لم نصدق آذاننا ونحن نستمع إلى شكوى السيد تييري سانسينيتي مدير الإدارة والموارد البشرية بمصنع الإسمنت بزهانة، حول عزوف الزبائن عن شراء إنتاج المصنع من الإسمنت، إذ بعد كل الأزمة التي عرفتها سوق الإسمنت في الجزائر وجعلت سعره يتضاعف أكثر من أربع مرات في ظرف وجيز واضطرت الدولة إلى وضع برنامج استيراد لهذه المادة، هاهو ذا مصنع الإسمنت يعجز عن تسويق إنتاجه، وهذا في عز الصيف المعروف عادة بكثرة استهلاك الإسمنت! السيد سانسينيتي الذي يمثل الشريك الأجنبي »أسيك« في مصنع زهانة بدا جد متخوف من هذه الظاهرة لدى استقباله عدد من الصحفيين بمعية السيد مختار محمد رئيس مجلس الادارة بمؤسسة الاسمنت بزهانة، لاسيما وأن غياب الزبائن يستمر للشهر الثاني على التوالي كما أكد ذلك السيد تيري الذي قال أنه يجهل أسباب عزوف الزبائن عن أخذ حصصهم من الإسمنت، نافيا أن يكون شهر رمضان وراء ذلك لأن الظاهرة بدأت منذ شهر جويلية واضطرته كما اضاف إلى توقيف »المسحاق« (آلة سحق الإسمنت) عدة مرات لتراكم الانتاج في أهراء التخزين ويأتي هذا بعد أن رفع المصنع إنتاجه اليوم من 1900 إلى 2400 طن يوميا للتخفيف من أزمة الاسمنت ولذا لم يخف المدير الإداري قلقه من هذا الوضع، كساد منتوج المصنع من جهة واستمرار وصول البواخر المحملة بالاسمنت المستورد. وفي هذا السياق قدر رئيس مجلس الادارة المخزون الاجمالي من الاسمنت إلى غاية يوم 18 أوت الجاري بحوالي 50 ألف طن منها 23 ألف طن من الاسمنت والبقية اسمنت خام (لم يسحق بعد) وخلافا للسيد سانسينيتي فإن رئيس مجلس الادارة يرى أن إحجام الزبائن عن شراء الاسمنت يعود إلى عوامل ظرفية، مرتبطة بتوقيف المقاولين لورشاتهم خلال شهر رمضان، وكذا لاكتمال بعض المشاريع الكبرى مثل الطريق السيار شرق غرب متوقعا أن يعود الاقبال كما كان مع حلول شهر سبتمبر المصادف للدخول الإجتماعي الجديد. وإقبال على إسمنت لافارج بعڤاز! لكن لا السيد مختار ولا السيد سانسينيتي وجدا تفسيرا لاقتصار الكساد على اسمنت زهانة ما دمنا قد عاينا طوابير من الشاحنات أمام مصنع الاسمنت لافارج بعڤاز في انتظار دورها لشحن حمولتها واكتفيا بالتأكيد على أن الأمر لا يتعلق لا بالنوعية ولا بالاسعار، مادام مصنع زهانة ينفرد بإنتاج اسمنت خاص مضاد للأملاح يستعمل خاصة في الانجازات البحرية، إضافة الى الاسمنت العادي المشهود له بنوعيته الجيدة، أما السعر فهو محدد ومسقف من طرف السلطات العمومية. وبخصوص السعر حرص السيد سانسينيتي على التأكيد بأنه منذ تنصيبه لإدارة المصنع في جانفي 2008 فإن سعر كيس الاسمنت العائد للمصنع لم يتغير ومازال في حدود 190 دج للكيس، موضحا أن الزيادة التي أقرتها السلطات العمومية والمقدرة 90 دج في الكيس الواحد تذهب إلى خزينة الدولة ومقابل هذا يضيف نفس المسؤول فقد عرفت أجور عمال المصنع البالغ عددهم 665 عامل زيادة بنسبة 30٪ تطبيقا لقرارات الثلاثية وهو ما يفرز صعوبات في الحفاظ على التوازن المالي للمؤسسة في رأيه لا سيما إذا طال عزوف الزبائن عن شراء الاسمنت الذي يعتبر المورد المالي الوحيد للمصنع الذي يشهد إضافة إلى ذلك استثمارات كبيرة لتحديثه. وعلى شاشة المراقبة الموجودة بمكتب المدير الاداري، لفت السيد سانشينيتي أنظارنا الى مصلحة الشحن الخالية إلا من شاحنتين سرعان ما شحنتا حمولتهما، لتبقى الممرات الخمسة للشحن فارغة في انتظار زبائن لا يأتون مما دفعه الى توجيه نداء إلى أصحاب مشاريع البناء ليتقدموا إلى المصنع للتمون بالإسمنت مؤكدا أنه سيكون شخصيا في خدمتهم لتلبية احتياجاتهم. ومن الإجراءات المتخذة لمواجهة هذا الوضع، رفع حصة شركة توزيع مواد البناء التابعة للمجمع الصناعي للإسمنت الجزائري (جيكا) من 600 طن الى ألف طن يوميا لتسويقها لفائدة مختلف الزبائن الخواص، كما تم رفع اقتراح الى إدارة المجمع (جيكا) لتوسيع المجال الجغرافي لتسويق إسمنت زهانة ليشمل ولايتي مستغانم وغليزان الممونتين حاليا من مصنع الشلف. عوائق تهدد نشاط مصنع زهانة من جهة أخرى استغل السيد تييري سانسينيتي هذا اللقاء الصحفي للتذكير بالعوائق الاخرى التي تؤثر على مردودية المصنع، ومنها القيود التي فرضها قانون المالية التكميلي لعام 2009 مشيرا أن استيراد قطعة غيار بقيمة 400 يورو يتطلب رسالة إئتمان تحتاج بدورها شهرا للحصول عليها يضاف إليه شهر آخر لاستكمال الاجراءات الجمركية ملاحظا أن سلسلة الانتاج الرطبة للإسمنت الخاص متوقفة العطل أصابها وأن توقفها قد يمتد إلى شهر سبتمبر المقبل بسبب هذه العوائق. كما اثار نفس المسؤول المشاكل التي تعترض إطارات الشركة المصرية (أساك) ومنهم المدير العام خالد سباعي، ومدير الانتاج بمصنع زهانة، وحتى هو شخصيا في الحصول على التأشيرة ملاحظا أنه قد يحرم من الحصول على تأشيرة في حالة مغادرته الجزائر مما يعرض مصنع زهانة للشلل لأن كل الوثائق توقع من طرفه بصفته مدير الادارة والموارد البشرية ويرجع السيد سانسينيتي هذا الإشكال (في اعتقاده) إلى فراغ قانوني في تشريع عمل الأجانب الذي لا يأخذ بعين الاعتبار حالات الاطارات المكلفين بمهام في إطارات الشراكة بين المؤسسات الجزائرية والمؤسسات الأجنبية ومن تم مطالبة هؤلاء بتجديد الاقامة ورخصة العمل باستمرار يؤثرعلى استقرارهم. وقبل هذه الاخبار المتعلقة بالجوانب السلبية كان مدير الادارة والموارد البشرية قد بدأ اللقاء الصحفي بسرد أخبار نعتها بالجيدة، والمتعلقة بشروع مصنع الاسمنت بزهانة في الامتثال لتعليمات وزارة البيئة المتعلقة بحماية المحيط من مختلف أشكال التلوث، بوضع تجهيزات للحد من انبعاث الغبار وفي هذا المجال أعلن السيد تييري سانسيتيني عن إبرام عقدين مع شركة أمريكية الاولى بمبلغ مليوني يورو، لتجديد مرشحات الافران (الفيلتر) لتقليص كمية الغبار المنبعث منها والثاني بمبلغ مليون يورو لإزالة الغبار المتراكم في المصنع محددا مارس من العام المقبل كأجل لتركيب المرشحات الجديدة وموضحا أن الأجل المحدد من طرف وزارة البيئة هو سبتمبر من نفس العام. 3 ملايين يورو للحد من التلويث البيئي وفي هذا الصدد استفسرنا السيد مختار محمد رئيس مجلس الإدارة حول ما إذا كانت التجهيزات الجديدة أفضل من سابقاتها التي كلفت أموالا باهظة دون أن تؤدي وظيفتها في حماية البيئة من الغبار فأوضح أن التجهيزات الجديدة تعتمد على تقنية حديثة ومختلفة بحيث لا تسمح بإنبعاث سوى 20 ميليغرام من الغبار، فضلا عن أنها سهلة الصيانة وفتراتها قابلة للتغيير أن التنظيف، خلافا للتجهيزات القديمة التي كانت تسمح بإنبعاث نصف كمية الغبار فضلا عن حاجتها إلى صيانة لم يتوفر للمصنع مختصون فيها مما جعلها شبه معطلة على الدوام. من جهة أخرى أشار السيد تييري إلى سعي مصنع زهانة إلى الحصول على معيار الجودة من نوع إيزو 1401 وهو معيار لا يتوفر سوى لمصنع وحيد في الجزائر مذكرا بالبرنامج الطموح (كما وصفه) لتحديث وتحسين المصنع. من خلال عمليات إعادة تأهيل سلسلة الإنتاج الجافة في مرحلة أولى (مارس 2010) بإستثمار مبلغه 7.5 مليون يورو، ستتدعم بمرحلة ثانية (مارس 2011) كلفتها 40 مليون يورو لتأهيل بقية السلاسل ومن تم بلوغ الهدف المسطر المتمثل في استرجاع المصنع لطاقته الإنتاجية الأصلية المقدرة ب 1.2 مليون طن من الإسمنت سنويا (مقابل 800 ألف طن حاليا)، وهي استثمارات ساهم الطرف الأجنبي (أساك) في تمويلها ب 35 بالمائة بينما تحمل الطرف الجزائري بقية النسبة بحسب حصة كل شريك في اتفاقية الشراكة. وهي الشراكة التي يصفها السيد سانسينيتي بالنموذج الناجح سواء لشركتهم »أساك« أو لمصنع زهانة الذي تحسن وضعه كثيرا بفضل هذا التعاون وعلى أكثر من صعيد، الإداري، البشري، الإنتاجي، والتنظيمي وهو الوحيد الذي يتوفر على مخطط إجمالي للتنظيم الإداري مصادق عليه من طرف المجمع الصناعي للإسمنت الجزائري . و200 مليون يورو لإقامة سلسلة إنتاج جديدة ولذا يؤكد السيد تييري سانسينيتي إهتمام وحرص شركة »أساك« على استمرار هذه الشراكة ودعهما وإعتبارها السوق الجزائرية سوقا واعدة مما دفعها إلى الإستثمار في إنجاز مصنع مستقبل خاص بها بولاية الجلفة ملاحظا بالمناسبة أن هذه الشركة ما زالت إلى حد الآن لم تجن أية أرباح من شراكتها هذه . من جهة أخرى أفاد كل من رئيس مجلس الإدارة ومدير الإدارة والموارد البشرية لمصنع زهانة أن هذا الأخير اختير من بين المصانع العمومية الأربعة التي حظيت بمشروع لتوسيعها بإقامة سلسلة إنتاج جافة إضافية بتمويل من الدولة، بطاقة انتاجية قدرها 4500 طن يوميا وهو المشروع الذي قدر السيد تييري كلفته الاجمالية مع جميع الملحقات بحواي 200 مليون يورو ويتطلب 26 شهرا من الأشغال بعد التوقيع على الصفقة. في الأخير حرص السيد سانسينيتي على التذكير بالنشاطات الإجتماعية العديدة التي يقدمها المصنع لسكان المنطقة وللفئات الاجتماعية الهشة وكذا مساهمته في التخفيف من البطالة المتفشية في أوساط الشباب من خلال توظيف 65 عاملا كل خمسة أشهر للعمل في مصلحة الشحن معتبرا ذلك من واجبات المواطنة التي يؤديها المصنع وتندرج في صميم اهتمامته . كما تحدث ذات المسؤول عن إيلاء المصنع عناية خاصة بتسيير النفايات الهامدة للمصنع التي أصبح لها مفرغة خاصة بها، يحرص شخصيا على مراقبتها دوريا للحيلولة دون تراكم هذه النفايات في الطبيعة حوالي المصنع وهي الظاهرة التي كانت محل ملاحظات والي ولاية معسكر، كلما زار المنطقة علما أن منطقة شاسعة من هذه المفارغ الفوضوية السابقة ستزول كونها ستكون أرضية لإنجاز سلسلة الإنتاج الجديدة كما لاحظ ذلك مدير المصنع. الإخلال بالإلتزامات وراء تراكم الإنتاج وبعد هذا اللقاء قام الصحفيون بجولة عبر الورشات والأجنحة الرئيسية للمصنع بقيادة مسؤول الأمن السيد هواري علي للإطلاع على التغييرات التي طرأت على المصنع ومرافقه وهي تغييرات يلمسها كل من سبق له الإطلاع على الوضع السائد من قبل سواء من حيث تبليط الأرضيات لتسهيل تنظيفها وإزالة الغبار المتراكم أو من حيث طلاء بعض الواجهات وإقامة مقرات جديدة كالإدارة العامة، والإدارة التقنية فضلا عن تأمين المصنع من خلال نظام محكم للدخول والخروج من المصنع، كل ذلك شرحه لنا دليلنا مسؤول الأمن رغم أن التغييرات الإيجابية كانت واضحة للعيان. بقيت ملاحظة أخيرة لا بد من الإشارة إليها وتخص مسألة كساد الإسمنت بمصنع زهانة وتكمن في كون الاسمنت المنتج يوميا له زبائنه لأن نظام التسويق يخضع لبرمجة مسبقة وبالتالي فإن كل يوم يبرمج عدد من الزبائن بحسب معدل الإنتاج اليومي لأخذ حصصهم المحددة وفق طلبياتهم غير أن هؤلاء الزبائن لا يلتزمون بتعهداتهم وهو ما أنتج هذا التراكم للمخزون حسبما استنتجناه من حديثه لبعض إطارات المصنع، الأمر الذي يفرض ربما على مسؤولي المصنع التفكير في طريقة بديلة لحسن اختيار زبائنهم مستقبلا.