عاشت نقاط عدة موزعة عبر تراب بلدية مستغانم خلال رمضان الفارط ظاهرة سرقة الهواتف المحمولة من داخل السيارات والشاحنات وكل ما هو مركبة متحركة، حيث لا تسمح ولا تمنح هذه العصابات لكل من يحمل هاتفا نقالا أية فرصة للخروج من سيارته أو مركباته لإسترجاع ما سرق منه، في المقابل تسمح هذه الوضعية غير المريحة للصوص الإقدام على ذلك، مستغلين الوضعية الصعبة وحالة الضعف الذي يكون فيها صاحب المركبة حيث يجد نفسه وفي لحظة غير متوقعة مدفوعا من جهة بأصحاب السيارات الذين يضغطون عليه للسير والتقدم أكثر إلى الأمام لأنه عطل السير الحسن نتيجة الدهشة التي أصابته والتي لم تكن في الحسبان، ومن جهة أخرى تجده ينظر إلى اللص وهو يهرب دون أن يتمكن من فعل أي شيء لإيقافه. النقاط الملائمة إن هذه الظاهرة السلبية تحدث في أغلب الأحيان أمام إشارات المرور التي يمتثل السائقون لأضوائها ( الحمراء، البرتقالية، والخضراء) والتي يعتبرها اللصوص نقطة ضعف كل السائقين دون استثناء مما يستوجب عليهم استغلالها إلى أقصى حد لإرتكاب جريمتهم الدنيئة في ثوان . بمستغانم توجد أماكن عدة للقيام بهذا النوع من السرقة التي تحدث للأسف في وضح النهار وأمام مرأى المارة دون أن يحرك أي كان ساكنا، والأدهى أن هذا النوع من السطو يجري كذلك خلال أيام شهر رمضان الفضيل، يمكنني في هذا الباب تحديد عدة نقاط تحدث بها هذه الظاهرة لكنني سأقتصر على نقطتين أعتبرهما ساخنتين، الأولى توجد بشارع الأمير عبد القادر (بيليسي سابقا) عند مقطع حي »سان جول« والثانية تحت جسر 17 أكتوبر الذي يقسم مدينة مستغانم إلى قسمين حيث يتمركز اللصوص في الجهة المؤدية إلى سوق العين الصفراء لسببين الأول سهولة الاختلاط وسط المارة والثاني يستحيل أن يتوقف صاحب المركبة وسط هذا الزحم الكبير من السيارات والشاحنات التي يهم أصحابها الخروج في أسرع وقت من هذه المصيدة، عند هاتين النقطتين نجد مجموعات من الشباب يتراوح سنهم ما بين 15 إلى 20 سنة يحسبهم المارة إما من أبناء الحي الذين يقفون أمام منازلهم وفي وسط حيهم أو ممن ينتظرون حافلة تنقلهم إلى حيهم لكنهم في الحقيقة هم لصوص يتربصون بأعينهم الثاقبة من أمام إشارات المرور كل السيارات وما يوجد بداخلها من آلات وأجهزة متنوعة خاصة إذا ما تعلق الأمر بالهاتف المحمول. تقنيات حديثة للسرقة وهيهات أن يرتكب صاحب السيارة أو من معه خطأ استعمال هذا الجهاز الذي بات اللصوص يتكالبون عليه ويتنافسون على سرقته في وضح النهار أمام مرأى ومسمع الحاضرين من المارة وأصحاب السيارات والشاحنات فبلمح البصر يخطف اللص الجهاز من بين أيدي صاحبه أو من المكان الذي يكون الجهاز موضوعا فيه، حيث تجري العملية في أقل من خمس ثوان ولو اقتضى الأمر يستعمل هؤلاء الشباب العنف من أجل الوصول إلى رغباتهم الدنيئة ومن يدري فكل من يحاول أو يتجرأ إتباع خطوات اللصوص سيجد نفسه مطوقا من قبل أصحاب الذين ينهالون عليه بالضرب والشتم. تقنيات السرقة عديدة وكثيرة، تكون في غالب الأحيان عملية مشتركة حيث ينخرط فيها اثنان أو ثلاثة لصوص يقوم اللص الأول بأول حركة منذرا بذلك انطلاق عملية السرقة حيث يضرب السيارة من الخلف ما يدفع بصاحب المركبة إلقاء نظرة خاطفة عبر مرآته الأمامية معتقدا في ذات اللحظة أن السيارة التي تسير من خلفه صدمته عندها يتحرك اللص الثاني الذي يكون في غالب الأحيان واقفا أو سائرا من الجهة اليسرى حتى يلاحظه صاحب السيارة المقصودة جيدا ويمكنه جلب انتباهه عندها ينهال عليه ودون سابق انذار بالسب والشتم ونعته بكل النعوت، هذا التصرف الذي لا يفهم صاحب السيارة المقصودة معناه تجعله يذهل ويسبح عقله مع هذا الشاب، في هذه اللحظة يدخل السارق الثالث اللعبة، حيث يتسرب ذراعه داخل السيارة ويسرق كل ما أمكنه من السطو عليه وهذا دون أن يشعر السائق بأنه يسرق ولن يتفطن إلى ذلك إلا بعد فوات الأوان. الأمن بالمرصاد ولم تتوان أسلاك الأمن الحضري لولاية مستغانم من أن تشارك وبقوة في محاربة ظاهرة لم تكن معروفة قبل اختراع هذا الجهاز الساحر، حيث تمكنت ذات المصالح من أن تضع حدا لنشاط عدد من العصابات التي خلقت الرعب والخوف وسط المواطنين، الغريب في الأمر لم تقتصر هذه الظاهرة على لصوص من مستغانم وإنما شملت عصابات من الولايات المجاورة تتكون في غالب الأحيان من أشخاص مختصين في سرقة الهواتف النقالة والمنازل وغيرها إلا أنها سقطت كلها في قبضة قوات الأمن التي طهّرت المدينة من أفعالهم القبيحة، والأرقام التي قدمتها لنا المصالح الأمنية لولاية مستغانم تبين أن الظاهرة في تجدد مستمر، حيث أن الحصيلة الاجمالية لخمسة عشرة يوما الأولى من شهر رمضان الكريم تظهر مدى انتشار الظاهرة، إذ تمكنت ذات المصالح من تسجيل وإنجاز 177 قضية متعلقة بالسرقة بمختلف أنواعها وكذا تسجيل 118 جريمة خاصة بالمساس بالأموال العامة والممتلكات والمخدرات وكذا المساس بالأشخاص، ترتب عنها في الأخير إيداع 80 شخصا السجن واستدعاء مباشر ل 14 آخر في حين أفرج عن 6 أشخاص ولا يزال إلى حد الساعة 12 شخصا في حالة فرار. المشروع يردع الظاهرة إن التطورات الكبيرة التي عرفتها المجتمعات عبر مختلف أرجاء العالم، بما فيها المجتمع الجزائري بفضل تلك القفزة النوعية التي تسببت فيها تكنولوجيا الإتصال عند مطلع القرن الواحد والعشرين، لم تتولد عنها إلا المحاسن، لكنها تسببت كذلك في خلق مآس لا تعد لا تحصى، دفعت بالمشروعين الى سن قوانين جديدة تتماشى والأحداث السلبية التي نجمت عنها، حيث لم تكن القوانين تجرم لصوص الهواتف النقالة قبل هذا التاريخ، لسبب واجد أن هذه الأجهزة لم تكن متداولة بين الناس. ومع مطلع القرن الجديد بدأت الهواتف المحمولة تنزل الى السوق الجزائرية، أول من إقتناها الأثرياء والأغنياء لكن سرعان ما إنتشرت هذه الأجهزة عندها إنتشرت ظاهرة سرقة الهواتف المحمولة بصفة مهولة وأكثر من هذا تسببت في أحداث درامية مؤسفة، ومن بين الضحايا من توفي بسبب هاتف كما حدث فعلا في عدة أحياء، وكان ضحاياها للأسف شباب في مقتبل العمر، أغتيلوا بسبب محاولتهم تمسكهم بهواتفهم المحمولة. ونظرا لهذه الإنزلاقات الخطيرة التي لم تكن موجودة في المجتمع الجزائري اضطر المجلس الشعبي الوطني سن قوانين تتماشى ومتطلبات العصر، فصدرت على إثرها قوانين تجرم كل من يحاول سرقة الهواتف النقالة بعقوبة تتراوح من سنة الى ثلاث سنوات حيث هي اليوم في متناول كل الفئات إلا أن الظاهرة لم تختف من الساحة كما أنه لم يختف العنف الذي صاحبها. موقف المواطن المستغانمي ولا زال المواطن المستغانمي في غفلة عمّا يمكن أن ينجم عن المخاطر التي تتسبب فيها هذه الظاهرة وكذا عن إنعكاساتها، حيث لا زال يؤمن بمقولة "تخطي رأسي واتفوت" أو "هذا يحدث إلا للغير"، وفي غياب تربية إجتماعية حقيقية، وصحوة جماعية لمواجهة الظاهرة لا يمكن لهذه الأخيرة أن تختفي من الساحة، فالمطلوب اليوم من المواطن المستغانمي عدم الإستسلام للأمر الواقع، لأنه يعي مدى خطورة المرحلة التي يمر بها، وعليه أن يتساءل عن مكان تواجد النخوة والرجولة التي كان يتحلى بها أيام زمان ويسترجعها من جديد وذلك لما لها من مزايا وحماية له ولمجتمعه. وبفضل القانون 11/90 فتحت الدولة مجالا للمواطنين من أجل تكوين جمعياتها من أجل تكوين جمعيات بهدف أن تكون هذه الأخيرة سندا لها من جهة وتلعب من جهة أخرى دورها وسط المجتمع يدفعه الى حماية نفسه بنفسه، دفاعه عن حقوقه، تنظيف محيطه، مساعدة غيره عند الشدة، من بين آلاف الجمعيات التي اعتمدت بمستغانم هناك جمعية حماية المستهلك، والتي كان من المفروض عليها لعب دور محوري في حماية المواطنين من كل التجاوزات التي هو عرضة إليها وما أكثرها اليوم، لكن وللأسف لا حياة لمن تنادي، إذا كانت جمعية حماية المستهلك لا تقدر على الدفاع عن القدرة الشرائية فكيف لها أن تدافع عن ضحايا سرقة هواتفهم المحمولة؟