إنجاز مختلف المشاريع السكنية الضخمة في إطار البرنامج الخماسي الفارط، مع ما حققه من إيجابيات لا حصر لها من خلال إزالة غبن آلاف العائلات التي إستفادت من سكنات جديدة ضمن مختلف الصيغ كشف من جهة أخرى عن عيوب أو نقائص في مدى الجاهزية الكاملة، والمثالية لمباشرة مشاريع وبرامج من هذا الحجم وهو ما يطالب متعاملو ومهنيو قطاع السكن بدراسة ومحاولة إيجاد حلول مع الإنطلاق في تجسيد البرنامج الخماسي الجديد (2014/2010) ومن أهم هذه النقائص التي واجهتها مؤسسات الإنجاز نقص اليد العاملة المتخصصة والمؤهلة في البناء في وقت أصبحت فيه مجبرة على تحمل تحديات جديدة مقابل المنافسة الشرسة التي تولدت من كثرة مؤسسات الإنجاز، ووفرة المشاريع المهمة والكبرى سواء في إطار هذا البرنامج الضخم الجاهز بمخططاته وميزانيته أو في إطار مختلف المشاريع التنموية الأخرى التي تتضمن إنجاز هياكل ومرافق لا سيما وأن القطاع يواجه في ذات الوقت تحديا آخر هو تحديا لشرط النوعية والجودة في نفس الوقت إذ أن الإهتمام بالطابع الجمالي لهذه السكنات والمرافق عنصر مهم أيضا وهو ما لا يمكن أن يكون دون حيازة خبرة وإختصاص في مختلف تقنيات الهندسة المعمارية الحديثة، التي يجب أن تحترفها اليد العاملة والمشرفة على هذه المشاريع ونخص بالذكر البناؤون بمختلف إختصاصاتهم لأن المهندس أو صاحب المشروع وإن حاز على هذه الخبرة فلا يمكن له تجسيدها في الميدان دون الإستعانة بيد عاملة مؤهلة لها إختصاصها في هذه التقنيات الجديدة ومن تم فإن مشكل نقص اليد العاملة المؤهلة والمتخصصة أصبح يمثل أحد العراقيل المهمة في مواجهة مدى نجاح عملية تجسيد البرامج السكنية فمن غير المعقول الوقوع في نفس الأخطاء السابقة وإكتشاف نفس العيوب التي أنجزت بها مشاريع البرنامج السابق وهي عيوب تتحملها المؤسسات وتحمل مسؤوليتها لهذا النقص في اليد العاملة غير المؤهلة إذ تبرر أغلبها تأخير تسليم المشاريع أو عدم إنجازها وفقا للمعايير المطلوبة بعدم تخصص وعدم مهمة البنائين مخالفات بناء وعيوب في هذا السياق أكد لنا مهندس يمكن يعمل كمراقب تقني للبناء بمديرية السكن بأن 60٪ من المشاريع السكنية التي تخضع للمراقبة التقنية تضبط بها مخالفات بناء وعيوب ما يتطلب إما إبداء ملاحظات شفهية لصاحب المشروع، أو تحرير محاضر مخالفات يشترط تصحيحها قبل مواصلة الأشغال كما صرح هذا الأخير بأن نسبة كبيرة من المشرفين على هذه المشاريع، يبررون وجود هذه المخالفات بنقص تخصص وعدم مهنية البنائين فأحيانا يتطلب الأمر تصحيح هذه المخالفات وعدم الجزء المبني كجدار مثلا وإعادة بنائه من جديد أو نزع البلاط وإعادة تركيبه من جديد، أو إعادة وضع شكبة الكهرباء أو قنوات الماء وغيرها من الأشغال غير المطابقة التي يكلف إكتشافها عدم منح محاضر مراقبة إيجابية للمؤسسة وهو ما يترتب عنه خسارة مالية تتحملها مؤسسة الإنجاز دون تعويض إضافة إلى خسارة الوقت بما في ذلك الوقت الذي إنجزت فيه الأشغال غير المطابقة إضافة إلى الوقت الذي تتطلبه الأشغال الجديدة نفس هذه النقطة أتارتها مؤسسات الإنجاز التي تعتبر المتضرر الأول من هذا المشكل، بإعتبارها الجهة المنشغلة والمسؤولة عن الأشغال المنجزة في نفس الوقت، إذ ورغبة منا لنقل صورة حقيقية حول حجم تأثيرها هذا المشكل ومدى وجوده بورشات الإنجاز إتصلنا بإحدى المقاولات المعروفة والتي أشرفت على إنجاز مشاريع هامة منذ بداية تنفيذ المشاريع التنموية مع نهاية التسعينات وهي مجموعة مقاولة »تونسي عمر« الناشطة بعدة ولايات وهي سيدي بلعباس، وهران، ومعسكر والتي تشغل أكثر من (700) عامل أكد مسؤولها بأن مشكل نقص اليد العاملة المؤهلة يعتبر من أول وأهم العراقيل التي تستخلص فيها جميع المشاكل الأخرى التي تعاني منها (مقاولات البناء) وعلى رأسها تحمل تبعات التأخر في التسليم تكاليف إعادة الإنجاز ومسؤولية المراقبة الدائمة واليومية للأشغال للتقليص من إمكانية إرتكاب الأخطاء 10 عمال مؤهلين من أصل مائة كما أكد محدثنا بأن معايشة هذا المشكل في ورشات الإنجاز، كشفت عن وجود أكثر من 90٪ من اليد العاملة بالبناء غير مؤهلة وغير متخصصة، إذ أن نحو 10٪ منها فقط يمكن الإعتماد عليها وذات خبرة وتكوين ميداني ونادرا ما ترتكب أخطاء أو أشغال غير مطابقة، وهي نسبة ضئيلة جدا خاصة إذ من علمنا بأن ورشات البناء تتطلب تشغيل عشرات بل مئات العمال حسب حجم المشروع، ومن تم فإن العمل مع معدل نحو 10 بنائين مؤهلين في كل مائة عامل مشغل أمر محبط وغير مشجع، ويترتب عنه عدة مشاكل أخرى وخسارة مالية تتحملها مؤسسات الإنجاز بالدرجة الأولى من جهة أخرى أرجع صاحب هذه المقاولة وجود هذا المشكل إلى عدم خضوع هؤلاء لأي تكوين وإكتفائهم بالتدرب بالورشات ولفترات قصيرة تم يفضلون دخول »سوق العمل« قبل اكتساب الخبرة اللازمة ليتفاجأ رب العمل بعد ذلك لإكتشاف النقص الكبير في تأهلهم المهني وهو مجبر على الإحتفاظ بهم وهذا لوجود نقص في اليدالعاملة بالبناء إجمالا ومن تم تحمل العمل معهم رغم ذلك لتفادي توقيف وتعطيل الأشغال وفي هذا السياق صرح ذات المتحدث بأن نسبة قليلة جدا تكاد تكون منعدمة بأغلب ورشات الأشغال من اليد العاملة بالبناء استفادت من فترة تكوين ومتحصلة على شهادة وهي نسبة قد لا تتجاوز 1 أو 2 بالمائة ومن يفسر ذلك عدم الإقبال على تخصصات البناء بمراكز التكوين المهني ونخص بالذكر الحديث عن تخصصات مهني أشغال البناء وليس الإشراف أو المتابعة أما فيما يخص التخصصات أو المهني التي تعرف هذا المشكل وفأكد لنا صاحب هذه المقاولة بأن جميع مهن البناء يعاني ممارسوها من نقص التأهيل والتخصص من البناء إلى التجارة إلى الرصاص إلى العاملين بالتلبيس أو البلاط أو الترصيص وغيرها من المهن التي وعلى الرغم من مدخولها المالي الجيد إلا أنها لا تعرف إقبالا كبيرا لإمتهانها فمثلا يتراوح الراتب اليومي لهؤلاء إجمالا بين 800 و1600 دينار يوميا أي بين 20800 إلى 41600 دينار شهري لكن رغم ذلك لا تلقى هذه المهن إقبالا من طرف الشباب وخاصة بالمدن إذ أن نسبة كبيرة منهم قادمون من المناطق الريفية فمثلا نفس المؤسسة تشغل نسبة كبيرة من هؤلاء العمال القادمين من المناطق الريفية المجاورة وبالتالي تضطر لتوفير وسائل النقل لهم على مسافة تصل إلى أكثر من 50 كيلو متر يوميا. من جانب آخر أثار صاحب هذه المؤسسة ومسيروها مشكل عدم استقرار اليد العاملة بالبناء إذ أن أكثر من 60 بالمائة منهم غير مستقرين بمؤسسة واحدة فتجدهم يعملون لفترة ثم يتوقفون ويتوجهون للعمل ما يؤثر سلبا على سير الأشغال ومرد ذلك هو وجود عرض كبير لفرص التشغيل بسوق العمل بالبناء ورغم ذلك فإن الإقبال على تخصصات التكوين بالبناء كما سبقت الإشارة جد ضعيفة وهو ما صرح به لنا مدير التكوين المهني لولاية وهران. تخصص مرفوض إذ صرح لنا بأنه ومن بين جميع التخصصات التي يفتحها القطاع فإن نسب التسجيل تكون كل سنة ضعيفة بتخصصات البناء والفلاحة وهذا رغم الفرص المتاحة بهذين القطاعين فعن قطاع البناء مثلا يعرف سوق الشغل عرض فرص كبيرة للتشغيل خاصة مع البرامج السكنية الجاري انجازها وتلك التي ستنطلق مع نهاية السنة وهذا مع الشروع في انجاز الحصص السكنية الجديدة في إطار البرنامج الخماسي الجديد 2014/2010 إلا أنه وحتى خلال هذا الدخول المهني الجديد تم تسجيل نقص الضعف في الإقبال على تخصصات البناء رغم توفيرها بعد كبير من المراكز والمعاهد التابعة للقطاع كما أن المكونين في هذه التخصصات ذوي خبرة كبيرة بإعتبارها تخصصات قديمة وكانت موجودة منذ السابق عكس بعض التخصصات الحديثة والتي يكوّن فيها مؤطرون جدد إنما بعض التخصصات يتميز التكوين فيها بالإستفادة من خبرة المكونين الطويلة في هذا المجال، كما أن مختلف المراكز والمعاهد توفر عددا كافيا جدا من المقاعد البيداغوجية للراغبين في التسجيل بهذه التخصصات كما أنها من التخصصات التي لا تتطلب شروطا كثيرة بما في ذلك المستوى الدراسي وفي هذا السياق يوفر القطاع 545 مقعد بيداغوجي في تخصص البناء مع العلم أن العدد الإجمالي لمقاعد التكوين خلال هذا الدخول المهني يتجاوز 18255 مقعد منهم 11200 متربص قديم و7055 متربص جديد بالمقابل يتوجه الشباب نحو تخصصات أخرى كالإعلام الآلي والإلكترونيك بالنسبة للحائزين على مستوى دراسي جيد والحلاقة والميكانيك وغيرها بالنسبة للحائزين على مستوى دراسي غير كاف، غير أنه ورغم الحملات الإعلامية المنظمة بالمؤسسات التربوية وعبر وسائل الإعلام لتشجيع الشباب للتسجيل والتكوين في هذه التخصصات إلا أن الإقبال يبقى دائما ضعيف مقارنة بما يتطلبه سوق العمل من يد عاملة في هذا المجال كما أن بعض المتربصين يسجلون بهذه التخصصات غير أنهم لا يواصلون فترة تكوينهم لأنهم وبمجرد بدايتهم في مزاولة عملهم ضمن عقد التمهين مع مؤسسة معينة أو بورشة الأشغال يندمجون ويفضلون العمل وتلقي راتب بدل البقاء كمتربصون فيقاطعون التكوين وهنا تظهر فئة البناؤون بالورشات غير الحاصلين على شهادات وهنا يكون اندماجهم إيجابي إن اكتسبوا الخبرة اللازمة والكافية بالورشات وأصبحوا مهنيين محترفين لكن غالبا ما يعتبرون أنفسهم مهنيون قبل اكتساب الخبرة اللازمة. العمال الأجانب والإتقان مقابل هذا النقص الكبير في اليد العاملة المؤهلة بالبناء نجد اليد العاملة الأجنبية سواء منها العاملة بطريقة شرعية ضمن مؤسسات انجاز دولية حازت على صفقات بالجزائر أو العاملين بطريقة حرة أو حتى العاملين بطريقة غير شرعية ودون رخص وهذا لتوفر فرص تشغيل بالجزائر في مجال البناء نتيجة نقص اليد العاملة المؤهلة المحلية وهو ما يبرر تكليف مؤسسات انجاز أجنبية لإنجاز المشاريع الكبرى وهذا لحيازتهم على اليد العاملة كمًّا ونوعا ونخص بالذكر المؤسسات الصينية إذ أن ما يقارب 99 بالمائة من الصنيين العاملين بولاية وهران يعملون بورشات البناء وهو ما يمثل 2360 عامل صيني بالبناء بوهران من بين العدد الإجمالي المقدر ب 2387 صيني يعمل بمختلف المجالات بالولاية كما أن الولاية تشغل 18708 عامل أجنبي متحصل على رخصة الإقامة والعمل دون الحديث عن العاملين بطريقة غير شرعية من بينهم 3036 عامل أجنبي بالنباء بمختلف الجنسيات منهم أتراك ويصل عددهم 372 عامل مصريين ويقدرون ب 421 عامل بالبناء إضافة إلى الماليين والأرجنتين والأنغوليين والمغاربة وغيرهم وحول هؤلاء فإن المغاربة يفضلون العمل بطريقة غير شرعية وهم معروفون بأتقان مهن البناء وخاصة الأشغال التزيينية كالبلاط والجبس وفي ذات الإطار فإن وصول الإقتراحات التي ترك فيها بعض المؤسسات كحل لمعالجة مشكل نقص اليد العاملة المؤهلة فإن بعضها يطالب بجلب اليد العاملة الأجنبية المؤهلة وتشغيلها مع مؤسسات انجاز وطنية ومحلية وهذا للإستفادة من تخصصها وخبرتها بدل العمل مع مؤسسات أجنبية مقابل دعم هذه المؤسسات بتخفيض نسب تأمين هؤلاء العمال.