شهدت عدّة مناطق من جنوب وطننا الكبير إجراء تجارب عديدة مضرّة وخطيرة في الفترة الإستعمارية وكانت منطقة رڤان بأدرار مسرحا لتفجير أول قنبلة نووية فرنسية على الأراضي الجزائرية بينما عرفت ناحية وادي الناموس ببشار القيام بأبحاث وتجارب كيماوية بواسطة أسلحة جرثومية وبيولوجية استهدفت الحيوانات المختلفة ومنذ سنوات ونحن نسمع ونطالع عن تأثيرات هذه التجارب على البيئة وحتى على الانسان القاطن بهذه الجهات والى يومنا هذا لكن أن يبلغ مسامعنا بأن تأثيراتها انتقلت الى أماكن تبعد بمئات بل بآلاف الكليومترات عن مراكز القيام بها ونقاط انطلاقها فذاك يعد ضرب من الجنون اللامعقول. ماذا إذن عن شهادات حية لموالين ورعاة بمنطقة البيض يؤكدون فيها عن اندثار نبات الحلفاء وتصحر أراضيهم وهجرتها بسبب مواد سامة حملتها أرجل قطعانهم وبطونها من منطقة وادي الناموس المعروفة بتواجد نفايات قديمة وخطيرة للغاية بعد عودتها من رحلة البحث عن الكلأ تصريحات مثيرة لم نكن نعلم في بادئ الأمر اذ كانت مجرد دعايات أم هي حقائق مسكوت عنها؟ وتساءلنا بدورنا لماذا تلازم الهيئات الوصية الصمت المستمر إزاء هذه القضية ولا تتدخل لتفنيد أو تأكيد ما يردده الموالون بعد قيامها بأبحاث ميدانية علمية؟ هل مجرد تكذيب لفظي للخرافة (كما يحلو للبعض تسميتها) سيعيد الابتسامة للكثير من الموالين الحائرين في إيجاد مكان ملائم لمواصلة تربية حيواناتهم. حديث أثير حوله الكثير من الكلام وبمجرد سماعها للقصة أوفدت الجمهورية بعثه صحفية لتقصي الحقائق ومعاينة المناطق المتضررة ومحاورة أهلها. بين غرابة الزوايا، وحقيقة المشاهدة حكاية عجيبة وحديث قد لا يصدقه العقل لأول وهلة وأقاويل يتداولها أهل المنطقة عن تواجد اشعاع كيمائي أدى الى تسمم الأعشاب والنباتات الموجودة ببعض المناطق الرعوية بولاية البيض وأتى على العديد منها والسبب الرئيسي حسبهم يعود الى بقايا النفايات الكثيرة التي خلفتها فرنسا بعد اجرائها لتجارب كيماوية في الفترة الإستعمارية بصحراء وادي الناموس التابعة إقليميا لولاية بشار والبعيدة عن المناطق المتضررة بمئات الكيلومترات. القصة مفادها بأن مجموعة من الموالين من البيض تنقلوا منذ سنوات وبسبب قلة الكلأ الى منطقة وادي الناموس وحطوا رحالهم هناك لأشهر عديدة وتمكنت أغنامهم من استغلال فرصة نمو الأعشاب الكثيرة بها لتناولها وبعد مدة أعاد الرعاة ما شيّتهم بواسطة الشاحنات الى أراضيهم الأصلية بالبيض لمواصلة تربية أغنامهم الى هنا لا شيء يذكر ولا غرابة فيما سبق لكن بعد سنتين بدأت تلك الأماكن التي تتواجد بها الأغنام العائدة من وادي الناموس تصفرّ ولا تنبت بها الأعشاب كما كانت في السابق بينما تلك المتواجدة على بعد كيلومترات قليلة بقيت خضراء وكبرت فيها النباتات المختلفة هذه الصورة المتناقضة والظاهرة جليا للعيان جعلت الكثير من الموالين يتساءلون عن سر تصحر مناطق متقاربة دون أخرى وكلها تعرف نفس الظروف المناخية واستفادت من نفس كميات مياه الأمطار المتساقطة على مدار السنة وفي نفس الموقع الجغرافي وتضاريسه. أساطير نسجت وقصص أغرب من الخيال عن سقوط شهب وأجرام سماوية أحرقت تلك الأراضي أو لعنة أصابت أهل المنطقة في مصدر رزقهم الوحيد جراء صنيعهم وطغيانهم في الغش وزيادة لهيب أسعار اللحوم والمواشي وإحتكار مبيعاتها... لكن أصحاب الأراضي المتضررة يصرون على رواية واحدة والمتعلقة بيقينهم أن لعلاقة تنقل حيواناتهم الى وادي الناموس ثم عودتها للعيش بمسقط رأسها أثر كبير في ظاهرة إنقراض الحلفاء بتلك المناطق التي تحولت إلى مساحات جرداءس بعدما صعب فيها الحرث وهلك الزرع. رسالة تحذير للمعنيين وجهتنا سطرناها نحو أحد شيوخ المنطقة الذي كان صديقا لأحد الباحثين الاجانب هذا الأخير الذي بدأ دراسته حول إندثار الحلفاء ولم يتممها لوفاته، فتكلف بها هذا الشيخ، الذي لم يكن بيده حيلة، سوى أنه نبه المسؤولين المحليين برسالة دونها ويذكر فيها درجة الخطورة التي تنعكس عن هذه الاشعاعات الكيمياوية، وضرورة التعجيل في إكمال الدراسة التي بدأ فيها ذلك الباحث الفرنسي واقتراح الحلول اللازمة في أقرب وقت ممكن، ولكن وإلى غاية يومنا هذا لم تلق هذه المراسلة أي رد فعل من قبل المعنيين لاسيما وأن نبتة الحلفاء تعتبر مادة أولية بمنطقة البيض، وقد عرفت إنتشارا واسعا منذ سنوات خلت، إلا أنها بدت تتناقص شيئا فشيئا في الاعوام الاخيرة، فالسبب الرئيسي أرجعه ذات الباحث (حول إختفاء الحلفاء) إلي انتقال الموالين بمواشيهم للرعي إلى منطقة وادي الناموس هذه الاخيرة التي تحمل في طياتها سموما زرعها المستعمر الفرنسي ولاتزال تبعاتها تحصد الى يومنا هذا، فهذه الماشية ترعى فوق هذه الاراضي ثم تعود أدراجها الى المنطقة الأم ألا وهي ولاية البيض، حاملة في أرجلها أتربة هي في حقيقة الأمر آثار إشعاعات كيمياوية، فتدوس بها على أراض خاصة بمادة الحلفاء وتؤثر عليها، لتموت يوما بعد يوم حتى الانقراض. قابلنا الشيخ الذي كانت لديه معلومات كاملة حول هذه الظاهرة التي تهدد المنطقة بالكامل، إلا أنه بدا مترددا أو بالأحرى خائفا وبدأ يحاول التهرب منا بشتى ا لطرق وكأنه ندم على ما أخبرنا به في السابق، لكننا واصلنا إصرارنا ولازمنا أماكننا، حتى أخذنا منه نسخة من الوثيقة التي كتبها بالفرنسية وأرسلها الى السلطات المعنية منذ سنوات والتي جاء فيها شرح واقٍ حول الظاهرة المقلقة لاندثار مادة الحلفاء في السنوات الاخيرة لأسباب قد سبق ذكرها أعلاه ناهيك عن مخلفات مرحلة الجفاف التي أصابت المنطقة خلال سنة 1989، وبغية التأكد من حقيقة ما جاء في المراسلة وكذا الدراسة تنقلت بعثة الجمهورية إلى أغلب المناطق التي كانت تشهد إنتشارا كبيرا لمادة الحلفاء بما فيها الرڤاصة التي لاحظنا بها مساحات رعوية جرداء، وقلة تواجد المواشي بها بسبب جفاف الارضية وتعرضها لزحف المواد الكيمياوية المتسربة من منطقة وادي الناموس جراء سقوط الأمطار أين تتوسع هذه الرقعة لتصل الى مناطق بعيدة وإلى غاية ولاية البيض شمالا، وأثناء تواجدنا بذات الجهة تقربنا من الحاج علي المعروف بالمنطقة بامتهانه لنشاط تربية الحيوانات بما فيها الأغنام والماعز والابقار والذي أكد لنا هلاك العديد من رؤوس ماشيته بسبب تناولها لأعشاب سامة، أما عن حادثة نقل المواد المضرة من وادي الناموس بواسطة أرجل الاغنام والإبل. فقد أكد لنا صحة الخبر موضحا تنقله شخصيا إلى منطقة وادي الناموس منذ سنتين وفقدانه لأكثر من 50 رأسا بعد عودتها من ذات الجهة وأنه لاحظ اصفرار الأراضي التابعة لمنطقته بالبيض ، الأمر الذي أدخل شكوكا حول انتقاله إلى وادي الناموس موضحا أنه وإلى غاية يومنا هذا لم يتأكد من صحة المعلومة ولم يجد حتى من يدله أو يرشده أو يعطيه حلولا أو حتى يفسر له ما يحدث علما أن منطقة وادي الناموس تبقى مجهولة إلى يومنا هذا بما تحملة في طيّاتها من خبايا وأسرار خطيرة تهدد ولاية البيض بكاملها وحتى المناطق المجاورة لها وحينما إنتقلنا إلى منطقة استيتن إستغربنا لصور الإخضرار اللافت للإنتباه لمساحات كبيرة وتواجد المواشي ورعاتها فتوقفنا لمساءلة بعض الأشخاص المتواجدين هناك فكانت البداية مع الشاب عبد الحق في عقده الثالث والذي رحبّ بنا وأخبرنا بأن الكلأ موجود وأن منطقة استيتن معروفة منذ القدم بأراضيها الخصبة وتفضيل الموالين لهذه الجهة عن غيرها من المناطق وأنه سمع بجفاف منطقة الرقاصة وإندثار مادة الحلفاء بها لكنه لم يصدق الرواية المتداولة. وفي طريقنا إلى ولاية بشار مرورا بالعين الصفراء وعند مدخل بلدية عسلة لفت انتباهنا التواجد الكثيف للحلفاء بشكلها الغزير والمرتفع أين تبين لنا الاختلاف الجوهري لنمو ذات النبات بمناطق دون أخرى. التسربات الجوفية عامل آخر وخلال تواجدنا بعاصمة الساورة توجهنا في بادئ الأمر إلى مقر الولاية، أين استقبلنا المكلف بالديوان الذي سهل لنا الاتصالات مع الأطراف التى أردنا التحدث إليها والمناطق المراد زيارتها فكانت المحطة الأولى من مديرية البيئة حيث تفاجأ الكثير ممن حدثناهم من العاملين بها عن ما نحمله من معلومات أو بالأحرى إشاعات أضحت متداولة بولاية البيض لا سيما بين الموالين. وبعد إصرارنا تكرم أحد الموجودين بها بالتحدث إلينا مصرّا على أن ما سيفيدنا به سيظل رأيا شخصيا والمتضمن أنه وخلال تساقط الأمطار الموسمية على منطقة وادي الناموس المتواجد بها النفايات الكيماوية إلى يومنا هذا تتوسع الرقعة الجغرافية عن طريق تسربات مائية جوفية ليمتد إلى مسافات أبعد وأن العوامل الطبيعية الأخرى كالرياح تنقل حبيبات الرمل الملوثة بالمواد الكيماوية إلى فضاءات أبعد مضيفا أنه على الهيئات المختصة والمعاهد المكلفة بالأبحاث العلمية والإيكولوجية والجيولوجية أن تبذل قصارى جهدها في البحث والتنقيب عن المخلفات الحقيقية لهذه المواد السامة ومدى تأثيراتها على البيئة والثروة الحيوانية وأن تصدر دراسات ميدانية طارئة ومستعجلة لوضع حد لهذه الأقاويل والإشاعات المغرية التي ارتفع حجمها في الأيام الأخيرة وبات الحديث عن واد الناموس مقلقا ومفزعا لكن ذلك لم يثن من عزيمتنا في البحث عن الحقيقة ولم يخفنا الحديث عن مخاطر التقرب من تلك الجهة. وادي الناموس المحطة الأخيرة إنتقلنا إلى مقر بلدية بني ونيف، أين إستقبلنا رئيس مجلسها الشعبي الذي وفر لنا سيارة رباعية الدفع للتنقل إلى وادي الناموس رفقة نائبه وأحد أعيان المنطقة ممن يعرفون تاريخ أو بالأحرى الجرائم الفرنسية بتلك الجهة. وبعد مسيرة 4 ساعات وعبر مسالك وعرة وخطيرة جدا في الصحراء، وعلى امتداد أكثر من 150 كلم، في طريق لا يعرفها إلا مرشدنا الحاج »جنان الدار قدور« المجاهد المعروف ببني ونيف وصلنا إلى بناية قديمة تقع على ربوة جبل، أخبرنا دليلنا بأنها القاعدة الفرنسية للتجارب الكيماوية بوادي الناموس، ودخلنا إلى العديد من غرفها حيث شرح لنا بالتفصيل ، أماكن تواجد الحيوانات التي كانت فرنسا تستعملها لغرض التجارب وعلى بعد مئات الأمتار، وفي منحدر جبلي أشار لنا بيده إلى منخفض يطلق عليه إسم »وادي الرهج« نسبة إلى بقايا المواد السامة الناتجة عن غسل الأوعية والدلاء المستعملة في مختلف التجارب الخطيرة. وأكد لنا الحاج »جنان الدار قدور« بأن الحيوانات التي تأكل من أعشاب »وادي الرهج« سرعان ما تصاب بنوبات جنونية تؤدي إلى وفاتها وهذه الظاهرة موجودة إلى يومنا هذا مشيرا إلى إحدى الأعشاب السامة التي أخلطت أوراق الموالين وجعلتهم يصدقون كلما يقال عن وادي الناموس. ويتواصل البحث... وبعد 3 ساعات عبر نفس المسالك غير المعبّدة وصلنا أخيرا إلى الطريق الوطني، حيث عادت لنا الحياة مجددا بعدما فقدنا الأمل في العودة إلى مقر البلدية بسبب الخوف من تعطل المركبة وانعدام شبكة الإتصالات الهاتفية وصعوبة السير خلوّّ المنطقة التام من البشر. كانت هذه جولة عبر مختلف الولايات والمناطق من أجل التقصي والتأكد من حديث قد يراه البعض لا يستحق كل هذه المغامرة، إلا أننا وبفضول صحفي حاولنا نقل تصريحات أهل المنطقة بكل أمانة وإلتقاط صور حديثة معبّرة تغني الكثير منّا عن الحاجة وعن السؤال. ليبقى هذا الإستطلاع مجرد سرد لوقائع قد يجد لها المختصون تفسيرات مغايرة لما ذكر وتكون لفرق الأبحاث عبارة عن مؤشرات أولية يعتمدون عليها للإنطلاق في دراساتهم حول ظاهرة إندثار مادة الحلفاء بمنطقة البيض عن أسبابها ونتائجها، علما أن الحلفاء كانت مادة أولية يعتمد عليها سكان المنطقة في نشاطهم الرعوي وكذا تجارتهم، إذ أنهم كانوا يصنعون منها الأواني التقليدية، فضلا عن الأفرشة إلى غير ذلك من المنتوجات.