شهدت الجزائر أول تقسيماتها الإدارية خلال الفترة العثمانية احتكاما لأسباب سياسية و اقتصادية و اجتماعية مرتبطة بكل منطقة و قسمت الإدارة المركزية البلاد إلى بيلكات في الشرق و الغرب و الوسط ( التيطري ) و هو النظام الغالب الذي يعرفه الجميع لكن مرحلة ما قبل الاستقلال في الجزائر قد تميزت بتقسيم عثماني و آخر فرنسي . تعتبر الولاية وحدة إدارية من وحدات الدولة ، و في نفس الوقت شخصا من أشخاص القانون ، إذا عرفتها المادة الأولى من القانون رقم 90/09 بأنها جماعة عمومية إقليمية تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و لقد خضعت الولاية لأنظمة و قوانين مختلفة منذ العهد الاستعماري و حتى آخر قانون للولاية سنة 1990 إن مرحلة ما قبل الاستقلال قد جمعت عهدين و هما العهد العثماني ثم عهد الاستعمار الفرنسي. كانت إدارة العثمانيين سطحية و تهتم بشؤون المجتمع و كل هم هذه الإدارة السعي إلى ضمان السيطرة المستمرة للدولة على جميع مرافق البلاد و خاصة مرفق الأمن و قد تميزت هذه المرحلة التي دامت ثلاثة قرون 1518 0 183بأربع مراحل أساسية حيث عرفت كل مرحلة تنظيما إداريا خاصا . أ /مرحلة البايات : 1535 – 1588 . لقد عرفت هذه المرحلة نظاما مركزيا شديدا حيث سيطرت الإدارة المركزية سيطرة تامة على مقاليد الحكم و الإدارة في البلاد ، و يعود ذلك إلى عدة عوامل لعل أهمها الصراع الخارجي مع القوى الصليبية من جهة ، و الصراع الداخلي بين مختلف الطوائف على الحكم من جهة أخرى . ب) مرحلة الباشاوات :1588 – 1659 . ظل النظام مركزيا في هذه المرحلة و لكن الباشاوات كانوا منفصلين عن القاعدة الشعبية و السبب الرئيسي في ذلك أن الباشا يعين لمدة ثلاثة سنوات غير قابلة للتجديد و تعيينه لا يحتاج لولاء الشعب. ج) مرحلة الآغات : 1659 – 1771 . تميزت هذه المرحلة بالطابع العسكري الذي عرف به الحكام في هذه المرحلة ، و لعل ما يميز هذا النظام أنه بمثابة محاولة لإيجاد نوع من الديمقراطية داخل الطبقة العسكرية الحاكمة ، لكن هذا النظام كان نظام غير واقعي يحمل أسباب زواله في ذاته . د) مرحلة الدايات : 1771- 1830 . في هذه المرحلة تأكد فيها الوجود الحقيقي للحكم العثماني في الجزائر و تولد فيها تنظيم إداري محلي في إطار محدود إلى جانب السلطة المركزية ، فكانت أجهزة الدولة المركزية تتكون من الداي والديوانيين ، والديوان للخاص (و الديوان عام و الخلاصة أن التقسيم الإداري في الجزائر إبان العهد العثماني ضم عددا كبيرا من الأقسام (533 قسما ) التنظيم الإداري المحلي في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي خضعت الولاية أثناء المرحلة الاستعمارية للتشريع الفرنسي و قد كانت تمثل دعامة أساسية استندت عليها الإدارة الاستعمارية لفرض وجودها و بعث سياستها و هو ما عبر عنه ميثاق الولاية و قد شكل نظام العملات في الجزائر خلال المرحلة الاستعمارية مجرد صورة لعدم التركيز الإداري ، فهي لم تكن تعبير عن اهتمامات أو مصالح محلية كأساس و ركن يقوم عليه أي نظام لامركزي ، ذلك أنه مجرد وحدة إدارية لتمكين الاستعمار و إطار التنفيذ سياسته و خططه الهدامة . فالتنظيم الإداري المحلي في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي قد عرف ثلاثة مراحل متميزة: أ/ المرحلة الأولى: و في هذه المرحلة تم الإبقاء على منصب آغا العرب ، و قسمت الجزائر إلى ثلاث مناطق إدارية مع مراعاة نوعية السكان المقيمين في كل منطقة و هي كالآتي : ¬ المناطق الإدارية المدنية : تطبق عليها نفس النظم الإدارية و القوانين الفرنسية لأن أغلب سكانها هم أوروبيون. ¬ المناطق الإدارية المختلطة : و هي المناطق التي يقيم فيها جزائريون إلى جانب وجود أقلية من الأوروبيين حيث يطبق النظام القانوني المدني الفرنسي على الأوروبيين و يطبق النظام العسكري الاحتلالي على الجزائريين ¬ المناطق الإدارية العسكرية : و هي مناطق خالية من الأوروبيين و في سنة 1844 أوجد نظام جديد في هذه المناطق في شكل ما يعرف بالمكاتب العربية ، و كانت مهمتها تتلخص في تسهيل الاتصال بين الإدارة الاستعمارية و الأهالي و جمع الضرائب و مراقبة السكان .. الخ ب/ المرحلة الثانية : بدأت بصدور القانون الفرنسي سنة 1848 الذي قسم الجزائر إداريا إلى ثلاث ولايات هي : الجزائر ، وهران و قسنطينة و عين على رأس كل منها والي كما شكل المجلس الولائي على غرار النمط الذي كان سائدا في فرنسا . الولاية بعد الاستقلال: عمدت السلطات العامة بعد الاستقلال إلى اتخاذ جملة من الإجراءات على مستوى التنظيم الولائي ، تمثلت في دعم مركز وسلطات عامل العمالة (الوالي) ومن جهة أخرى ضمان قدر معين من التمثيل الشعبي ، حيث تم إحداث لجان عمالية جهوية ، وفي سنة 1967 تم استخلاف اللجنة السابقة بمجلس جهوي (عمالي أو ولائي) وبقي الوضع على حاله إلى غاية صدور الأمر 69/38 المؤرخ في 23 ماي 1969 المتضمن لقانون الولاية ، وهو النص الذي سبق مشكلا المصدر التاريخي للتنظيم الولاية بالجزائر، وطبقا لهذا الأمر يتولى إدارة الولاية مجلس شعبي منتخب بطريقة الاقتراع العام وهيئة تنفيذية تعين من قبل الحكومة ويديرها وال . و بعد اندلاع الثورة التحريرية قامت الإدارة الفرنسية في 1956 باستحداث تقسيم جديد تمثل في تجزئة البلاد إلى 12 عمالة من أجل احكام المراقبة على الجزائريين و تتبع نشاطهم و انضمامهم إلى الثوار. و ظلت فرنسا تعمل بهذا النمط الإداري إلى غاية أن استقلت الجزائر في 1962 ثم بعد ذلك جزأت الجزائر المستقلة التراب الوطني إلى 15 ولاية في 1963 و كان أول تقسيم للجزائر المستقلة باعتبار أن الثورة قسمت البلاد خلال الاحتلال إلى ولايات تاريخية تتفرع منها مناطق لتسهيل عمل الثوار كما نصت على ذلك لوائح مؤتمر الصومام في 1956 . و ظلت هذا التقسيم ساري المفعول مدة 11 سنة و في 1974 اتجهت السلطات المركزية إلى تقسيم آخر ليصبح عدد الولايات 31 من أجل ضمان التنمية المحلية و مراقبتها و تقريب المواطن من الإدارة و احلال اللامركزية . و قد بلغ عدد الولايات 48 ولاية ( على الشكل الذي هي عليه اليوم ) في 1984 حيث تشكل الولاية الدعامة الأساسية للتنمية المحلية التي تتحقق في الدوائر و البلديات التابعة لها و غالبا ما تعمد السلطات المركزية إلى التقسيم الإداري من أجل تحقيق عديد الأهداف المسطرة و التي ترتبط بتحسين مستوى معيشة الفرد الجزائري و رفع الضغط على بعض الولايات التي تكون مساحاتها شاسعة و عدد سكانها مرتفع بالاضافة إلى تمكين الولايات الجديدة سواء منتدبة أو عادية من تحقيق التنمية و ليس فقط الاستفادة من إعانات و ميزانية الدولة و خلق مناصب الشغل الممنوحة في اطار نصيب كل ولاية من الوظيف العمومي. و رغم أن المطلب كان شعبيا في كثير من المناطق إلّا أن كثيرا من المنتخبيين لاسيما المحليين يحاولون السطو على الساحة من أجل تأكيد أنهم كانوا سباقين في تبني المطلب الشعبي. كما أنّ ولايات جزائرية أخرى تعاني من امتداد مساحاتها عبر آلاف الكيلومترات ما يجعل التحكم في التنمية و تسيير النمو الديمغرافي و حتى في حركة البشر أمرا صعبا كما هو الشأن في أقصى الجنوب (مثلا بين أدرار و برج باجي مختار) و من أهداف المتوخاة من التقسيم الإداري ,دعم الجماعات المحلية بالتجهيزات و المرافق العمومية لتحقيق التنمية المستدامة و مرافقة المشاريع المحلية من أجل تحقيق التوازن بين جهات الوطن و بالتالي تمكين كل المناطق من بنية تحتية متوازنة . و تمكين الجماعات المحلية من هيكلة النشاطات الاقتصادية والاجتماعية و مواعيد الاستحقاقات الوطنية المرتبطة أساسا بالانتخابات العامة .
اصبحت الخريطة الادارية للجزائر تتمتع بكفاءة عالية في قدرة الخدمة الاقليمية ، وفي تحمل اعباء النمو العمراني والاقتصادي واستيعاب الزيادة السكانية ، وهي مرشحة مستقبلا لمزيد من التعديل و التطوير لمواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية الجارية ضمن مخططات التنمية . و يتم اللجوء إلى التقسيم الإداري في كل مرة نظرا لما يلعبه هذا الأخير في ّإعادة هيكلة النمو والحرص على التجهيزات و تمثيل السلطات المركزية لدى المواطن و التقرب منه و مرافقته بتوفير متطلباته في مجال التنمية المحلية . و عملت التقسيمات المختلفة على تقليص مساحة الولايات التي تضم المدن الكبرى مثل العاصمة ووهران و قسنطينة و عنابة للحد من هيمنتها و لإتاحة الفرصة أمام المدن المتوسطة التي رقيت الى عاصمة ولاية لتنمي مواردها وتطور قاعدتها الاقتصادية ، وتؤدي الدور المناط بها في إطار هذه الاستراتيجية . و يضاف إلى ذلك تحقيق التنظيم الترابي للوحدات الإدارية من ولاية و دائرة و بلدية باعتبارها كلها نواة للتنمية المحلية التي غالبا ما تساهم في التنمية الوطنية .