لم تتأخر ليبيا كثيرا في ركوب قطار ما سمِّي ب "الربيع العربي"و كأنّ الظروف كلها كانت مهيأة من أجل الاطاحة بنظام معمر القذافي ، و بعدها مباشرة لم يُحرز أيّ تقدم في البناء الديمقراطي و استحداث مؤسسات الدولة التي لا تعرفها ليبيا كما توخاه الشعب الليبي ، بل و نظرا للغياب التام لمؤسسات الدولة سواء العسكرية أو المدنية غرقت ليبيا في تجاذب بين الأطراف السياسية و فوضى السلاح و تكالب المجموعات الإرهابية التي حولت البلاد إلى أرض جهاد تتطاحن فيها الجماعات المسلحة مع بعضها أو مع ما بقي من " الدولة " لتدخل البلاد برمتها في نفق مظلم ، صنّفها ضمن البلدان الأكثر توترا ، و فتح الباب أمام تصدير هذه الفوضى بسلاحها إلى دول الجوار سواء في المغرب العربي أو المشرق باعتبارها متاخمة للمنطقتين من الغرب و الشرق . و أكدت الأزمة الليبية و تسرب تداعياتها إلى دول الجوار الهشاشة التي تميّز الوضع الأمني في هذه المنطقة ، ما فتح المجال أمام اعادة تنشيط زحف المجموعات الارهابية في هذا المجال الجغرافي الحيوي الذي تتصدره الجزائر و مصر كدولتين محوريتين كان لزاما عليهما وضع الملف الليبي ضمن الأجندة من أجل ايجاد الحل السياسي و الأمني و إعادة الأمور إلى نصابها في ليبيا و هو الأمر الذي لم تتأخر عنه الجزائر . ويسيطر الجيش الذي يقوده اللواء حفتر والمعترف به دوليا على المناطق المحيطة ببنغازي ثاني كبرى المدن الليبية ، وصولا إلى الحدود المصرية شرقا، في حين سيطرت الميليشيات المتطرفة على مدن الحدود التونسية شمال غربي البلاد ، وصولا إلى العاصمة طرابلس التي تدور فيها معارك طاحنة. بعدما شهدت العمليات العسكرية على الأرض في ليبيا تراجعا مضطردا لقوات ميليشيات الجماعات المتطرفة مع تقدم قوات الجيش الليبي بقيادة حفتر فيما تحدثت أنباء عن تواجد قادة الميليشيات التي تسيطر على طرابلس خارج البلاد في تركيا. وتحدث كثيرون عن خروج قادة الميليشيات من البلاد وذكرت أنباء أن عبد الحكيم بلحاج ووسام بن حميد وغيرهما "فروا إلى تركيا بأموالهم و ثرواتهم، تاركين الليبيين يقتلون بعضهم بعضا ". فالسلاح الذي وقع في يد الارهابيين كبير جدا مما يُنمي عن توتر رهيب في المنطقة كاملة و ينعكس على الأمن و الاستقرار في مصر و الجزائر و تونس و السودان و تشاد ، لذلك كان الحل بجمع فرقاء ليبيا مسألة جوهرية دعت إليها الجزائر و أطرتها هيئة الأممالمتحدة ممثلة في الخبير الاسباني برناردو ليون. و قد كشف تقرير حديث اعدته اللجنة الافريقية للمصالحة والسلم عن ارقام مرعبة لانتشار السلاح وتمدد التنظيم المعروف ب داعش في ليبيا الذي يقوده المدعو ابو نبيل الأنباري مما يبين تركيز ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية على استحداث وخلق دولة بديلة على الأراضي الليبية وفي شمال افريقيا . وأشار التقرير إلى أن "عدد مقاتلي داعش في ليبيا يقدر ما بين 4500 إلى 5 آلاف مقاتل بينهم 1000 من جنسية ليبية والباقي من جنسيات أجنبية وعربية "، مؤكدا أن "المقاتلين يتدفقون يومياً من 10 دول عربية وأفريقية حيث من المنتظر أن يلتحق بالتنظيم 1500 مقاتل جديد خلال الأيام القادمة ". تهريب 7983 قطعة سلاح نحو مصر وأوضح أن "80 قيادياً إرهابيا سواء من أمراء القاعدة أو داعش يتواجدون حالياً في الأراضي الليبية ، حيث يسعى التنظيم للسيطرة على الحقول النفطية . المسالك التي يتسلل منها المقاتلون بهدف الانضمام للتنظيم ، فهي عبر الحدود الليبية التونسية في حين أن الجنسيات العربية الأخرى عبر الحدود المصرية ، والحدود مع النيجر بالنسبة للمرتزقة الأفارقة المرتبطين بالتنظيم الإرهابي "، بحسب التقرير. وأفاد بأن "التنظيم يستعمل شبكات التواصل الاجتماعي "فيس بوك " و " تويتر " و"يوتيوب"، لتجنيد المقاتلين في مختلف دول العالم ، حيث تنتشر مراكز التدريب بمناطق في شرق ليبيا ، وأشار إلى أن هناك مقاتلين يتم جلبهم عن طريق الطائرات ". وأضاف التقرير عن رصد عملية إمداد بالسلاح ، بعد حادثة ذبح الأقباط المصريين "، أن عدد قطع السلاح المنتشرة في ليبيا اليوم ، يتراوح بين 22و 28 مليون قطعة سلاح ". كما أشار إلى "تواجد 1000 تاجر سلاح ينتشرون في الأراضي الليبية ، وحددت بنغازي محوراً لتمرير وتهريب السلاح أيضاً ، لتنظيم داعش في مصر ، حيث تم تهريب 7983 قطعة سلاح للأراضي المصرية ". في المجال السياسي يتسم الأداء التشريعي (المؤتمر الوطني) والأداء التنفيذي (الحكومة) بالبطء وعدم الوضوح ولا يرقيان إلى مستوى توقعات وطموحات الشارع كما يقول عديد المحللين. وبعد حوالي 5 سنوات على الإطاحة بنظام القذافي ، فإن ليبيا تواجه أزمة سياسية حادة بين التيارات الرئيسية التي يطالب بعضها بتبني نظام فدرالي في البلاد ، في وقت لا تضيع فيه هذه التيارات أي فرصة لاتهام منافسيها بالتعاون مع نظام السابق ، فضلا عن تغليب الأجندات الحزبية على المصالح الوطنية. بل و يشار إلى أنّ الأحزاب التي لا يوجد قانون ينظمها تبتعد كثيرا عن المطالب الأساسية للشعب الليبي وتفتقر للقاعدة الشعبية ، وهو ما عزز حالة الانفلات الأمني . و يؤكد الوضع سعي الأحزاب السياسية لسد الفراغ الذي خلفه إسقاط النظام ، عبر الاستحواذ على مؤسسات الدولة وتعزيز قوتها بميليشيات موالية يطلق عليها الدروع، وهو جاء على حساب "دولة تنحاز للقانون والدستور وتقف على مسافة واحدة من جميع الليبيين". و يصف محللون الأحزاب السياسية الليبية بأنها " غير ناضجة " جراء عدم وجود تجارب حزبية ناجحة في ظل النظام الليبي السابق ، وهو ما برز في الصراعات داخل المؤتمر الوطني وخارجه ، مما استدعى بعض تلك الأطراف للاستعانة بمسلحين والدفع باتجاه سن قوانين على المستوى الوطني تتفق مع أجندتها. و قد دفع التجاذب السياسي التشكيلات التي لها طابع جهوي أو عقائدي أو تلك التي تحمل سلاحا غير شرعي إلى التحرك للاستفادة من هذا الوضع والدفع باتجاه مصالحها"، ما يجعل تجاوز كل هذه المآزق في ليبيا أمرا ضروريا يجتمع من أجله الفرقاء حول طاولة حوار و نقاش و حل سياسي يمتص الأزمة الأمنية و يعيد ليبيا إلى المسار الصحيح طبقا لتطلعات الشعب . و عليه جاءت الجولة الأولى و تبعتها الجولة الثانية من الحوار الليبي في الجزائر التي أخذت على عاتقها تقريب رؤى الليبيين.