تعززت المكتبة الرياضية باصدار جديد حول تاريخ كرة القدم الجزائرية يعتبر مرجعا هاما يتناول بالبحث والتحليل المراحل التاريخية الكبرى التي قطعتها كرة القدم في الجزائر، لاسيما وأن المراجع في هذا المجال قليلة جدا وتكاد تكون نادرة، تنحصر في بعض المقالات الصحفية والكتابات الفردية. الكتاب الجديد هذا من تأليف كاتبة لحسن بلحوسين، المشهور بتحاليله وتعاليقه في المجلة الجزائرية "90 دقيقة" وهو خريج جامعات فرنسا (ليل، أميان وأنجبرز)، وهو من عشاق كرة القدم يتابعها منذ أن كان فتى بمناصرته لنادي الطفولة مولودية وهران حتى ولو كان بعيدا عن الباهية. وهكذا يقول الكاتب "أمام هذا الفراغ الذي لا أدعى أني سأملأه قررت تأليف هذا الكتاب عن طريق تقديم جدول وصفي وقراءة في تاريخ كرة القدم الجزائرية منذ نشأتها إلى غاية يومنا هذا أي منذ أكثر من قرن وبالتدقيق 110 سنوات من الأحداث الرياضية". ومن أهم هذه المراحل التاريخية نجد المنافسات منذ 1904 إلى غاية مارس 1962، أما خلال مرحلة الاستقلال فنجدها في المرحلة الثانية، حيث تتناول البطولات ال 45 للنخبة والدورات ال 45 كذلك لمنافسات الكأس، بالإضافة إلى حصيلة تحلل كل منافسة إلى جانب الأصناف الأخرى (الصغار والإناث) دون نسيان اللقاءات الرسمية للمنتخبات الوطنية منذ سنة 1962، إلى أن ينتهي الكتاب بجدول يضم كل من شاركوا في هذه المنافسات من لاعبين ومدربين ومسيرين . ينقسم الكتاب إلى جزءين أساسيين، يقدم الكاتب كل جزء منهما، يضم الجزء الأول مجموعة من الأحداث والمعطيات التاريخية، في مقدمتها نشأة كرة القدم بالجزائر والأحداث التاريخية الكبرى التي عرفتها وكذا المنافسات واللاعبين الشباب والرياضة المدرسية، وكرة القدم النسوية ثم المنتخبات الفرنسية ومنتخبات إفريقيا الشمالية، والعناصر المؤثرة بالإضافة إلى الهيئات البشرية والمرافق. فبالنسبة لميلاد كرة القدم، يبدأ بمهد هذه اللعبة، وهي أنجلترا التي أنتظرت إلى غاية 1863، لتأسيس أول فدرالية خاصة بكرة القدم وجعل ممارستها رسميا بعد فصلها عن لعبة الريغبي فكرة القدم إذن تأسست هذا العام وهيئة جمعية كرة القدم التي تسيرها أنشأها قادة الفرق اللندنيين أثناء اجتماع لهم، أما بفرنسا فظهرت عام 1872 بإنشاء أول نادي فرنسي، وهو "لوهافر" ثم يليه نادي سات عام 1894 وأخيرا برشلونة نحو عام 1900. وفي سنة 1904 تم تأسيس الفدرالية الفرنسية لكرة القدم، بينما بدأت منافسات الكأس لأول مرة في فرنسا عام 1918 وكأس العالم عام 1930 أما في الجزائر، فظهرت كرة القدم في نهاية القرن التاسع عشر مع تأسيس عام 1897 أول نادي بإفريقيا الشمالية النادي الرياضي الوهراني الذي أصبح فيما بعد النادي الرياضي الحرية بوهران. بعد ضم الجار نادي الحرية سانت أنطوان، وتقول بعض الآراء أن نادي وهران (CDJ) تأسس عام 1894 قبل نادي الحرية، غير أن هذا القول لا يؤكده أي مستند. ولكن تبقى لحد الآن الوثيقة الرسمية التي تشهد على تأسيس أول نادي لكرة القدم يوم 10 جويلية 1897 بوهرانوالجزائر ككل هي الاعتماد الذي وجد يدل على نادي الحرية (CALO) والممضي بتاريخ 28 سبتمبر 1897 من طرف الأمين العام لحاكم وهران السيد إدوارد غارودي، وعلى مستوى الغرب فيحصي الكاتب حوالي 30 ناد قبل 1914، ومن هذه الأندية نادي سبورتينغ بلعباس (1906)، نادي معسكر (1911)، نادي سعيدة (1918)، غالية تيارت (1930) ونادي تموشنت (1919) وجاره بريودو سالادو (1935)... إلخ. وبالنسبة للجمعيات المسلمة فإن أغلبها يقول الكاتب ظهر رسميا مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (1918-1914). وقد حاولت هذه الجمعيات الرياضية التميز عن الأندية الفرنسية بالمحافظة على الهوية الوطنية، مستعملة بعض الرموز مثل النجمة والهلال، وألوان البدلات أخضر، أبيض، أحمر وأسود كما أن تسمياتها كانت عربية (مثل الوفاق أو الوداد، أو الإتحاد ...) وكان أول نادي مسلم ظهر (العميد) مولودية العاصمة بتاريخ 7 أوت 1921، وعلى مستوى الغرب ظهر الاتحاد الرياضي المسلم بوهران (إيزمو) الذي تأسس في أول ماي 1926 بواسطة مجموعة من الوهرانيين من بينهم صادق بومعزة، بن كولة، بومفرع... وبعد هذا التحليل الشامل الذي تناوله الجزء الأول، يأتي الجزء الثاني الذي خصصه الكاتب للأحداث التي ميزت فترة الإستقلال، بعدما سجلت سنة 1962 قطيعة مع الفترة الإستعمارية المختلفة تماما. وينكب صاحب الكتاب على تحليل المعطيات من خلال إجراء 46 بطولة للنخبة و44 دورة خاصة بكأس الجزائر، إلى جانب تعرضه لمنافسات الأندية الجزائرية على المستوى المغاربي مابين 1966 و1972، والإفريقي كذلك منذ سنوات 1970 وعلى المستوى العربي منذ نهاية عشرية 1990. كما تناول نفس التحليل أيضا اللقاءات الرسمية للمنتخبات الوطنية منذ 1962، وبالنسبة للمنافسات الدولية ابتداء من الألعاب الإفريقية الأولى ببرازافيل سنة 1965. ولم يهمل الكاتب كذلك ممارسة كرة القدم على مستوى الأصناف الصغرى، إذ تعرض لمختلف المدارس الجهوية لتكوين المواهب الشابة مع بعض المنافسات الرسمية. هذا ولم ينس الكاتب كل من ساهم عبر الأجيال في تطوير كرة القدم الجزائرية من مدربين ولاعبين وحكام ومسيرين سواء على المستوى الفدرالي أو الأندية. إن هذا الكتاب يعتبر بحق مرجعا نفيسا، حيث يرسم وبشكل دقيق مسيرة كرة القدم ويصفها للقارىء وللمهتمين ولذلك ننصح عشاق الرياضة والكرة المستديرة خاصة بالإطلاع عليه لأنه يحمل حقائق ثمينة ومعلومات نادرة لاتقدر بثمن.