دعا رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس السبت من مدينة سرت الليبية الى التعجيل بإصلاح منظومة العمل العربي المشترك من حيث أن هذا الاصلاح سيمكن البلدان العربية من التعامل مع محيطها الخارجي والتأثير فيه بما يوافق مصالحها وتطلعاتها. وأعرب الرئيس بوتفليقة - في كلمة له خلال جلسة مغلقة في القمة العربية الاسثنائية - عن يقينه من أن الاصلاح المؤسساتي "الذي نحن بصدد مناقشته كفيل بفتح الطريق في مرحلة قادمة أمام بلورة وإرساء سياسة عربية للجوار تتمتع بالامكانيات البشرية والوسائل المادية الضرورية لبلوغ أهدافها على أحسن وجه". وأكد رئيس الجمهورية في نفس السياق على ضرورة الخروج بإصلاحات "تبنى صيغتها على التقويم الموضوعي لمحصلة العمل العربي المشترك بمزاياه ونقائصه وثغراته" مستدلا على ذلك بالتجارب الدولية والاقليمية التي برهنت - كما قال - "على جدواها ونجاعتها"(...) وفيما يلي النص الكامل للكلمة: »حضرة العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية أصحاب الجلالة والفخامة والسمو أصحاب الدول والمعالي والسعادة السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية أيتها السيدات أيها السادة. يسعدني بداية أن أهنئ أخي القائد معمر القذافي برئاسة هذه الدورة الاستثنائية للقمة العربية معربا له عن بالغ الشكر على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة والتنظيم المحكم لهذه القمة التي تجمعنا مجددا في بلدنا الثاني الجماهيرية الليبية الشقيقة. كما لا يفوتني أن أتوجه بالشكر للسيد الأمين العام عمرو موسى على جهوده المشكورة في خدمة القضايا العربية. حضرة القائد أصحاب الجلالة والفخامة والسمو أيتها السيدات أيها السادة تنعقد دورتنا الاستثنائية هذه في ظروف عربية ودولية خاصة تجعل من قرار استدعائها في حد ذاته قرارا سديدا متبصرا. ذلك أننا نعيش مرحلة حاسمة على الصعيد العربي تميزها التداعيات الأخيرة لقضيتنا الفلسطينية والتعثرات المتكررة لمفاوضات السلام بسبب تعنت الاحتلال الاسرائيلي الممعن في سياساته الاستيطانية التوسعية غير مكثرت لحق الشعب الفلسطيني المشروع في بناء دولته المستقلة. أما على المستوى الدولي فالأمر يتعلق بملفات تتصل بموقف الوطن العربي من التحولات الجارية جهويا وعالميا في الميادين السياسية والاقتصادية وفيما يخص اصلاح منظمة الاممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي. إن هذه التحديات والقضايا الشائكة الطارئة منها وتلك التي تلوح في الآفاق على المديين المتوسط والبعيد جعلت من استدعاء قمتنا هذه أمرا لا مناص منه. من هذا الباب تنضم بلادي الى المبادرة الداعية الى التعجيل باصلاح منظومة العمل العربي المشترك من حيث إن ذلك سيمكننا من التعامل الفعال مع محيطنا الخارجي ومن التأثير فيه بما يوافق مصالح أمتنا وتطلعات سواء أتعلق الأمر بجوارنا القريب أم بالنظام الدولي عامة بتكتلاته وتحالفاته. وإني لعلى يقين من أن الاصلاح المؤسساتي الذي نحن بصدد مناقشته كفيل بفتح الطريق في مرحلة قادمة أمام بلورة وإرساء سياسة عربية للجوار تتمتع بالامكانيات البشرية و الوسائل المادية الضرورية لبلوغ أهدافها على أحسن وجه. وإذ نرحب بانطلاق مسار الاصلاح هذا بتفاؤل وحماس نود في ذات الوقت تأكيد ضرورة الخروج بإصلاحات تبنى صيغتها على التقويم الموضوعي لمحصلة العمل العربي المشترك بمزاياه ونقائصه وثغراته. كما أننا نرى خيرا في استلهامنا في ذلك مما سبق من التجارب الدولية والاقليمية التي برهنت على جدواها ونجاعتها لاسيما على المستوى الافريقي و في إطار الاتحاد الأوروبي حرصا منا على تحديث مناهج عملنا المشترك بما يضمن تحقيق الأهداف المنشودة بأسرع وتيرة وتفادي أخطاء وتعثرات الماضي الأليمة. تود الجزائر أن تؤكد في المقام الأول وجوب مواصلة وتكريس الاصلاحات المعتمدة سابقا وفي مقدمتها انشاء البرلمان العربي الدائم مع ضرورة اعتماد معيار التمثيل النسبي على أساس الكثافة السكانية لكل دولة عضو كخطوة هامة ونوعية في مسار دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد العربية ووسيلة مثلى للنهوض بعملية بناء مجتمع مدني عربي واع ومسؤول متشبع بمبادئ الممارسة الديمقراطية المتوائمة مع قيمه الثقافية والحضارية الاسلامية العريقة. ولا يفوتنا في هذا الاطار تأكيد ضرورة ضمان تمثيل كافة شرائح المجتمع العربي بما فيها الشريحة النسوية. كما نؤكد في ذات السياق أهمية ترقية دور مجلس الأمن والسلم ودعم إمكانياته المادية والتكنولوجية لتمكينه من أداء دوره على الوجه الأوفى ومن الإدارة المبكرة لحالات التوتر والنزاعات فيسارع الى تسويتها تفاديا لتفاقمها واستفحالها. وبالنظر لما كان عليه هذا المجلس واستلهاما مما حققه نظيره من نتائج ملموسة في اطار تجربتنا الإفريقية نرى أنه لا مناص من اعادة النظر في تشكيلته وتوسيعه حتى يتسنى له القيام بدوره بكل فعالية ونجاعته. والأمر سواء بالنسبة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تؤول اليه مهمة بلورة اهتمامات وتطلعات المواطن العربي والدفاع عنها في القمم الاقتصادية والاجتماعية العالمية ولدى هيئات الأممالمتحدة والمؤسسات الدولية ذات الصلة. وفي المقام الثاني تستبشر الجزائر خيرا بكافة الاقتراحات الجديدة لتفعيل منظومة العمل العربي المشترك وتساند على وجه الخصوص الاقتراح القائل بضرورة تعزيز امكانيات الأمانة نظرا لتزايد أعبائها وتحسبا لتوسع وتفرع مهامها المستقبلية لا سيما تلك المترتبة عن الإصلاحات الجارية. هذا ما يجعلنا ندعم اقتراح الأمانة العامة الرامي الى خلق منصب جديد لإنابة المفوض العام. وفي نفس السياق وللأسباب ذاتها نقترح تأسيس آلية الترويكا على مستوى الرئاسة السنوية للجامعة تعمل على مساعدة ومساندة رئاسة القمة في أداء مهامها على كل المستويات ضمانا للتواصل بين الرئاسات المتعاقبة وحفاظا على ذاكرة العمل المشترك وقراراته وحرصا على تحقيق الأهداف والسياسات المعتمدة على أحسن وجه. حضرة القائد أصحاب الجلالة والفخامة والسمو أيتها السيدات أيها السادة لما كانت نجاعة وفعالية العمل العربي المشترك تقاس بمستوى عقلانية القرارات والسياسات المرسومة ومدى نجاعة الأساليب المسخرة لتطبيقها فإننا نناشد في المقام الثالث إخواننا في الدول الأعضاء وفي الأمانة العامة بالتحلي بروح البراغماتية والواقعية في صياغة تخصصات المجالس الوزارية والمفوضيات المقترحة وفقا لأولويات العمل العربي المشترك وتوجهاته الاستراتيجية الكبرى وهذا تحاشيا لكل تذويب أو تشتيت لهذه الأولويات والتوجهات في اكثار مفرط من المجالس والمفوضيات يحول دون تحقيق ما نسعى اليه من انسجام في مواقفنا ودون النظرة الشاملة الملمة التي يجب أن تطبع قراراتنا واستراتيجياتنا في هذا الميدان أو ذاك. كما نؤكد ضرورة حفظ التناغم والتوازن العام بين مختلف أجهزة الجامعة القائمة منها والتي هي في طور الانشاء وعلى تفادي كل أثقال لعبء البنية المؤسساتية المنشودة وعلى الحرص على التسخير العقلاني والمبرر لموارد الجامعة. حضرة القائد أصحاب الجلالة والفخامة والسمو أيتها السيدات أيها السادة لا يفوتني أن أنوه بمحتوى مذكرة الأمين العام للجامعة المتعلقة ب"سياسة عربية للجوار". فقد عكست رؤية ثاقبة وبعدا في النظر حيال بلورة دور عربي فعال ومؤثر لاسيما في تعاطيه مع دول الجوار التي كثيرا ما تجمعنا بها تحديات وإهتمامات مشتركة. تتأسس السياسة العربية للجوار لا محالة على حد أدنى من الثوابت والاهداف العربية المشاركة التي لا جدال فيها ولا تنازل عنها نضع في مقدمتها وجوب حل عادل ونهائي للقضية الفلسطينية واسترجاع كل الاراضي العربية المحتلة وتحقيق الأمن القطري والجماعي للدول والشعوب العربية والسعي من أجل ذلك لأبعاد كل أسباب التوثر وتهديد السلم بما في ذلك العمل بكل السبل المتاحة على جعل المنطقة العربية ومنطقة الشرق الاوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها السلاح النووي. هذا فضلا على احترام وترقية القيم الثقافية والحضارية والدينية للأمة العربية في اطار الحوار بين الحضارات والأديان. وأما عن أليات التنفيذ فلا أظن أننا بهذا القدر من الحاجة الى هيكل مؤسساتي جديد مستقل بذاته. إنما هي سياسة جوار يجب أن تذوب في صلب سياسات الجامعة حيث تتبناها كافة أجهزة الجامعة من أمانة ومجالس ومفوضيات. تلكم هي باختصار شديد المبادئ المشتركة التي يجب أن ترتكز عليها أية سياسة عربية موحدة للجوار حتى تكون سياسة ذات مضمون يبرز وجودها وذات صدى ومصداقية لدى شعوبنا في الداخل وعند جيراننا وحلفائنا في الخارج. إننا رغم تحمسنا الشديد لهذه المبادرة نحبذ توخي التأني والتمعن فيما يقتضيه مشروع كبير وطموح كهذا من الدراسة والفحص والتمحيص. كما نوصي على وجه الخصوص بأخذ ما هو مطلوب من الوقت والجهد للتدقيق فيما سوف يتمخض عنه من إلتزامات بيننا وبين دول الجوار سياسيا وقانونيا وعمليا وفيما لا يجب أن ينجم عنه لا سمح الله من انقسامات بين الأشقاء نحن في غنى عنها. حضرة القائد أصحاب الجلالة والفخامة والسمو أيتها السيدات أيها السادة إن مسار الإصلاح المؤسساتي للجامعة الذي نرجو أن يحظى لدى كل الدول الأعضاء بالأولوية والعناية القصوى ومن قبل الأمانة العامة بالمتابعة الحثيثة والمستمرة لكفيل بأن يوفر بعد استكماله المناخ الأنسب لإعداد أسس سياسية عربية موحدة للجوار تخدم مصالح أمتنا وتحقق أهدافنا المرسومة. وفي ختام كلمتي أجدد لكم شكري الخالص سيدي الرئيس باسمي الخاص وباسم الوفد المرافق لي على كل العناية التي حظينا بها منذ نزولنا بهذه الأرض الطيبة المضياف راجيا من المولى عز وجل أن يكلل أعمال دورتنا هذه بالنجاح وأن يسدد خطانا لما فيه خير أمتنا ورقيها«.