الذكر قوت القلوب وغذاؤها، وحاجة القلب لذكر مولاه ومعرفته والشوق إليه أشد من حاجة البدن للغذاء والماء.ولا يستقيم حال القلب إلا إذا عرف الله فأنس وحشته وتلذذ بذكره وعبادته، بل إن قلب المؤمن لا يشبع أبدا من ذكر الله لأنه كلما ذكر وجد لذة الزيادة والاستمرار للوصول إلى أعلى مراتب المعرفة، وذلك بخلاف القوت المادي الذي كلما أكلت منه أحسست بالرغبة في الانتهاء لقلة الشهية فانعدامها بالشبع ولذلك أمر الله المؤمنين بكثرة الذكر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً{41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{42} هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) إن المؤمن في ذكر متواصل لربه يذكره في كل شؤونه وأعماله وحركاته وسكناته دائم الاستغفار والحمد والثناء على ربه الذي أغرقه في بحر نعمه يتقلب فيها لا يستطيع العيش دونها فقابل النعمة بالذكر والشكر فهو بين نعماء يشكر ربه عليها – وما أكثر نعم الرب على عبده إن هو رآها وعرفها وقدرها قدرها- وبين ضراء تصيبه فيلجأ إلى مولاه يدعو ه خاشعا متضرعا لرفعها أو تخفيفها أو يفرغ عليه صبرا يقدر معه تحمل ما ابتلاه فيكون ذاكرا الله حينما دعاه وحينما لجأ إليه طالبا كشف الضر وعرف أن له ربا قادرا كريما فسأله وتوجه إليه بقلب منكسر مفتقر لما عند الله مستغن عن أيدي خلقه وهذا هو المؤمن غي رفعة وسمو دائم مع السراء والضراء ففي صحيح مسلم عن صهيب قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) لقد كار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعرف الناس وأتقاهم لله كثير الذكر والاستغفار لأنه عرف الله تعالى وذاق حلاوة معرفته وأنسه وجواره وذكره، روى الشيخان عن عائشة قالت:( كان النبي صلى الله عليه و سلم يذكر الله على كل أحيانه). في كل حالاته وأوضاعه وشؤونه في سفره وحضره ونومه ويقضته وأكله وشربه وفرحه وحزنه......... إن ذكر الله نور للقلوب وحياة تسري في نفوس الأحياء وتبعث الروح حتى في الجماد، فالجماد يحيى بذكر الله والحي يموت بالغفلة والنسيان، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( مثل البيت الذي يذكر فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت). إن ذكر الله مجلبة لنفحات الرحمان وطريق إلى أعلى الجنان وطردة لوساوس الشيطان كما في حديث جابر بن عبدالله أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول ( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء ) رواه مسلم. ولذلك عد الغافل عن ذكر الله مغبونا خاسرا وناقصا في كل مجلس أو مضطجع لم يذكر فيه الله تعالى لما فوت على نفسه من فضل الذكر وعرض نفسه لوسوسة الشيطان وقلبه للظلمة والوحشة لما رواه أبو داود عن أبي هريرة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من قعد مقعدا لم يذكر الله [ تعالى ] فيه كانت عليه من الله تِرَةٌ، ومن اضطجع مضطجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ) .والتِّرة النقص والحسرة. إن في ذكر العبد ربه ارتقاء به إلى الملكوت الأعلى ورفع لذكره في الملأ الأعلى يذكر فيه كلما ذكر هو ربه (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ){البقرة 152} وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه و سلم: ( يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) فانظر كيف حاز الذاكر معية الله تعالى وشرف بذكر الله له في نفسه جل وعلا أو علانية في ملأ أفضل وأجل من ملأ أهل الأرض، كل ذلك لما لذكر الله تعالى من فضل وشأن عند الله تعالى. [email protected]