نحن حاليا في مرحلة التاريخ المجهري التي تهتم بالتفاصيل نشط أمس الدكتور محمد القورصو المؤرخ والأستاذ بجامعة الجزائر المشهور ندوة «الجمهورية» تطرق فيها إلى عدة مسائل تخص كتابة تاريخ الجزائر، وكيفية هذه الكتابة، لا سيما ما تعلق بمرحلة الثورة والأحداث التي تلتها إلى جانب الجدل القائم حاليا حول ما أثارته الوثيقتان من فتنة بين المجاهدين ياسف سعدي وزهرة ظريف والكثير من المسائل مثل أرشيف الجزائر المهرب إلى فرنسا وغيرها. فمسألة كتابة التاريخ، مسألة صعبة ومعقدة جدا، لأنها لا تكاد تخلو من التحريف والتزييف، خصوصا وأننا كنا يقول الدكتور قورصو في بداية هذا التاريخ وبداية إكتشافه، وهي المرحلة الأولى، التي لا بد من المرور عليها، لتليها مرحلة الانتقال إلى التفاصيل، وأخيرا مرحلة التاريخ المجهري التي نمر بها حاليا، وكل مرحلة من هذه المراحل لها آلياتها ووثائقها التي تخضع للغربلة والمقارنة والشك الذي يجعلنا نصل إلى اليقين. ولكتابة هذا التاريخ يتم الإعتماد على الوثيقة واستنطاقها وبعث الروح فيها، وتحليلها ثم وضعها في إطارها، فدور المؤرخ إذن هو الغربلة وتصفية الشوائب، فهو يشبه دور الشرطي أو المتحري «ديتكتيف» يبحث عن الحقيقة وعن التفاصيل. فوظيفة المؤرخ يقول السيد قورصو، هي نشر الثقافة التاريخية الوطنية لتوعية الغير، وعلينا كتابة تاريخنا بكل أمانة لأن التاريخ سيحاسبنا كمثقفين وسياسيين لا سيما وأن هناك رغبة ملحة للمعرفة والإطلاع على الحقائق. والتاريخ هو مرآة، ومن الأحسن أن أرى نفسي في مرآتي أنا لا في مرآة غيري. ومهما كانت النقائص والسلبيات يجب ألا نخاف من الكتابة، وعلينا نحن كدولة أن نتصف بالشجاعة اللازمة ونفتح دور الأرشيف لكتابة تاريخنا بدون عقدة، بسلبياته وإيجابياته وبشجاعة، قبل أن يتحدث عنه الغير، فنحن يواصل الدكتور القورصو حرفنا تاريخنا والتحريف كان من الأعلى وأعطى مثالا حيا عن التغييب المتعمد لمصالي الحاج، وفرحات عباس الذي قيل عنه أنه متجنس وصدّق الإشاعة كثير وللأسف يضيف درسنا الكثير من المعلومات المزيفة، والآن بدأت نقائص الثورة تظهر، لأن الثورة في حد ذاتها من فعل أشخاص لهم نقائصهم وسلبياتهم ولهم إيجابياتهم والحديث عن الخلافات والإتهامات وتخويف هذا الآخر وإظهار أخطاء الثورة كما يحدث الآن أمر مقبول، أما ماهو غير مقبول، إخفاء الأخطاء إلى الأبد والصمت عليها، وقد وصلنا بذلك إلى مرحلة النضج التاريخي الذي يستوجب منا الحديث عن كل شيء. وفيما يخص قضية ما يسمى ياسف سعدي وزهرة ظريف، وما أسالته من حبر، يدخل في إطار التشكيك في ثورتنا وهذا التشكيك يرمي إلى التشكيك في وجودنا وفي كياننا وفي الدولة الحالية والمستقبلية ومحاولة تفجير الثورة من الداخل، وزرع البلبلة في الأذهان لا سيما أذهان الشباب الذي ليس لديه ثقافة تاريخية حتى بالنسبة لطلبة قسم التاريخ، فالشباب منفصل عن تاريخه، ولو نضيف لهذا الفراغ رسائل من هذا الصنف يحدث تشرذم ثقافي وتاريخي، وهو قنابل موقوتة مثل الألغام المضادة للأشخاص، وهي أشبه بالغزو الفرنسي لنا دون جيوش. ولكن مهما كانت هذه القنابل التي يمكن تفجيرها، يبقى مفعولها نسبيا. وحول قانون تجريم الإستعمار وقبره أو وضعه في الرفوف قال السيد قورصو أتأسف لسكوت الطبقة السياسية وللصمت والكلام بإيعاز أما فيما يخص ملف الأرشيف والذاكرة الجزائرية المهربة، فقال كنت أتوقع أن يحتل الموضوع مكانة قوية في العلاقات الجزائرية الفرنسية أثناء زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر ولكن لم يطرح البتة، وهذا خطأ من الناحية السياسية، وبما أن فرنسا كانت تمر بأزمة مالية وفتحنا لها أبواب الإستثمار، كان على الأقل مطالبتها بالمقابل، وهو إعادة أرشيفنا الذي ترفض فرنسا إعادته ومعنى ذلك أنها تنفي وجودنا قبل 1962 مثلما قال المرحوم وزير الخارجية محمد بن يحي. وإلى جانب هذا تطرق المتحدث إلى عدة مواضيع أخرى تخص الحركة والوطنية والجدل حول موت بعض القيادات الثورية والأحداث وكذا العلاقات الجزائرية المغربية، الخ.