العطلة المدرسية او الإجازة فترة استراحة يستفيد منها المتمدرس بعد فصل متعب وشاق قضاه على مقاعد المؤسسة وبين جدرانها عايش فيها مختف التفاعلات والتأثيرات الإيجابية والسلبية ليحصل اخرالفصل على النتائج التي قد تكون مرضية وقد تكون العكس حسب الجهد المبذول، لكن المتفق عليه ان كل التلاميذ دون استثناء يتلهفون للعطلة بغض النظر على كيفية قضاء اوقاتها. وبما اننا على أبواب عطلة الربيع اِرتأت «الجمهورية «ان تقف عند هذا الموضوع وتخصص له حيزا مهما سلطنا فيه الضوء على عدة نقاط مهمة من منضور تربوي، وثقافي، واجتماعي وحتى بسيكولوجيل نقف أمام مظاهر العطلة لدى تلاميذ ولاية وهران كنموذج ونطرح الأسئلة التالية: كيف يقضي تلميذ وهران العطلة؟ وماهو مفهومها بالنسبة اليه؟ وأسئلة أخرى تطرح نفسها سيتم الإجابة عنها خلال تفاصيل هذا الموضوع. العطلة لغة مشتقة من كلمة تعطل وهي التوقف عن فعل شيء ما، ومنه أطلق اسم العطلة على الفترة التي يتوقف فيها الطالب او المتمدرس عن الدراسة ليخلد الى الراحة، ولكن هذا المفهوم لا ينطبق على جميع المتمدرسين بحيث يلعب الجانب المادي والثقافي للأولياء دورا في تحقيق هذا المعنى الصحيح للعطلة، فالبعض يستمتعون حقا بفترة الإجازة، والبعض الآخر لا تزيدهم الا شقاء، واخرون لا تفرق معهم كثيرا ... الأولياء بين الحضور والغياب قليلون هم أولئك الآباء والأمهات الذين يهتمون بتسطير برنامج خاص لعطلة الربيع اذ يبدأ التحضير له أو التفكير فيه قبل الموعد بزمن وهذا طبعا يعتمد على المستوى المادي للأسرة وكذا المستوى الثقافي والتعليمي للوالدين، كما ان هناك من يضعون ميزانية خاصة، او يدخرون المال من أجل الترفيه والتسلية والاستجمام مع اطفالهم وأكثرهم الموظفون ومن خلال استطلاعنا صادفنا مختلف المستويات وكان سؤالنا المطروح للأولياء وكذا التلاميذ هو: «عطلة الربيع على الأبواب هل تضعون برنامجا خاصا للخروج عن رتابة أيام الدراسة وأجواء الامتحانات وقضاء أوقات ممتعة؟ « فكانت الإجابات مختلفة حسب كل عائلة، فهناك عائلات تختار السفر خارج الوطن مثل عائلة بوزياني المتكونة من خمسة افراد والتي تشد الرحال في عطلة كل سنة وعلى الأغلب عطلة الصيف الى إيطالية أين يعمل الأب فتسافر الأم مع أطفالها الثلاثة لزيارة الوالد والاستمتاع بأوقات الراحة في عالم أخر وبطريقة مختلفة. وهذه عائلة أخرى حيث تسافر الخالة مع بنات أختها المتمدرسات الى فرنسا لتلتحق بأفراد العائلة المقيمين هناك وأكدت الانسة انها تنظم خرجاتها إذا تزامنت عطلة الأطفال مع إجازتها أما إذا لم تتوافق فهي تضع ترتيبات أخرى لأنها تؤمن بضرورة تغيير الجو للمتمدرس من أجل راحته النفسية. ومن جهة أخرى أفادت مصادر من المطار الدولي أحمد بن بلة بوهران ان عدد العائلات المسافرة خارج الوطن لقضاء العطلة يكاد ينعدم حيث أصبح يقتصر على طبقة معينة دون غيرها وهؤلاء ممن يقيم معارفهم أو بعض أقاربهم في البلد المتجهين نحوه، كما ذكر مصدرنا أن المطار يسجل باستمرار الرحلات العائلية الى بلدان مجاورة وأكثرها المغرب وتونس سواء من خلال الرحلات المنضمة أو رحلات عادية، هذا وأكد مصدرنا أن أغلب هذه الرحلات المذكورة ان لم تكن جميعها تسجل في عطلة الصيف فقط ،وأصبح عدد المسافرين من أجل قضاء فترة الاجازة يتراجع عاما بعد عام نظرا لارتفاع التكاليف وكذا أسعار التذاكر دون التكلم عن عناء الحصول على تأشيرة، فضلا عن تراجع مستوى القدرة الشرائية للمواطن الجزائري وهذا سبب قوي . ثقاقة غائبة وبالموازاة أكد من جهتهم أصحاب وكالات السياحة والسفر بوهران ان سفر العائلات خارج أو داخل الوطن في أيام العطلة ولاسيما عطلتي الشتاء والخريف تراجع كثيرا حيث أصبح ذلك يقتصر على الطبقات الغنية فقط دون غيرها، في حين بات ذلك مستحيلا بالنسبة للطبقات المتوسطة نظرا لوجود أولويات تحول دون التفكير في أيام الاجازة، وقد صادفنا خلال زيارتنا لإحدى الوكالات السياحية أحد المواطنين كان بصدد حجز تذكرة واحدة له وعندما طرحنا عليه اشكال موضوعنا ابتسم وأجاب: «أنا أريد حجز تذكرة واحدة الى مدينة عنابة لإنجاز بعض الأمور الخاصة ولا أهتم كثيرا بأمور العطلة ذلك أنه لدي انشغالات أخرى أكثر أهميه وربما أفكر ككل الأولياء في وضع برنامج نزهة أو رحلة داخلية خلال عطلة الصيف لا أكثر». ومن جهته أفاد صاحب نفس الوكالة السياحية ان غلاء المعيشة واهتمام المواطن بالضروريات وعلى رأسها السكن سبب نقص الاقبال على السياحة الداخلية أو الخارجية وأضاف أن الامر لم يكن كذلك قبل سنوات وحتى العائلات مع أطفالها على العمر تراجع كثيرا، وعن الرحلات المنظمة ذكر المتحدث ان الوكالة لا تهتم بذلك خاصة مع الأطفال كون ذلك متعب وفيه مسؤولية كبيرة. وفي زاوية أخرى كان لنا اتصالا بوكالات ومكاتب النقل البري بوهران حيث أفاد أصحابها أنه تم تسجيل حجوزات لعدد كبير من العائلات تشد الرحال نحو مختلف ولايات الوطن ولعل أكثرها ولايات الجنوب على غرار بشار، وأدرار، والنعامة، والبيض وغيرها، وتتواصل حسب المصادر المذكورة عمليات الحجز حتى لآخر لحظة، وعندما تقربنا من أحد المتقدمين لحجز تذكرة السفر الى بشار ذكر أنه يسافر تقريبا كل إجازة لزيارة أقاربه وهي فرصة يستمتع فيها أبناءه بأجواء الربيع الجميلة وسط أحضان طبيعة بشار الخلابة، برامج فنية ونشاطات ثقافية تحرص مختلف الجمعيات والمؤسسات الثقافية بوهران على تسطير برامج خاصة لإثراء أوقات ايم عطلة الربيع لهذه السنة، حيث تنظم عدة نشاطات بيداغوجية وفنية فيها الكثير من المتعة والترفيه، ومن ضمن هذه الفعاليات نذكر مهرجان الحكاية في طبعته 19 من 16 الى 21 مارس الذي تنظمه جمعية القارئ الصغير يتضمن برنامجه الموجه لكل أطفال الجزائر دون استثناء محطات ونشاطات ثقافية تصب في موضوع الحكاية تحتضنها مختلف الهياكل والمؤسسات والمراكز الثقافية بوهران. هذا إلى جانب العروض المسرحية التي يقدمها المسرح الجهوي عبد القادر علوله للجمهور الصغير طيلة أيام عطلة الربيع مع العلم أن خشبته تسجل حضورا مميزا للأطفال المتمدرسين على وجه الخصوص، حيث تعود هؤلاء على الاٍستمتاع بما يقدمه رواد الفن الرابع لهم في العطلة الموسمية و حتى العطلة الأسبوعية. ومن جهتها تقدم قاعة سنيما مرجاجو بمناسبة عطلة الربيع أيضا مجوعة من الأفلام السنيمائية والكرتونية الخاصة بالأطفال، وقد سألنا بعض الأولياء اٍن كانوا على علم بهذه البرامج المسطرة من أجل أبنائهم وأكدت الأصداء أن الأغلبية الساحقة من الاباء والأمهات لا يملكون أدنى فكرة عما ينظم بمدينتهم من نشاطات خاصة بالأطفال اٍما لعدم اٍهتمامهم بذلك، أو اٍنشغالهم بأمور أهم، أو عدم الاطلاع والبحث عن برامج تسلية أبناءهم، وهناك البعض لا يعلمون حتى بوجود هذه الفضاءات المذكورة وذلك يرجع طبعا الى المستوى التعليمي والثقافي وكذا البيئة وأيضا العامل المادي، وبالموازاة صادفنا أولياء وحتى أطفالاً يتقدمون للاٍستفسار عن جديد البرامج لأنهم تعودوا حضور مختلف الفعاليات في كل موسم ،يسألون عن نوع العروض ومواعيدها بفرحة وحماس وتلهف ويحلمون بكل عرض قبل موعده، فهم يترددون باٍستمرار على أي فضاء يقدم المتعة وينسيهم تعب فصل دراسي طويل،وهم يفضلون اٍكتساب ثقافات ومعلومات جديدة تحقق لهم المتعة والراحة الجسدية والنفسية. وهناك وجهة أخرى أكثر شعبية وشيوعا لدى جمهور الأولياء والأطفال تحظى بإقبال منقطع النظير من مختلف ولايات الوطن وهي حديقة التسلية والألعاب بوهران هذا الفضاء الذي يعني للصغار وحتى الكبار المعنى الحقيقي للعطلة، فبالنسبة للبعض لا معنى للإجازة اٍذا لم يترددوا على الحديقة والاٍستمتاع بما توفره من ألعاب ومحطات رائعة للترفيه، حيث تستقبل الحديقة يوميا خلال أيام العطلة مئات الزوار وأكثرهم من الأطفال وهي بما توفره من خدمات وتجهيزات تسمح بقضاء أوقات من الفرح والمرح قد لا تكون في أي مكان آخر وهذا ما يؤكده الصغار و الكبار. هذا وقد تعرفنا خلال دردشتنا مع أولياء التلاميذ حول كيفية قضاء العطلة أن هناك فئة أخرى لا تحبذ أجواء الصخب والفوضى فهي تفضل التوجه نحو الغابات والمنتزهات التي تكون في أبهى صورها خلال فصل الربيع وتقضي طيلة اليوم مع الأقارب والأطفال بين أحضان الطبيعة يتحرر فيها المتمدرس من قيود المدينة أو الحي ويكون أكثر اٍنبساطا وطلاقة ويقضي اوقاتا لا تنسى مستفيدين من التأثير الاٍيجابي لهذه الخرجات على نفسية الطفل وعلى حياتهم الدراسية، وتحقيق حاجتهم لهدوء الطبيعة وسكونها الساحر. متمدرسون وجهتهم سوق العمل في الوقت الذي يستمتع البعض بمختلف الطرق بأيام العطلة يجد آخرون أنفسهم مضطرون الى العودة اٍلى سوق العمل بعد غياب كان سببه الدراسة، فهم اٍذن لا يعرفون عن العطلة سوى التوقف عن الذهاب اٍلى المدرسة وقد دفعتهم الظروف القاسية الى إمتهان أي عمل يعود عليهم بفائدة مادية تضمن سير حياتهم الدراسية وحتى حياتهم العادية في ظل غياب الحقوق وفرض القيام بالواجبات، والمؤسف ان هناك فئة كبيرة جدا من التلاميذ الذين يعملون في أيام العطل اما لأنهم يعتمدون على أنفسهم في الحصول على مصروفهم بدعم وتشجيع من الأولياء، أوأنهم لا يملكون خيارا غير مساعدة آباءهم في كسب لقمة العيش الصعبة. كانت وجهتنا نحو سوق المدينة الجديدة أين يتواجد عدد كبير جدا من الأطفال المتمدرسين دون سن 14 سنة يزاولون مختلف أنواع التجارة وسط التجار الكبار الذين يستنزفون قواهم ويستغلون ضعفهم من خلال تشغيلهم في أعمال شاقة ومتعبة مقابل مبلغ مالي زهيد، ويقابل هؤلاء أطفال يعملون لصالحهم حيث يستثمرون مبلغاً صغيراً من المال في شراء بعض المنتوجات واٍعادة عرضها للبيع، وهذا يوسف يبلغ من العمر 10 سنوات يبيع الأكياس البلاستيكية للمتسوقين في أيام العطلة، وحتى يومي الجمعة والسبت وعندما سألناه عن سبب لجوئه للعمل قال أنه يساعد والده الذي يعمل هو الآخر كبائع متجول للأكياس أيضا، كما أضاف يوسف انه يصرف على نفسه لشراء الملابس والثياب وما ينقصه من أدوات مدرسية وعلمنا منه أيضا أنه لم يكن متفوقا خلال الفصل وأنه لم يتحصل على نتيجة جيدة. كما إلتقينا أيضا بأحمد في ال 12 سنة من عمره يعرض للبيع مجموعة من الاٍكسسوارات الخاصة بالبنات وهو يزاول هذه المهنة منذ زمن ويقول إنه تعود على كسب المال بمفرده دون الاٍعتماد على أحد، أما بالنسبة للعطلة فقال انها شيء عادي وأكيد أنه سيسخر كل وقته للعمل لها وهو يعمل حتى في عطلة نصف اليوم دون ملل او كلل وقال إنه يفضل العمل على الدراسة كونه ليس شاطرا بالمدرسة ولا يفكر في أن يضيع وقته في التجول والتنزه لأنه يجد متعته فقط في العمل. كثيرون هم الأطفال مثل أحمد ويوسف الذين لا تعني لهم العطلة سوى المزيد من العمل وفقط، وهكذا شيئا فشيئا حتى يأخذون عطلة أبدية من المدرسة وهذا هو الخطر الذي يهدد هذه الشريحة من المتمدرسين في ظل غياب كلي لاهتمام الوالدين ومتابعتهم ومراقبتهم المستمرة لأبنائهم مما يدفعهم اٍلى الضياع. وأسوء من هؤلاء أطفال آخرون يجدون في الشارع ملاذهم فيأخذون كل الحرية للعب والعبث دون حدود وبدون رقابة الأهل حيث لا يعودون الى البيت الا في ساعة متأخرة من المساء من أجل الأكل والنوم فقط ولا يلقون أي استفسار من اولياءهم فيكتسبون من الشارع والاٍختلاط مهارات في فنون الاٍنحراف في سن مبكرة فيتعلمون الكلام البذيء والألفاظ الموحشة وربما السرقة والكذب. وهكذا يملؤون أوقات فراغهم فيعودون اٍلى المدرسة بروح عدائية تنميها عطل غير محروسة وغير مراقبة -اٍن صح التعبير- ويتمنى هذا النوع من الأطفال أن تدوم أيام عطلتهم أطول وقت ممكن ويصعب عليهم بعد ذلك الاٍلتزام بالضوابط التي تفرضها المدرسة لتصبح هذه الأخيرة بالنسبة اٍليهم شبيهة بالسجن. قمنا بنقل نتائج ترشيد أوقات الإجازة هذا الاٍستطلاع الى مختصين في التربية وعلم الٍاجتماع الذين أكدوا أن العطلة تعتبر فاصلاً مهم يؤثر بالدرجة الأولى على علاقة الطفل بالمدرسة، وعلى مردوده الدراسي، وحتى على تنشئته الاجتماعية إما سلبا أو إيجابا عسب طرق إستغلالها وإستثمارها من قبل الأولياء حيث أنّ هؤلاء أول مسؤول عن طرق ترشيد أوقات الاٍجازة لأبنائهم ومهمتهم هي البحث عن خطة جدية ومفيدة لملأ الفراغ في أشياء تريح العقل وتفيده في نفس الوقت حيث أن عقل الطفل المتمدرس على وجه الخصوص يسجل كل ما يؤثر فيه من مواقف اِيجابية أو سلبية في أوقات فراغه فترافقه طيلة حياته. وترتبط حسب المختصين طريقة قضاء الإجازات إرتباطا وثيقا بعقلية الأسرة بشكل عام، وكذا بمستوى الدخل، اٍضافة اٍلى البيئة أو المحيط الذي تنتمي اٍليه الأسرة. والواقع يؤكد أن نسبة 50 بالمائة من تلاميذ وهران يستمتعون بجزء قصير من أيام العطلة من خلال الخروج والتنزه ومتابعة البرامج المسطرة لهذا الغرض بحيث يعودون غالبا في الجزء الباقي اٍلى مراجعة الدروس والتحضير لموسم دراسي متجدد وهذا شيء اٍيجابي أكيد، أما المستمتعون بكل أيام العطلة فهم غالبا من يسافرون خارج الولاية لزيارة الجد والجدة واٍغتنام الفرصة للسياحة والاٍستجمام وعودتهم تكون قبل يوم أو يومين من الدخول المدرسي. أما 50 بالمائة الباقية من التلاميذ فهم لا يستفيدون من الاٍجازة بأي شكل من الأشكال، بل منهم من تزداد متاعبهم وتسوء حالتهم النفسية وغالبا ما يكونون غير مستعدين لاستئناف الدراسة مما يؤثر على محصولهم الدراسي.