جاء قرار حزب النهضة بالتخلي عن سباق الرئاسيات صادما لتيار الإسلام السياسي و المتتبعين لمسار أحزابه و قد اختلفت الآراء و الطروحات حول هذا الإحجام الذي يعتبر سابقة في مجال الحياة السياسية خاصة أن المشهد في بلدان الربيع العربي رجح الكفة بشكل واضح للإسلماويين و السلفيين الذين انقضّوا على الحياة السياسية. و لانسحاب النهضة من المشهد الرئاسي التونسي تبريرات كثيرة أهمها أن هذا الحزب يؤسس لتموقع عميق في الأوساط الشعبية لكن عندما كان الغنوشي في منفاه الإرادي في بريطانيا كانت أوساط شعبية كثيرة في تونس متعاطفة مع حركة النهضة و متعطشة للسير وراء حزب ذي تيّار إسلامي يعكس تطلعاتها السياسية و الاجتماعية في ظل العلمانية الليبرالية الصارخة التي ميّزت حكم بورقيبة و بن علي فهل لا يزال حزب النهضة في حاجة لمزيد من التوغل في الطبقات الشعبية ؟ و مما لا شك فيه أنّ النهضة استفادت كثيرا من تجربة الإخوان في مصر بعد الانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي و المطاردة البوليسية التي يعاني منها الإخوان في ظل حكم العسكر و بالتالي لا يريد نهضويو تونس تكرار تجربة السقوط المميت . و إذا برّر راشد الغنوشي الخروج من الرئاسيات بعدم الرغبة في السيطرة على مؤسسات الدولة و الانفراد بالحكم فمعلوم أن النهضة تلقت صفعة قوية في الانتخابات التشريعية التي فاز بها "نداء تونس " للباجي قايد السبسي و بالتالي ضاع من النهضة الوصول بالأغلبية إلى البرلمان والرئاسة و لا حاجة له بالمحليات . و خلال ندوة صحفية عقدتها قيادات النهضة في الأيام الأخيرة أكدت أن السياق الدولي لا يشجع على المشاركة لأنه رافض لاعتلاء الإسلام السياسي الحكم و كانت النهضة قد رسمت استراتيجية تتمثل في عدم خوض الانتخابات الرئاسية و الاكتفاء بالتركيز على الاستحقاق التشريعي من أجل الفوز بالأغلبية التي تمكنها من تكوين الحكومة و بالتالي السيطرة على مفاصل الدولة خاصة أن الدستور الجديد المصادق عليه من طرف المجلس الوطني التأسيسي أفرد صلاحيات موسعة للحكومة على حساب رئيس الجمهورية ، و حاولت النهضة التركيز على الموعد التشريعي من خلال خطب وِد كثير من الأحزاب كي تتحالف معها و تدعمها من أجل الفوز بالانتخابات النيابية ، و هي الاستراتيجية التي لم تتحقق لحسابات داخلية و أخرى خارجية تجتمع حول النفور من الاسلام السياسي بعد التجربة القاسية التي خاضها إخوان مصر و الحملة الشرسة التي خاضتها ضدها التيارات الليبرالية و الولاياتالمتحدةالأمريكية . و أكثر من ذلك سعت النهضة قبل الانتخابات التشريعية إلى اقناع أحزاب باختيار رئيس توافقي كي لا يتصادم مع الحكومة التي كانت " تحلم " بتكوينها عندما تفوز بالتشريعيات و الرئيس التوافقي ليس الليبرالي الباجي قايد السبسي. و تحدثت مصادر حزبية من تونس أن السبسي و الغنوشي قد التقيا مؤخرا و تباحثا حول شكل الحكومة و المرشح الذي قد تدعمه النهضة و رغم شح المعلومات حول اللقاء الثنائي فإنه تأكد أن النهضة الإسلامية لن تدعم الرئيس المترشح منصف المرزوقي . و أضافت ذات المصادر أن راشد الغنوشي أطلق يد مناضليه في انتخاب من يرونه الأصلح دون تقديم توجيهات لهم . و حسب الناطقة باسم النهضة في الخارج يسرى الغنوشي التي كتبت في نشرية معهد واشنطن للدراسات فإن النتائج الأخيرة للتشريعيات أكدت أنّ الشعب التونسي يريد ساحة سياسية توافقية مبنية على مبدأ المشاركة ما يعني احتمال التحالف بين نداء تونس و النهضة الإسلامية عندما نسلِّم بالنتائج التي أفرزها الاستحقاق.