تحتفل الجزائر، بذكرى اليوم الوطني للهجرة، المصادف للسابع عشر أكتوبر1961، إذ أن هذا اليوم الأغر يشهد على مدى بسالة المهاجرين الجزائريين في مقاومتهم للإستعمار في عقر داره، وحتى يعرف العالم أن الشعب الجزائري قضيته عادلة وشرعية(...)، وإن كانت في كل مناسبة تطفو على السطح شهادات حيّة لمن عايشوا الحدث بلياليه المرعبة، وهم يرون الأجساد تتناثر في الطرقات الباريسية وترمى على نهر السين الصامت، إلا أن الجديد هذه المرة، هو صدور الكتاب الخاص بالرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، الذي تضمن وثائق سرية هامة حينما كان على رأس وزارة العدل 56 - 57، وهي السنوات التي شهدت إغتيال ومقتل مناضلين جزائريين معروفين من قبل شرطة ودرك الإستعمار، وقواته الخاصة، بإيعاز من السفاح ميتران الذي أعدم 43 شهيدا، بأمرة منه، ظنا منه سوف يقضي على جذوة الثورة والتحرر(...)، وميتران، الذي هو من أنصار الإستعمار الفرنسي، ولم تأخذه شفقة بالمواطنين الجزائريين فسجل عليه التاريخ أنه أمر بالإغتيالات حينما كان وزيرا للداخلية، ووزيرا للعدل، رفض كل العرائض الملتمسة للعفو، لمن حُكم عليهم بالإعدام فرفضها كلها، وأمر بمواصلة التنفيذ المشؤوم فكان وقتها أيضا نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء الفرنسي، بحكم وظائفه كوزير للعدل وحامل للأختام(...) وعارض ميتران كل حركات التحرّر التي ثارت من المستعمرات الفرنسية، وساهم في قمعها، مع أن سيرته الذاتية، تقول إنه كان من المناضلين الإشتراكيين الفرنسيين المناهضين للنازية (39 - 45)، وتبرز هنا مواقفه المتناقضة، كمناضل مزيف لا معنى للحرية عنده يتلوّن حسب مصالحه وهواه(...) وتقول المصادر التاريخية الفرنسية عن روايات مسؤولين خدموا بمعيته أن المقصلة »كانت تشتغل في عهدته بلا رابط« لا سيما خلال حرب التحرير، إذ أن المؤرخ ستورا، يؤكد أن »تاريخه يشكل جدارًا أسودًا« من الجرائم (ميتران وحرب الجزائر)، بصفته أول رئيس فرنسي اشتراكي ينتخب فيما بعد في 1981، وطالت المقصلة التي كان يأمر ميتران بتنفيذها مناضلين متعاطفين مع الجزائر، وقتها، كإيفطون وآخرون، على خلفية رفض 80٪ من الطعون المتضمنة استبدال العقوبة القاتلة(...) ويواصل المؤرخ ستورا، في كتابه، الذي يعد عصارة بحث طويل في الوثائق السرية لمتيران، أنه كان يخدم مستقبله السياسي حتى على جماجم الأبرياء، المهم عنده الغاية تبرر الوسيلة(...) فكان فرانسوا ميتران، بريد قمع الثورة التحريرية بأي ثمن، لكن لم يتأت له ذلك(...) والواقع أن تلك المظاهرات السلمية المندلعة في 17 أكتوبر 1961، كانت بهدف مناصرة الإخوان المجاهدين والشعب في الجزائر، فقمعت بوحشية لم ير التاريخ المعاصر مثلها، وطبقت فيها شتى أساليب القمع النازية، من قبل كانوا يتشدّقون بمحاربة النازية والفاشية، وتروي الشهادات أن الرعب كان يستقر في الطرق الفرنسية جراء فوضى حظر التجوّل، من قبل السلطات المخولة للسفاح موريس بابون(...)، وحتى الجنرال أوساريس صرح في الصحف الفرنسية مؤخرا أنه كان يتلقى الضوء الأخضر من وزير العدل والداخلية (ميتران) بقمع الجزائريين وتقتيلهم، والزّج بهم في المحتشدات(..)، وهذا يدل بشهادة شاهد من أهل الإحتلال الغاشم أن ميتران كان وراء التنكيل والقتل العشوائي للجزائريين وكان عدة مؤرخين فرنسيين من قبل مثل إينودي، قد فضحوا جرائم فرنسا الحربية وضد الإنسانية في الجزائر، وتطرقوا إلى الجوانب الخفية من المسار السياسي لفرانسوا ميتران، وذلك بتصريحات أقرب مساعديه في الحزب الإشتراكي، حيث تكلم المؤرخ إينودي، مع روكار ودوماس (وزير خارجية سابق) وبادشير (وزير عدل سابق) الذي في فترته ألغيت عقوبة الإعدام وكل هذه الشهادات التي جمعها هؤلاء المؤرخون مثل بن جامين ستورا، وإينودي، وصحفيين فرنسيين آخرين تؤكد تورط متيران في جرائم ضد الإنسانية، وأنه كان قاسيا مع الثورة الجزائرية المظفرة(...) أما اليوم فنحن نتساءل لماذا جاءت هذه الإعترافات التاريخية متأخرة(...) وأين كان هؤلاء المؤرخون الفرنسيون منذ أكثر من عشرين سنة مضت ولماذا، إلتزم الساسة الفرنسيون الصمت حيالها؟ مع أنهم يدركون أن بلدهم إقترف ما يشيب له الولدان في أرض الجزائر الطاهرة الثورية(...) وتبقى مسألة الإعتراف بالجرائم قائمة، لأنها حسب رجال القانون لا تتقادم.