اللون الغنائي بأوربا، لأن الأجانب يحبّون سماع كل ما هو تراثي وجديد عليهم، فلا يأبهون لسماع (الجاز) أو (الرّاب) لأنها ألوان موسيقية مألوفة لديهم ، عكس (الراي) الذي اعتبروه طابعا غريبا عنهم فكان لديهم الفضول للإستماع له، وصدقوني فالبندير والڤلال وكذا الڤناوي هي ما يحب هؤلاء الأوروبيون الإستماع إليه بدافع الفضول والخروج عن المألوف، مما يجعل الثقافة الشعبية الجزائرية مميزة جدا في نظر هؤلاء ، وعليه فنحن نملك كنزا كبيرا ولا نحسن استعماله بل بالعكس نخجل من إبرازه وإظهاره للجمهور العالمي، وأنا هنا أتكلم بشكل عام عن كل الطبوع الجزائرية كالقبائلي والسطايفي والصحراوي وكذا الوهراني، لذلك فإنه يستحسن أن نهتم بهذه الألوان الموسيقية الشعبية لأنها تمثل حضارتنا العريقة. الجمهورية: بعد غياب دام 25 سنة في (بلاد الغربة)، كيف وجدت مدينة وهران خصوصا أنك قضيت فترة طفولتك بها؟ - ص. رحوي: وهران لم تعد تلك المدينة الباهية التي احتضنت يحب أبناءها من الفنانين ، وحتى الثقافة لم تعد كما عدناها في تلك الفترة بل الأمر تغير تماما، وأنا متفاجئ فعلا لهذا الوضع المزري الذي صار يتخبّط فيه أهل الفن الوهراني الذين يئسوا من محاولة التشتبث يخيوط من الأمل لإثبات وجودهم في وسط صار من النسيان وأكثر ما فاجأني هو شكل السهرات الفنية بهذه المدينة التي صار لها معنى آخر، فيكفي أن يتم دعوة أشخاص في قاعة للحفلات أو بأحد الفنادق السياحية وجلب منسق للأغاني أو كما يسمى »بالديجي« وهذا تصرّف خطأ ، فإذا تكلما عن سهرة فنية علينا أن نعطيها حقها من الإهتمام والإحترام من خلال دعوات رسمية لفنانين معروفين حتى يقدموا أغاني محبوبة لدى الجمهور، ويعرضون ثقافتهم الشعبية والألوان الفنية والموسيقية الخاصة بهم وسط جو بهيج ذو طابع فني مائة بالمائة، وليس كما نشهده اليوم لأن هذا خطأ ويعطي تعريفا خاطئا للفن الوهراني الأصيل. ويؤسفني حقا أن أقول أن (وهران) تحتاج لعمليات ترقيع مكثفة لا سيما في الفن لأجل إنقاذ ثقافتنا الشعبية والخروج من طابع العصرنة الخاطئ الذي قضى تماما على هويتنا الوطنية، فأنا أذكر عندما كنت طفلا كنت أتوقف لحضور فيلم بقاعة السينما وكانت القاعة دائما مكتظة، أما الآن فحتى القاعة صارت منعدمة، فأي فن تبقى؟ وأية ثقافة يمكن التحدث عنها؟! إضافة إلى هذا فقد كنت من المدمنين على "دار الشباب" في ذلك الوقت، والآن لا يوجد سوى "دار واحدة". تكاد تخلو من الشباب والمواهب. الجمهورية: ماذا عن مشاريعك؟ ص. رحوي: أنا أحضر لتحقيق مشروع آخر، وهو بمثابة حلم كان يراودني منذ سنوات وأتوقف فعلا لتجسيده على أرض الواقع، وهو عبارة عن تنظيم إحتفالية خاصة (بعيد الشهيد) في كل ولاية من ولايات الوطن وستكون البداية بطبيعة الحال من (وهران) حيث سأنظم حفلا يوم 4 جويلية القادم تحت شعار »أحمد زبانا«، وذلك بملعب أحمد زبانا، وهدفي الأول هو جلب جمعيات جزائرية ناشطة بفرنسا إلى هنا للمشاركة في الإحتفالية، وتعزيز هذا البرنامج، وأنا بالفعل قد باشرت في الإتصال بهذه الجمعيات، وبعد أسبوع كامل من الإحتفال ستنظم مباراة ودية في (كرة القدم) بهدف التنويع ثم نختمها بحفل فني ساهر ينشطه ألمع نجوم الأغنية الوهرانية وأغنية (الراي). وآمل حقا من خلال هذا المشروع أن أساهم ولو قليلا في التعريف (بالشهيد أحمد زبانا) وإعطائه فضاء واسعا من الإهتمام والمناقشة بين المشاركين الفرنسيين والجزائريين، ولا يتعلق الأمر بالشهيد زبانا بل سنتطرق لعدد آخر من الشهداء الجزائريين ، فبعد ولاية وهران سنقصد ولايات أخرى، ونختار من كل واحدة شهيدا بارزا ومناضلا حقيقيا ينتمي إلى تلك المنطقة حتى نحتفل بذكراه ونعرّف أبناء المنطقة على بطولاته وتضحياته أمام الإستعمار الفرنسي وذلك في انتظار القيام بمشاريع فنية أخرى تدخل دائما في ذات الصدد.. وأنا أتحدث هنا عن حلمي الكبير المتمثل في خلق "جائزة أحمد وهبي للأغنية الوهرانية" وجعلها مشروعا حقيقيا، وأنا شخصيا أطمح لتجسيده على أرض الوضع وهذا المشروع لا يزال في رأسي ولن أستريح حتى أحققه . الجمهورية: ماذا يمكن أن تقوله كآخر كلمة؟ ص. رحوي: أشكر جريدة "الجمهورية" على استقبالي في فضائها الإعلامي، وإعطائي الفرصة لأقدم نفسي وأعرض مشاريعي الفنية، والأهم من ذلك أنها أعطتني الكلمة لأعبر عن رأيي بصراحة حول واقع الفن بوهران. وآمل من كل قلبي أن تعود وهران إلى ما كانت عليه في السابق، وتعرف تطورا في جميع الميادين لأنها عروس الغرب الجزائري، ولها تاريخ عريق يؤهلها للتربع على عرش مختلف الفنون، كما أتمنى أن تلقى الأغنية الوهرانية إهتماما كبيرا وتخرج من قوقعتها المغلقة لأنه من المحزن أن يذهب هذا التراث في مهب الريح على الأقل إكراما لهؤلاء الفنانين الذين تعبوا لأجل إيصال هذا الفن لما هو عليه الآن وشكرا لكم.