خلق الدخول المدرسي بولايات الجزائر ظاهرة أخرى سرعان ما تحولت إلى هوس لدى الكثير من الباعة الفوضاويين الذين صاروا يغتنمون الفرص لتحقيق الربح السريع واستغلال ضعف المواطن البسيط الذي صار عاجزا هو الآخر عن تلبية حاجياته بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار الأمر الذي يدفعه للتوجه نحو هؤلاء الباعة الذين وسعوا نشاطهم لبيع اكتب المدرسية والملاحق التربوية على أرصفة الطرقات وبالشوارع بأرخص الأثمان عكس الأسعار الحقيقية التي تعرضها المؤسسات التربوية وبطبيعة الحال فإن الإقبال عليها كبير جدا من طرف الأولياء الذين فضلوا شراء هذه الكتب عوض صرف مبالغ طائلة لإقتنائها من المدارس والثانويات وهو ما سبب استثناء الهيئة التربوية التي تدمرت من هذه الظاهرة والنشاط غير القانوني الذي يقوم به هؤلاء الأشخاص. خصوصا سبب نوعا من الركود وأعاق الحركة التجارية في الأسواق بعد أن طالبت معظم المكتبات بضرورة إتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من هذه الظاهرة وردع هؤلاء المخالفين الذين حجبوا عن التسويق الشرعي للكتب المدرسية والتربوية ناهيك عن القواميس والقصص وغيرها من الإصدارات التربوية التي تدعم المقرر السنوي للتعليم الإبتدائي. ومازاد الطين بلة هو أن الأولياء لم يعترضوا فكرة شراء هذه الكتب من الشوارع والأحياء ما دامت صالحة للإستعمال وتتماشى مع المقرر المعتمد بالمؤسسات التربوية، بل يكفي تغليفها بشكل جيد وإلصاق الأوراق الممزقة لتبدو هذه الأخيرة جيدة دون الإضطرار للتوجه نحو المدارس وشراء الكتب الجديدة بأسعار مرتفعة وربما هذه هي نقطة الضعف الوحيدة لدى المواطن البسيط الذي صار صيدا ثمينا لهؤلاء الباعة الفوضويين الذين لم يجدوا أي مشكل في تغيير نشاطهم كل شهر وحسبما يتطلبه المجتمع الذي يعيشون فيه أي أنه في كل مناسبة يحرص هؤلاء الأشخاص على مواكبة سير الأمور وما يحتاجه المواطن في هذا الظرف من مأكولات أو احتياجات خاصة وما عليهم سوى التحرك فورا لعرض منتوجاتهم لضرب السوق وفرض سلعهم بأرخص الأثمان مما يسيل لعاب البسطاء ويجعلهم يسارعون لإقتنائها دون تفكير بغض النظر عن الجودة والنوعية فالمهم لديهم هو الأسعار المنخفضة التي لا تثقل مداخيلهم البسيطة وجيوبهم الفارغة. ولأن الدخول المدرسي يعتبر من أكثر المناسبات أهمية لدى المواطن الوهراني فقد كان من الضروري إعطاءه حصة الأسد من المصاريف سواء تعلق الأمر بالملابس الجديدة أو الأدوات المدرسية التي صارت هي الأخرى تباع في الشوارع وعلى أرصفة الطرقات بعد أن يضعها هؤلاء الباعة على طاولات متحركة ويقومون بتزيينها للفت الإنتباه واستقطاب الزبائن لا سيما الأطفال الذين تغريهم الألوان الجميلة والأشكال الرائعة والمحبوبة لدى الطفل مثل الممحاة التي تباع على شكل فاكهة معينة أو حيوان أليف وأيضا الأقلام التي صارت تعرض بشرائط جميلة وشراشيف ملونة ناهيك عن المبراة على شكل سيارات وغيرها من الأدوات الزاهية في الألوان التي عرفت اقبالا واسعا من طرف المواطنين. أسعار مغرية في سوق لاباستي والمدينة الجديدة لا يخفى عن القراء أن سوقي لاباستي والمدينة الجديدة يعتبران من أكثر المواقع التجارية استقطابا للمواطنين في مختلف المناسبات الدينية والوطنية وبطبيعة الحال فإن الباعة الفوضويين لم يجدوا مكانا أسمى من هذين السّوقين الشعبيين اللذان صارا المأوى المحبب لهم لتسويق منتوجاتهم المضروبة وذلك تماما ما تشهده الكتب المدرسية حيث تفاجأنا خلال زيارتنا الميدانية التي قمنا بها مؤخرا بالكمّ الهائل للكتب المعروضة بل يمكن القول المفروشة على الأرض بعد أن تفنن هؤلاء الباعة في تزيينها وعرضها بشكل ملفت للإنتباه من خلال وضعها على شكل مكعبات كبيرة أو أشكال أخرى تدفع المواطن للنظر إليها مباشرة فور دخوله إلى السوق. وعليه فإن فضولنا جعلنا نقترب من هؤلاء الباعة لمعرفة الأسعار التي يعرضونها مقابل منتوجاتهم فصدمنا بثمن هذه الكتب التي كانت معقولة جدا مقارنة مع تلك الكتب التي تباع في المؤسسات التربوية فمثلا كتاب القراءة للسنة الثانية ابتدائي يباع ب 100 دج وفي المدارس ب 180 دج أما كتاب التطبيقات العلمية والتكنولوجية فيباع هو الآخر ب 100 دج وفي المدارس ب 150دج لنتأكد حينها أن هذه الأسعار هي ضرب من الخيال وضربة قوية للسوق الموازية والهيئة التربوية التي يبدو أنها لن يبيع الكثير من الكتب هذا الموسم الدراسي ناهيك عن المكتبات التي صارت تفتقر لزبون واحد على الأقل بعد أن فقدت زبائنها بسبب هذا النوع من النشاط الغير شرعي وهو ما جعلنا نتجول أكثر في أركان السوق لنكتشف المزيد من هذه المبيعات وبالفعل فقد وجدنا الكثير من الملاحق التربوية والقصص وحتى الحوليات التي تدعم المقرر السنوي والتي كانت تختلف بين الرياضيات الفيزياء وكذا الأدب العربي واللغات الأجنبية كالفرنسية والإنجليزية إضافة إلى مجلدات أخرى تعرض أسئلة الإمتحانات المتوقعة هذه السنة ومسائل محلولة تم وضعها ضمن الاختبارات السابقة والخاصة بشهادات البكالوريا والتعليم المتوسط. وقد أخذ القسم الجامعي نصيبه هو الآخر من هذا التسويق فيما يخص الكتب والمطبوعات الجامعي التي من شأنها أن تفيد الطلبة في أبحاثهم ودراساتهم ويتعلق الأمر بالقانون والإعلام والإتصال وكذا الكتب الخاصة بالطب والهندسة وغيرها من الكتب التي تعرف اقبالا كبيرا من طرف هؤلاء الطلبة الذين عزفوا عن المكتبات الجامعية أهمها المكتبة المركزية بالسانيا. ومكتبة كريدش ناهيك عن المكتبات الخاصة التي تستوجب دفع أقساط الاشتراك مثل مكتبة »بودو« وعليه فإن هذه الظاهرة قد قلبت الموازين وجعلت الهيئات المعنية تدق ناقوس الخطر حول تضاعفها هذه السنة مما يتسبب في كساد الكتب الجديدة بالمؤسسات التربوية والمكتبات التي تبيع منتوجاتها بأثمان باهظة جدا يصعب على المواطن البسيط شراءها خصوصا أن المقرر التعليمي صار ثقيلا جدا بالمواد مما يستجوب اقتناء العديد من الكتب المدرسية لا سيما في الطور الابتدائي وهو ما أثقل كاهل الأولياء الذين وقفوا عاجزين عن شراء جميع هذه الكتب، فالنسبة الأولى والثانية ابتدائي لوحدهما يستوجبان حوالي 10 كتب مدرسية لكل طور لوحده فما بالكم إذا تكلمنا عن الأطوار الأخرى التي يحتكم مقررها على اللغات الأجنبية والمواد العلمية العديدة وكل هذه الأمور لا يمكن تحليلها أو حتى التطرق إليها لأنها تخص المنظومة التربوية بوحدها كونها المسؤولة الأولى عن ادراج هذه المواد التي دخلت في عمليات الإصلاح الأخيرة لكن ما يشغل بالنا فعلا هو كيفية شراء جميع هذه الكتب وكيف للمواطن البسيط أن يتدبر أمر المصاريف التي فاقت الخيال ضف إلى ذلك الأدوات المدرسية التي أعجزته أكثر وجعلته يرفع راية الاستسلام. وكل هذه النقاط كانت دون منازع العامل الأكبر لإتجاه هؤلاء المواطنين نحو الباعة الفوضويين الذين استغلوا الفرصة وتمركزوا بهذه الأسواق الشعبية والأماكن العمومية لبيع هذه الكتب القديمة بأسعار معقولة ومناسبة بحجة أنهم إلى جانب المواطن البسيط ليسهلوا عليه مهمة شراء هذه الكتب دون تكبد مصاريف كبيرة تثقل كاهله وتجعله يتوه في وسط المكتبات والمؤسسات التربوية بعد أن تذهله الأسعار وتزرع في قلبه الحسرة بسبب عجزه عن شرائها. فلا ندري فعلا إذ كنا ندعم ما يقوم به هؤلاء الباعة أم نتقدمهم لأنهم مارسوا هذا النشاط غير القانوني وخلطوا الأوراق لأننا الآن وبكل صراحة لا نرى أمامنا سوى المواطن البسيط ووضعيته البائسة وما مصير التلامذة الذين ينحدرون من عائلات فقيرة في خضم هذا الغلاء للأسعار،رغم الإمتيازات التي توفرها الهيئة التربوية فيما يتعلق بمنحة 3000 دج وكذا منح الكتب مجانا للأطفال المعوزين لكن في نفس الوقت لا يمكن الإنكار أن الجزائر ذات كثافة سكانية كبيرة وبطبيعة الحال فإن هذه الإمتيازات لن تمس جميع الأطفال وإذا كانت كذلك فهناك فئات غير معوزة لكنها في نفس الوقت عاجزة عن شراء هذه الكتب بسبب كثرة المصاريف وتوالي المناسبات الاجتماعية والدينية. الواحدة تلو الأخرى، ولم يبق مقر آخر أمام هذه الفئات سوى إقتناء حاجاتها من الأسواق الفوضاوية الذين ضربوا أصحابها عصفورين بحجر واحد وكسبوا هذه الجولة وربما المعركة بأكملها.