أكد رئيس حركة مجتمع السلم الشيخ أبو جرة سلطاني أمس في حوار حصري ل " الجمهورية " أن استقالة أويحيى الأخيرة حافظت على مساره السياسي , كمسؤول حزبي استطاع أن يطبق الأفكار التي يحملها طيلة السنوات التي قضاها على رأس التجمع الوطني الديموقراطي , كما كشف نفس المتحدث , بأن رئاسيات 2014 ستدرج في أشغال مجلس الشورى الوطني المقبل الذي سينعقد في الجزء الثاني من شهر جانفي الجاري , كما تطرق إلى مسائل أخرى تخص تكتل الجزائر الخضراء و قضية تعديل الدستور ... تابعوها معنا في هذا الحوار الخاص : الجمهورية : في البداية ما هو تعليقكم على نتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة الأخيرة , و هل كانت النتائج في مستوى تطلعات حركة مجتمع السلم ؟ أبوجرة سلطاني : انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة هي المحصلة الطبيعية للانتخابات البرلمانية زائد الإستحقاقات المحلية , بمعنى أنها كانت انتخابات مغلقة بين المنتخبين أنفسهم , تماما مثلما شهدته تشريعيات 10 ماي ومحليات 29 نوفمبر الماضيتين , حيث شابها الكثير من التزوير , الضبابية و عدم الشفافية , فاعتقادنا أن الثمرة التي أفرزتها هذه الإستحقاقات في آخر محطاتها المغلقة من مجلس الأمة لم تختلف كثيرا عما كان قد حصل في هاذين الموعدين السياسيين المذكورين آنفا ... الجمهورية : هل أنتم راضون على النتائج التي حققتها الحركة في هذه الإستحقاقات , لاسيما و أن الكثير من المراقبين السياسيين أكدوا بأنها كانت مخيبة ولا تعبر عن المستوى الحقيقي لتشكيلتكم السياسية ؟ أبوجرة سلطاني : نحن عبرنا عن إستيائنا وغضبنا منذ أن بدأت الإصلاحات نفسها تعرف نوعا من التحزيب والتسطيح والتمييع , و قلنا إن هذه الإصلاحات التي يفترض أن تكون سياسية , عميقة و شاملة , تحولت إلى إصلاحات قانونية و" قانونية منتقاة " ثم أوكل أمرها إلى أحزاب حتى أصبحت و كأنها عبارة عن " إصلاحات مناولة " وليست مباشرة , حيث كنا نوّد أن يكون رئيس الجمهورية هو الذي يشرف عليها , فتم تحويلها إلى حزبين آخرين معروفين على الساحة السياسية , لهذا عبرنا عن احتجاجنا على مضمون حزمة الإصلاحات المعتمدة , وبطبيعة الحال لم يسمع لنا كوننا أقلية في البرلمان و تمّ تمريرها عن طريق الأغلبية, فجاءت النتائج مخالفة للتوقعات , و فوّتنا على أنفسنا فرصة للتغيير و العودة إلى الصندوق و الشرعية الشعبية , كنا قد عبرنا كذلك عن غضبنا للنتائج التي حصلت في تشريعيات 10 ماي و قلنا أن هذه النتائج ليست نتائجا طبيعية وحتى الشعب تفاجأ بها و تساءل كيف يمكن للصناديق أن تفرزها , ثم أعطونا أذنا صماء لا تسمع و مضوا إلى الانتخابات المحلية , و كانت نفس النتيجة و بنفس الأساليب ... و الآن إن كنّا قد عبرنا عن غضبنا بالتقسيط فإننا هذه المرة نعبرعن إستيائنا جملة وتفصيلا , لأننا فوتنا على أنفسنا فرصة ثمينة على الديموقراطية و الإصلاحات في الجزائر , و زرعنا المزيد من اليأس و اللاثقة في نفوس المواطنين ممن بقي منهم كان يؤمن باحتمال أن يكون هناك بعض الأمل في إحداث التغيير و إحداث القطيعة مع أساليب التسيير الماضية , و لكم أن تتساءلوا كيف أن الآن من كنّا نقل لهم بأن الانتخابات نزيهة و شفافة , باتوا يؤكدون لنا, بأنها غير ذلك و أنها ليست نظيفة و نزيهة و لن تكون كذلك في المستقبل ... بمعنى أن الحجة أصبحت عند هؤلاء اليائسين و المهددين بالمقاطعة , و رأيتم كيف أن نسبة المقاطعين و المصوتين الورقة البيضاء كبيرة و كبيرة جدا , و سوف تزداد هذه الهوة , إذا لم نتدارك المسألة بمبادرة سياسية كبيرة ... الجمهورية : برأيكم كيف يمكن أن نخرج من هذا المأزق الذي تحدثتم عنه و هل لحركة مجتمع السلم من وصفة سياسية ناجعة من شأنها إرجاع الثقة و الأمل للمواطنين ممّا سميته باليأس و القنوط الذي أصابهم ؟ أبوجرة سلطاني : ... الآن تعديل الدستور أضحى فرصة إذا الإرادة رغبت السياسية أن تفي بوعودها لأن تذهب إلى تعديل جذري للدستور يكرس الديموقراطيات و التداول السلمي على السلطة و الفصل بين السلطات و احترام إرادة الشعب و تحديد العهدات و الذهاب إلى نظام برلماني واضح ... قد تكون هذه المحطة فرصة لعودة نفس سياسي جديد يعيد الأمل و يزرع الثقة في نفوس الناس , و لكن إذا مرت أيضا المحطة الثالثة ألا وهي تعديل الدستور بنفس ما مرت به المحطتين السابقتين و نعني بهما المحليات و البرلمانيات فسوف تتعمق الهوة أكثر وأكثر و تهتز الثقة و ربما تنسف نهائيا و هو ما من شأنه أن يتسبب في مزيد من اليأس و القنوط لدى المواطنين الجزائريين... الجمهورية : فهمنا من خلال كلامكم أنكم متشائمون و متذمرون من هذه الأوضاع الحالية , بل و أنكم لا تنتظرون أي انفراج لهذا المناخ السياسي في السنوات القليلة القادمة فما الفائدة إذن من هذا النضال و الكفاح الذي تخوضونه في سبيل إعادة الثقة و الأمل للمواطنين الجزائريين ؟ أبوجرة سلطاني : هذا هو الواقع ... و نصفه كما هو موجود , نحن مسلمون و نتفاءل , لكن نتفاءل و نحن ندرك أن الواقع هو هذا ... ففي الوقت الذي تتحدث فيه دول من حولنا عن تحولات جذرية في بنيتها السياسية , ونتحدث نحن عن إصلاحات عميقة و هادئة , نلاحظ أن الهوة لا تزال واسعة بين خطابنا السياسي الرسمي وبين ما هو في الواقع , و بالتالي فنحن هنا لا نعبر عن تشاؤم و تفاؤل بل عن وصف حالة موجودة , تعكس لا مبالاة الرأي العام الجزائري بالوضع الحالي للبلاد , فلمّا تسأله مثلا عن الانتخابات , يؤكد لك بأنه غير مهتم و مكترث بها أصلا , هذا الأمر يؤكد بأن المسألة في غاية الصعوبة و تحتاج إلى معالجة عميقة و دقيقة و في أقرب وقت ممكن ... الجمهورية : أكدتم في العديد من المرات أنكم القوة السياسية الثالثة في البلاد و لكن النتائج المحققة في الإستحقاقات الأخيرة لا تثبت ذلك , حيث و بخلاف تشريعيات و محليات عام 2007 لم تحققوا هذه المرة نتائجا مرضية تشفع لكم أن تكونوا في المرتبة الثالثة وطنيا فبماذا تردون ؟ أبوجرة سلطاني : نحن نقصد هنا بالقوة الثالثة ... البعيدة عن القوتين الأولى و الثانية , لأننا نحن لا ننظر إلى عدد المقاعد و لكن إلى النسب المحققة , فحينما نقول مثلا , إن الحزب الأول تحصل على 24 بالمائة و الثاني فاز ب 18 بالمائة و نحن نلنا8 بالمائة و الذي جاء بعدنا حاز على 7 و 6 بالمائة إلى غير ذلك , فنحن هنا نتكلم عن النسب المئوية المحققة ... و إذا قرأنا هذا الأمر من الناحية السياسية فنحن ككتلة لا نزال نحتل المرتبة الثالثة على الساحة الوطنية , سواء في النسبة المئوية المحصلة أو في عدد الأصوات و ليس عدد المقاعد , و لكننا صراحة لسنا راضين على هذه النتائج لأنه يفترض أن تكون النسب متقاربة مادام أن قانون الانتخابات يقوم على مبدأ النسبية , و هذا الأخير لا يعني حصول حزب على 180 مقعد و آخر على مقعدين , هذه النسبية هنا غير متناسبة و مختلّة , فسياسيا ما زلنا القوة الثالثة في البلاد , وأما إسلاميا فنحن القوة الأولى وطنيا , لكن رغم ذلك لسنا راضين على هذا الترتيب على أساس أن ما حصل لم يكن شفافا , حتى نستطيع أن نحكم على أنفسنا ما إذا كنا قد تقهقرنا أو تمّ إبعادنا و إقصاؤنا بإرادة خارجة عن إرادتنا .. الجمهورية : برأيكم هل حقق تكتل الجزائر الخضراء أهدافه التي سطرتموها مع قادة حزبي النهضة و حركة الإصلاح الوطني , و هل تنوون مستقبلا الإستمرار مع هاذين التشكيلتين السياسيتين التي تربطكم بهما علاقة تكتل و تحالف بيني ؟ أبوجرة سلطاني : هذا الأمر يقرره مجلس الشورى الوطني في دورته التي ستنعقد أيام 17 , 18 و 19 جانفي الجاري بالجزائر العاصمة , فكما قرر مجلس الشورى في الماضي فك الإرتباط مع حزبي جبهة التحرير الوطني و التجمع الوطني الديموقراطي لما كان يسمى آنذاك بالتحالف الرئاسي ... و قرر أن يعقد إئتلاف حزبي سماه " تكتل الجزائر الخضراء " أو " تكتل الإسلاميين " ستكون له نفس الكلمة بخصوص مستقبل هذه التحالف الإسلامي لذلك سوف نقدم نحن الملف كاملا أمام هذا المجلس الذي بدوره سينظر برويّة في إيجابياته و سلبياته باعتبار أنه سيّد في قراراته التي يتخذها وقتئذ سيفصل هو في هذه المسألة بما يناسب توجهات الحركة و أهدافها المستقبلية , مع أنني أذكر في أن الدورة الماضية التي انعقدت في شهر رمضان المنصرم من السنة الماضية , كان قد قرر الإبقاء على مبدأ التكتل الأخضر ولكن مع إعادة النظر في آليّاته و ميكانيزماته و أدوات تسييره , ونحن بدورنا سوف نقدم الحصيلة السداسية و ربما حتى السنوية لسنة 2012 و مجلس الشورى هو الذي يملك كامل الصلاحيات في أن يقول " لا " أو " يقدم و يؤخر" إلخ , مادام أن الأمر يعود إليه في النهاية ... الجمهورية : فضيلة الشيخ هل تنوون مستقبلا توسيع التكتل الأخضر إلى تشكيلات إسلامية أخرى , أم أنكم ستكتفون بالأحزاب الحالية المشكلة له , الأمر الذي قد يفهم بأن تكتلكم يشبه تلك القوقعة المنغلقة على نفسها وترفض الإنفتاح على الجهات أخرى ؟ أبوجرة سلطاني : الجواب نفسه , المجلس الوطني هو الذي يقرر توسيعه أم بقاءه كما هو , ربما الآن الواقع الجزائري بحاجة إلى تكتلات تخرج التشكيلات السياسية من النظرن الحزبية إلى نظرة الأسر , بمعنى أننا نحاول أن نصنع أسر و تيارات سياسية لخدمة الديموقراطية , فنحن في غنى عن المزيد من الإنقسام و التشرذم , فقد رأيتم بأم أعينكم كيف دخلنا المحليات الأخيرة ب 52 قائمة في الجزائر . ضف إليها بعض قوائم الأحرار , هذا شكّل صعوبة حتى على إختيار المواطن أن يقضي 10 دقائق و هو يجمع في أوراق التصويت , فهذه التكتلات من شأنها أن تخفف على المواطن هذا اللبس و كثرة الأحزاب , لذلك يجب أن تكون هذه الأسر السياسية متقاربة في أفكارها و برامجها حتى تنجح في تحقيق أهدافها المسطرة . الجمهورية : من حسن الصدف أن دورة المجلس الشورى الوطني لحركة مجتمع السلم ستنعقد بالتزامن مع دورة المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني الديموقراطي , و كما تعلمون فإن هذا الأخير قد شهد مؤخرا استقالة أمينه العام السيد أحمد أويحيى الذي كان صديقكم السابق في التحالف الرئاسي , فما تعليقكم على هذا القرار؟ أبوجرة سلطاني : هذا شأن داخلي , بالرغم من أن أويحيى صديقي الشخصي و زميلي السابق في التحالف الرئاسي , و أنا رجل أحترمه بكل معاني الإحترام هذا الشخص سواء في كفاءته أومواقفه السياسية الجريئة , لكن لو أن الأمر كان خارجيا لا كنا قد تعاطفنا معه و لكن ما دامت المسألة داخلية متعلقة بقضايا تنظيمية داخلية حتى و إن اتخذت طابعا سياسيا خارجيا , نحن لا نملك أن نعلق عليه و لا نملك حتى أن نقرأه القراءة التي ينبغي أن تكون خارج القراءة " الأرندية " نفسها . لذا أعيدها و أكررها مرة أخرى نحن نحترمه كثيرا و نحترم موقفه السياسي الأخير المتعلق باستقالته من على رأس الحزب , حيث أنه و حفاظا على كرامته و لمساره الطويل في " الأرندي " قام بتقديم استقالته للمجلس الوطني وفضل مخاطبة مناضليه مباشرة بالكيفية التي اختارها هو , لذلك نقدر اختياره ولا يجوز أن نتدخل في أي شأن و لا نعلق عليه إطلاقا .. الجمهورية : معذرة على المقاطعة ... هل اتصلتم بالسيد أحمد أويحيى مباشرة بعد إعلان استقالته أم لا ؟ حتى على الأقل تؤكدون حسن النوايا اتجاهه و الصداقة التي لا تزال تربطكم به ؟ أبوجرة سلطاني : صراحة لم اتصل به ... لأن الاستقالة كانت أمس ( الحوار أجري غداة استقالة أويحيى ) و لكن الأكيد أننا سوف نتواصل , ليس من باب أن نعرف الخلفيات و لكن من باب أننا مهتمون بالشأن الجزائري فنحن في النهاية أسرة سياسية واحدة و نعتقد أن استقرار الأحزاب جزء من استقرار الجزائر ... وأن ظاهرة اضطراب التشكيلات السياسية و ظهور الحركات التصحيحية أمر عادي بل و حتى صحي و لكن أن تتسبب هذه القلاقل في اهتزاز ديموقراطية البلد و انحسار الحريات و زعزعة استقرار البلد فهذا الأمر مرفوض و لا نقبل به إطلاقا ... الجمهورية : رئاسيات 2014 على الأبواب و لم تعد تفصلنا عنها سوى عامان تقريبا , هل فكرتم في دخول هذا المعترك السياسي الهام و هل تملكون حظوظا للفوز بها ؟ أبوجرة سلطاني : الذي يقرر الترشيح أو عدم الترشيح هو مجلس الشورى الوطني , علما أنه هذا في المجلس المقبل و إن كان موعد الانتخابات الرئاسية لم يحن بعد , ثم أن الهيئة التي ستختار الفارس الذي سيخوض هذا السباق , لن تكون سوى مجلس الشورى فهذه ليست أمنيات فرد أو جماعة أو جهة بل قرارات هامة لا يفصل فيها إلا أعضاء المجلس الذين سيتخذون الرجل المناسب في الوقت المناسب . و هذا طبع في حالة ما إذا رشحنا شخصا معينا لهذه الإستحقاقات . الجمهورية : وفي حالة ما إذا زكّاكم مجلس الشورى لخوض هذه الرئاسيات هل تقبلون بهذا التزكية و تتقدمون كمرشح حمس لهذه الانتخابات ؟ أبوجرة سلطاني : سننظر إلى هذا الأمر بهدوء و سندرسه من كل جوانبه و لا نهمل حتى جوانبه الخفية , عنذئذ سنتخذ القرار الملائم في الوقت الملائم ...