"الطعم" و"المسمن" على موائد ضيوف الولي الصالح أحيت أول أمس الخميس قرية سيدي غالم ببلدية طافراوي بوهران، الوعدة السنوية للولي الصالح سيدي غالم في أجواء بهيجة وخلابة، ولأن السانحة تاريخية والمناسبة عظيمة، فقد أبت "الجمهورية" إلا أن تشارك الزائرين والمدعوين والعائلات الحاضرة فرحتهم بهذه الوعدة المباركة، حيث ومنذ وصولنا في الصباح الباكر، تفاجأنا بالعدد الكبير للخيم المنصوبة والخيول الجميلة التي كانت تتأهب ل"الفانتازيا" التي غالبا ما تشهد حشودا جماهيرية كبيرة، لاحظنا كذلك قيام الكثير من أبناء عرش سيدي غالم وهو يتسابقون من أجل "دعوة" الناس للجلوس بخيمهم من أجل تذوق طبق "الكسكسي" المحضّر بطريقة تقليدية مشهية، تعكس أصالة هذه الأسر الجزائرية الكريمة. بوخلخال و"خيمة لجدود" من بين العائلات التي حرصت على دعوتنا لمشاركة أبنائها وفلذات أكبادها غبطتهم بهذا الحدث الروحي والاجتماعي الذي دأبت على تنظيمه قرية سيدي غالم كل سنة، نذكر عائلة بوخلخال من بلدية سيدي حمادوش ولاية سيدي بلعباس، حيث نصبت خيمتين كبيرتين الأولى للنسوة والثانية للشيوخ والشباب والكهول، ارتشفنا كوب قهوة معهم وبدأنا نسجل انطباعهم بخصوص أجواء الوعدة هذه السنة وهل اختلفت عن السنوات السابقة، ولماذا بات الشباب يعزف اليوم عن المشاركة فيها بالرغم من وصايا الأجداد والأسلاف، كانت الجلسة معهم مشوّقة، حيث تحدث فيها السيد بوخلخال محمد عن التقاليد الضاربة في أعماق أبناء المنطقة، لاسيما المتعلقة بضرورة إكرام وفادة الضيوف، ودعوتهم لوليمة طبقها الأساسي الكسكس والعنب، فضلا عن تحضير الحلويات التقليدية على غرار "المسمن" و"المبسس" صباح يوم كل جمعة، فضلا عن ضرورة تجهيز الخيول بالسروج الجميلة والغالية الثمن، كما استمعنا بإسهاب إلى حديث عمي حايك أحمد من أعيان منطقة عين البرد بسيدي بلعباس، وكيف أنه أوصى أبناءه بضرورة الحفاظ على هذه العادة والموروث الثقافي الأصيل، حيث تسود كل أشكال المودة والتأخي والصلح والتصالح بين المتخاصمين، فضلا عن تلاوة الذكر الحكيم والأبيات الشعرية في مدح النبي عليه الصلاة والسلام. قصائد في مدح النبي والوالدين من محاسن الصدف ونحن نستجوب هؤلاء المشايخ المباركين وإذا بأحد الشباب من مدينة السوقر ولاية تيارت يقاطعنا فجأة ليبدأ في قراءة بعض القصائد في الشعر الملحون عن صفات وشمائل الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث تحوّلت جلستنا إلى ما يشبه الحلقة بعدما دخل على الخط شاعر آخر قادم من تلمسان يدعى لورنيدي لحضري وينحدر أصله من منطقة "الدلاهيم" التابعة لبلدية سيدي حمادوش ولاية سيدي بلعباس، بقصيدة مطولة عن الوالدين حيث تأثر الجميع بكلامها المعبر وحكمها الموزونة، لتتحول هذه "القعدة" الحميمية إلى ما يشبه نادي للشعراء الذين أتحفوا الحاضرين بأحسن ما جادت بها قريحتهم الحاذقة. واصلنا بعدها زيارتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى قرية سيدي غالم، وكم كان المظهر جميلا ونحن نقف على العدد الكبير منم النسوة والأمهات وهن جالسات في ربوة مليئة بأشجار الصنوبر الجميلة، حيث كن رفقة أبنائهن يتناولن غداءهن مقابلات مباشرة الولي الصالح سيدي غالم، وفي أعالي الربوة ولي صالح آخر يدعى سيدي عبد القادر، وكان وقتها العديد من الزائرين يتبركون ببركته ويدعون الله عزّ وجل أن يحفظ بلدنا وشعبنا وقيادته الرشيدة متمنيين استمرار مثل هذه المناسبات الروحية والاجتماعية الحميمية، ولأن الوعدة السنوية المباركة لسيدي غالم تتزامن مع نهاية شهر أوت الساخن، إلا أن حرارة الشمس اللافحة التي كانت ترخي بأشعتها الدافئة على المنطقة لم تمنع ولم تثن العائلات والأسر التي كانت تتدفق أفواجا وجماعات عند مدخل القرية قادمة من مختلف الولايات والمناطق المجاورة من زيارة الولي الصالح سيدي غالم، حيث تفاجأنا بوجود العشرات من الرجال والنساء والعجائز وهم ينتظرون دورهم للدخول إلى الضريح من أجل التبرك ببركته وقراءة آيات بينات من الذكر الحكيم على روحه الطاهرة، لنقصد بعدها سوق القرية التي كان تعج بالباعة الذين جاءوا لعرض بضاعتهم على المشترين والزائرين، حيث اصطف تجار حلويات "النوقة" على طول ميدان الفروسية التي كان ينتظرها الجميع بفارغ الصبر، فضلا عن بعض الباعة الذين كانوا يسوّقون الألبسة التقليدية والبنادق المصنوعة للزينة والديكور، وبالرغم من الأسعار كانت نوعا مرتفعة إلا أن هذا لم يمنع الكثير من المشترين من اقتناء بعض الذكريات لدى عودتهم إلى منازلهم وبعض الحلويات المشهية لأبنائهم، حيث كانت تتراوح ثمنها من 20 دج للقطعة الصغيرة إلى 100 دج وأكثر للكيس الواحد، دون أن ننسى طبعا تدافع الأطفال الصغار على لعبة "الأرجوحة" التي استقدمها أحد الخواص إلى القرية، حتى يخلق أجواء مرحة ويقضي طبعا على مظاهر الروتين التي تشهدها مثل هذه المناسبات. نداء غوالم سيدي حمادوش وفي المساء وتحديدا بعد صلاة العصر، بدأ الخيالة في التجمع بأحصنتهم العربية الأصيلة، وكل واحد منهم زيّن فرسه بأجمل ما يملكه من سرج، وارتدى لباسه التقليدي ينتظر انطلاق "الفانتازيا" أو الفروسية كما يحلو للكثير تمسيتها بذلك، وفعلا وفي جو مفعم بالانبهار والإثارة ورائحة البارود قدم الخيالة أحسن العروض وسط تصفيقات وزغاريد النسوة اللائي حضرن هن كذلك لهذا الحفل البهيج الذي سيبقى خالدا في ذاكرتهم خصوصا وأن وعدة هذه السنة تزامنت مع فوز وهران بشرف تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط وهو ما جعل الفرحة فرحتين والمناسبة مناسبتين، لتنتهي السانحة في المساء بقراءة القرآن الكريم والفاتحة على شهداء المنطقة الذين قهروا فرنسا وجنرالاتها في 18 و20 جويلية 1956. تجدر الإشارة إلى أنه وعلى هامش الزيارة ثمن السيد بوخلخال قدور رئيس جمعية الغوالم للفروسية بسيدي حمادوش، الدعم والعناية التي قدمتها الدولة من أجل إنجاح هذه الوعدة السنوية، مؤكدا أن رجال الدرك الوطني وحتى الجيش الوطني الشعبي بقرية سيدي غالم لم يدخروا أي جهد من أجل ضمان الأمن وسلامة العائلات من الغوالم وحتى المواطنين الزائرين غير أنه وجد نداء لمسؤولي ولاية سيدي بلعباس من أجل تسهيل منحهم رخصة حمل السلاح التقليدي الثقافي حتى لا يواجهوا أية مشاكل لدى تنقلهم من مدينة إلى أخرى للمشاركة في هذه الوعدات من قبل المصالح الأمنية المختصة.