« العمدة» في محاسن الشعر وآدابه ونقده- لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني، يعتبر هذا الكتاب التراثي كشف لمسار (65) بابا في أغراض وعناصر متنوعة من تحقيق الباحث الدكتور عبد الحميد هِنداوي، يضم جزأين في مجلد واحد، وقد صدرت الطبعة الأولى سنة (2001 م) عن المكتبة العصرية ( صيدا -بيروت) - لبنان - في (318 صفحة) . إن كتاب « العمدة» لابن رشيق هو كما سماه صاحبه عمدة في صناعة الشعر ونقذه، قد حوى من الشعر دررا، فبدت غررا، وللمتأهل فكرا وللمخيلة صورا- حسب ميزان المحقق هنداوي-..،.. وسيجد القارئ لهذا الكتاب أنه يطوف في موسوعة جامعة لمحاسن الشعر وآدابه وفنونه ووجوه نقده، ووسائل تحسينه، وتزيينه، فقد اشتمل على جل فنون البلاغة، لا سيما أغلب مباحث البيان والبديع. رؤية منهج التحقيق يقول الباحث المحقق هنداوى :«.. أما عن عملنا في هذا الكتاب، فالحق أننا لم نألُ جهدا في ضبطه، وتصحيحه،وتنقيحه على أجود نسخه المطبوعة والمتداولة، لا سيما النسخة التي حققها الفاضل الشيخ محيي الدين عبد الحميد وإن لم تكن تخل من هنات في ضبط الشعر الوارد بالكتب، وقد استدركنا ذلك بحمد الله في نسخة من نسخ هذا الكتاب، وقد ترجمنا لجميع الشعراء الواردين بهذا الكتاب، إلا ما جهلنا قائله، وعزونا أكثر بياته إلى مظانها، ومصادرها، وعلقنا على كثير من مسائله، وفنون البلاغة فيه، وبيّنا إصطلاح ابن رشيق لهذا الفن، ومدى اقترابه وابتعاده عما توارد عليه المتأخرون بعده، وما استقر عليه اصطلاحهم». حقا إن عملية التحقيق- شاقة- وتحتاج إلى صبر، ومقارنة، وتصحيح وعملية تحقيق المخطوطات رغم أهميتها البالغة، في بعث التراث وطبعه ونشره وتوزيعه، تبقى من العمليات التي لم تنل حقها من التقييم وإعادة الاعتبار لها...، وكما هو معلوم فهناك العديد من المخطوطات التي لم تحقق...ولم تنشر، بل بقيت أسيرة المكتبات الخاصة، والعامة في مواقع شتى- المكتبات الخاصة (العائلية).. والزوايا المنتشرة .. في شتى البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، والعديد من المطبوعات (سرقت) وهربت للمتاحف الأجنبية بفعل (الاستعمار) المتواصل، أو الاحتلال المؤقت.. إضافة إلى عمليات (التهريب) .. والتجارة في « السوق السوداء الموازية»، وكما هو معلوم فإن « الملتقى العربي للمخطوطات والمحققين» يظل أمل كل باحث محقق.. كما أن (التفرغ) للبحث والتحقيق تبقى مسألة هامة في رزنامة البحث العلمي الأكاديمي للوزارات والجامعات بمختلف البلدان المشارقية والمغاربية، قصد (هز) النفوس والرؤوس ، في مقابل (هز) الأكتاف والأرداف..« لمَ لا؟» يا أهل الفكر، وأصحاب الذكر ؟ القلم « الحر» .. والقلم « الإمّعة»!! ابن رشيق كان صاحب قلم حر، يرفض التدجين، والتبعية ومسار « الإمعة» وصاحبه ابن شرف كان القلم الإمعة، وهنا ( الفرق) والمفارقة ومفترق الطرق بين محوري « حجة السلطة» و« سلطة الحجة» ولتوضيح الفرق بين (قلمين) نذكر المشهد التوضيحي التالي :.. كان« ابن رشيق» نزيل (صقلية) غير أن « ابن شرف» القيرواني كان قد سبقه إليها، لما سمع عن كرم أميرها، وكان بين الأديبين الكبيرين في (القيروان) مناقضات ومهاجاة أشعل نارها (التنافس) - الأدبي- بينهما والتفات الأمير- المعز- إلى هذا تارة وإلى ذاك أخرى، فلما اجتمعنا (بصقلية ) تسامحا، وأقاما بمهازمنا، ثم استنهض - ابن شرف - رفيقه على فضاء (الأندلس) فكان الرفض القاطع للإقامة بالأندلس وترك (صقلية) وانشد ابن رشيق البيتين المشهورين:- «ممّا يُزهّدني في أرض أندلس-،- أسماء مُقتدر فيها ومُعتضد» «ألقاب سلطنة في غير مملكة -،- كالهِرِّ يحكي إنتفاخا صوْلة الأسد» وما أشبه ذلك الزمان... بزمانها هذا، وحكامه بحكامنا، وأقلامه بأقلامنا. * فأجابه إبن شرف بديهة:... «إنْ ترمك الغربة في معشر-،- قد جُبل الطّبع على بُغضهم» « فدارهم ما دُمت في دارهم-،- وأرضهم ما دُمتَ في أرضهم» وتأمل الفرق بين القلمين لتدرك بأن الكتابة (القزحية) و(الحربائية) كانت ولا تزال عند أهل (البهتان) لا (البرهان) لذلك كانت (المحبرة) مقبرة لكتاب السلطة والسلطان ، وكانت (المحبرة) الحرة في المقابل بصمة من بصمات الأحرار والحرية والتحرير.