المكتبة الجزائرية فقيرة أشد الفقر إلى الكتب التي تبحث في الفنون الدرامية بأجناسها، سواء كانت إذاعية أو غيرها، إضافة إلى الإخراج، وهذا لا يعني عدم وجود باحثين ودارسين ب معهد فنون العرض والسمعي البصري ببرج الكيفان، الذين لهم بحوث للتخرج في هذا المجال إلا أنها لم تر النور، وهذا ما جعل الطلبة والدارسين في حاجة ماسة إلى مثل هذه الأعمال، وقد انتبه الأستاذ إبراهيم جديدي مؤلف ومعد الكثير من البرامج الإذاعية منذ مدة إلى هذا النقص، وحاول فتح القوس بهذه المبادرة الطيبة بصدور كتابه الدراما المسموعة وفن الإخراج الإذاعي عن منشورات المكتبة الوطنية الجزائرية· الكتاب من القطع المتوسط يضم 157 صفحة، قدم له المدير الأسبق للإذاعة الوطنية، الأستاذ عبد القادر نور، حيث أكد في تقديمه أن الكتاب يتميز بعمق وشمولية موضوعه، وأنه لم يترك شاردة ولا واردة إلا وقد أبدى فيها وأعاد· ويضيف الأستاذ عبد القادر نور في تقييمه للكتاب، أنه يعتبر تجربة رائدة يقدمها لشباب اليوم، لتكون مرجعا مفيدا للعاملين أو المقبلين على خوض ميدان العمل الإذاعي كتابة وإخراجا·· خاصة وأن الساحة الإعلامية تفتقر إلى مصدر جزائري في مجال السمعي البصري· أما الأستاذ إبراهيم جديدي صاحب هذا البحث، فقد جذبه الفن التعبيري بجميع مذاهبه وأشكاله، لأنه في خلاصة الأمر ترجمة للوجدان وروح الجمال في الإنسان، التي تريد أن تبرز من المكنون إلى المحسوس، ولا يمكن لها ذلك إلا من خلال التعبير عن ذلك المكنون بما اصطلح على تسميته بالفن وتعميمه، ليتلقاه ويشترك فيه كل الناس كالماء والهواء، وهذا ما جعل المؤلف يعرف ذلك بقوله : إن الفن بجميع أشكاله ليس سوى عملية تعبير، عملية اتصال بين الفنان والمجتمع الذي يعيش فيه· أما عن الدراما التي هي قبل كل شيء مكنون وجداني إنساني، فلا يمكن إبرازه إلا بلغة تعبيرية، وإن صح القول فهو تنفيس وتأريخ للنفس البشرية في أحاسيسها واشعارها·· وتبقى الدراما دائما مرتبطة بالإنسان متعلقة بنفسيته ومشاعره ووجدانه، مترجمة له ولسلوكاته الداخلية المتصارعة والمضطربة الهادئة والحالمة، العاقلة والمنفعلة الغاضبة، الحكيمة والمتهورة، هو ذا الإنسان يترجم نفسه لنفسه ويحاول أن يلمس أحاسيسه بواسطة تعابيره الفنية وبالأخص فن الدراما، ولهذا يقول المؤلف الأستاذ إبراهيم جديدي : لهذا كان المسح الشامل لتاريخ الفكر البشري والفلسفات الاجتماعية والدراسات العلمية التي عاصرت تطور الدراما وأثرت عليه عبر التاريخ، وكان عملا حيويا بالنسبة للمبدع الدرامي، المؤلف والمخرج والممثل· إذا كانت الدراما الأرض التي يبنى عليها الفن المسموع، فإن لهذا الفن أسسه وأعمدته التي يقوم عليها هذا البناء الفني، ليعطي مضمونه الإنساني وشكله الجمالي، وهذا ما حدا بالمؤلف إلى تجزيئ موضوعه إلى عدة أجزاء أو فصول، لتعطي للكتاب تصميمه الهندسي المبني على منهج علمي محكم، كما أكد ذلك الأستاذ عبد القادر نور في تقديمه للكتاب عمق وشمولية الموضوع· الكتاب لم يتناوله المؤلف لمجرد درس أو بحث في موضوع استماله، وإنما تناوله من خلال ممارسته الفعلية في هذا الفن ومن خلال تجربته الخاصة، ولهذا جاء هذا التأليف متميزا من الناحيتين النظرية والتطبيقية، فمن الجانب النظري قسم المؤلف كتابه الى فصول زودها بالنماذج الإذاعية· وقد قسم الكتاب إلى خمسة فصول، الفصل الأول تناول فيه ثلاثة موضوعات رئيسية، اللغة وأسلوب الفن الإذاعي، ظهور الإذاعة المسموعة، ثم الإذاعة كوسيلة إعلامية· أما الفصل الثاني فجزأه إلى خمسة مباحث، هي : العنصر الأساسي للإنتاج الإذاعي، ما معنى كلمة الصوت؟، الصدى والرنين، ناقل الصوت، الأداء الإذاعي والتلفزيوني· الفصل الثالث ناقش فيه عدة محاور مهمة، تتعلق بصناعة الدراما الإذاعية والإنتاج الإبداعي الإذاعي، وتناول فيه الكاتب الإبداعي ومشتقاته، الخبرة والإحساس بأي عمل ينجز، الخبرة بالنماذج البشرية والمجتمع الذي يكتب له، الخبرة بالتاريخ والأحداث الوطنية والعالمية، الخبرة بالإمكانات الإذاعية، الخبرة بأسلوب التعامل الإذاعي، الخبرة بالأدب وفن الكتابة والقدرة على تخيل المواقف الاجتماعية والإنسانية، الخبرة بالموسيقى وتذوقها واستعمالاتها، ثم تناول في آخر الفصل الكاتب الإذاعي أديب ومفكر· أما الفصل الرابع من الكتاب، فقد تناول موضوعات الكتابة الإذاعية والبناءات الدرامية ولوازمها، وقسمه إلى 12 موضوعا هي على التوالي: فن الدراما الإذاعية، كيف ومتى نشأت الدراما؟ الدراما المسموعة، خصائص التمثيلية الإذاعية، كتابة التمثيلية الإذاعية، تقنية الكتابة الدرامية، تطور التمثيلية المسموعة، مقومات الدراما الإذاعية وقواعدها، البناء الدرامي للتمثيلية الإذاعية، اهمية المؤثرات الصوتية، الموسيقى في التمثيلية الإذاعية، مصادر الكاتب الدرامي· الفصل الخامس والأخير، خصه المؤلف لثلاثة محاور أساسية، الإخراج الإذاعي، مراحل إخراج التمثيلية الإذاعية، التعرف على استوديو التسجيل· وفي الأخير، قدم المؤلف نماذج من التمثيلية الإذاعية، تمثيلية للأطفال، والشهيد إلى رواية ثورية واقعية·الكتاب مهم وجاء ليسد فراغا كبيرا، وليكون مقدمة لتناول هذه المواضيع الإعلامية التي أصبحت من بين تكنولوجيا العصر، ومن وسائل التعبير الحديثة التي لا يمكن الاستغناء عنها، خصوصا ونحن في عصر العولمة والتثاقف العالمي·