توفي في بداية هذا الأسبوع بالبيض »الحاج الدينس الدينس« عن عمر يناهز ال 100 سنة، وهو معروف بهذه الولاية كونه ترأس بلدية سيدي عمر دائرة بوعلام وكان عضوا منتخبا بها ل 25 مرة، إذ أنه تميّز بخصال يعلمها جلّ أبناء بلديته وهو استعداده الدائم لخدمة المنطقة. ولذا كانت العروش حينما لا تتفق على أمر ما خاصة أثناء الإنتخابات، فهي تستنجد بالحاج الدينس للتوفيق فيما بينها، وهو الدور الذي مكّنه من اعتلاء كرسي المير عدّة مرات، وحتى أثناء فترة المندوبيات البلدية. المرحوم إلتقته »الجمهورية« في 2002، وحاورته لأول مرة فاكتشفت رجلا متواضعا يحبّ الشعر ولا ينطق إلا بالحكم والأمثال يرتدي لباسا عربيا أصيلا يتكون من عباءة صفراء، وسروال عربي ويضع على رأسه طربوشا مما يبين ارتباطه بالأصالة والتقاليد. وبما أن المرحوم كان قليل السمع اصطحب معه آنذاك الكاتب العام للبلدية الذي كان يدعوه »الخوجة« وهو السكرتير في عهد الأتراك. هذه المكانة اكتسبها الفقيد من نزعته وجنوحه وتفضيله »الصلح« في كافة المنازعات والمسائل التي كانت تحدث سواء بين العائلات أو العروش المتواجدة بمنطقة سيدي عمر، إذ كان الحاج الدينس يلجأ إلى المؤاخاة وإصلاح ذات البين بدل اللجوء إلى المحاكم وما ينتج عنها من خصومات. وعُرف عن الفقيد تواضعه بين أهله إذ كان يسكن خيمة، وقد أتى عليها حريق وتسبب في وفاة طفلته آنذاك، ورغم ذلك لم تؤثر فيه الحادثة وبقي يترأس البلدية. وقد اكتشفت »الجمهورية« آنذاك في 2001 أن محدثها كان أكبر مير في العالم، عن سنّ يقارب ال 92 سنة، وفاق أحد رؤساء البلديات بإيطاليا عمرا، لكن محاولاتنا في ذلك الوقت بتسجيل هذه الحقيقة في كتاب ڤينيس للأرقام القياسية باءت بالفشل، رغم أننا بعثنا بالمقال والصورة إلى أحد مستشاري رئيس الحكومة في ذلك الوقت. الذين احتكّوا بالمرحوم الحاج الدينس يتذكرون جيّدا طبعه المرِح الممزوج بالنكتة والحنكة، والقدرة على حلّ كلّ المعضلات المتشابكة في منطقة سيدي عمر شرق البيض المعروفة بتقاليدها وعراقتها. وبهذا تكون ولاية البيض قد فقدت أحد الذين إستنجدت بهم في أصعب الأيام والظروف ولم يبخلوا ولم يتهاونوا في تلبية نداء الوطن.. وبهذه المناسبة نرجو من العلي القدير أن يتغمد الفقيد برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جناته.