لقد كان لأزمة انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية و مخلّفاتها على الاقتصاد الوطني الأثر البالغ على الخزينة العمومية حيث أشار البنك المركزي في عدّة مناسبات إلى تراجع المداخيل بحوالي 50 بالمائة منذ السنة الفارطة ما انعكس سلبا على ميزان النفقات بشكل عام. و ليست الخزينة العمومية وحدها المتضرر من هذا الوضع الذي يدوم منذ حوالي سنة و نصف بل حتّى العملة الوطنية أصابها ما يصيب الاقتصاد الوطني و حسب الخبراء فقد الدينار الجزائري حوالي 30 بالمائة من قيمته منذ بداية أزمة أسعار النفط و السبب هو أن ما ينتج من قيمة مضافة خارج المحروقات لا يمثّل سوى 5 بالمائة من الناتج المحلي الخام حسب الديوان الوطني للإحصاء التابع للمديرية العامة للجمارك و هذا الوضع دفع خبراء و مختصين و منهم وزراء سابقين في قطاعات حسّاسة و متعاملين اقتصاديين إلى إبداء آراء و تحليل الوضع و انتقاده فأقاموا الدنيا و لم يقعدوها مخافة أن تستمرّ أسعار النفط في الهبوط إلى حدّ الخطر و في سياق انتقاداتهم و تحليلاتهم حاولوا إعطاء صورة معينة عن واقع اقتصاد بلادنا في هذه الظروف و أهم نقاط الضعف فيه مقترحين حلولا منها ما يصلح على المدى القصير و منها ما يصلح على المديين المتوسط و البعيد . و ممّا لا شكّ في صحّته هو ضرورة الخروج من تبعية المحروقات و البحث عن بدائل أخرى للثروة عن طريق انعاش القطاع الفلاحي و مدّه بالإمكانات الكافية ليكون قطاعا منتجا بالشكل المطلوب و كذلك تشجيع الانتاج المحلي عن طريق دفع عجلة الصّناعة من جديد لأنها كانت قبل حوالي 30 ثلاثين سنة تمثّل 40 بالمائة من الناتج المحلي الخام و بالموازاة مع ذلك تشجيع الاستثمار المحلي في القطاعات المنتجة و الخلاّقة للثروة و استرجاع ثقة المتعاملين الاقتصاديين في الإدارة و مختلف الأجهزة التي ترافق نشاطهم و من أهمها البنوك و استرجاع ثقة المتعاملين الاقتصاديين في المنظومة المالية و الإدارية يتطلب إجراء تعديلات و إصلاحات كبيرة و شاملة بحيث يتم من خلالها تحيين الأنظمة المالية لتكون وفق المعايير العالمية حتى يتوفّر للمتعامل الجزائري المناخ الملائم لنمو المال و الأعمال ،فقبل أن يبلغ مرحلة المنافسة العالمية يجب أن يكون منافسا في السّوق المحلي الذي تغلب عليه السّلع المستوردة . إعادة الاعتبار للعملة الوطنية و خلال اللّقاء التكويني الذي جمع متعاملين اقتصاديين و خبراء و ممثلي بنوك الأسبوع الماضي بغرفة التجارة و الصّناعة لولاية وهران أجمع مسيرو المؤسسات و أرباب الأعمال على ضرورة استكمال الإصلاحات التي بدأتها الحكومة الجزائرية على مستوى المؤسسات المالية و خاصّة العمومية منها ،و من خلال تدخلاتهم بدا و كأن انشغالهم واحد و هو إعادة الاعتبار للعملة الوطنية التي فقدت قيمتها في السنوات الأخيرة من جهة و جعلها عملة قابلة للتبديل و ذلك عن طريق فتح سوق تبديل العملات و فتح مكاتب متخصصة و مشروعة لذلك و يرى رئيس الجمعية الوطنية للمصدّرين الجزائريين علي باي ناصري بأنه لا يمكننا أن نجعل المؤسسات المنتجة قوية و قادرة على المنافسة إذا لم ترافقها إدارة قوية و قادرة على استعادة ثقة المتعامل الاقتصادي ،و هذا المطلب حسبه يحتاج إلى اتخاد قرارات جادة و جريئة لتطوير مناخ الاستثمار و الانتاج و مواصلة الاصلاحات التي بدأتها الحكومة لعصرنة البنوك العمومية فيقول بأن مشكلتنا الحقيقية هي البيروقراطية و البطء في اتخاد القرارات حتى في معالجة و تسيير أبسط الحالات و الملفات فلا تزال الاجراءات الإدارية الثقيلة و ما تحتاجه من أوراق و وثائق تعيق حركة المال و الأعمال ،فحان الوقت لاتخاذ قرارات جريئة و حاسمة لإنعاش اقتصادنا و فتح الأبواب للمتعاملين الجادين القادرين على التصدير و هذا ليس أمرا مستحيلا بل أن تتابع القرارات في الميدان و التأكد من تطبيقها حتى يكون لها جدوى . و يرى رئيس جمعية المصدّرين أيضا بأن الوقت حان لإعادة النظر في المنظومة البنكية ببلادنا إذ يعتبر القطاع البنكي من أهم القطاعات الاقتصادية وأكثرها حساسية وتأثيرا في نمو اقتصاديات الدول فهو يحتل مركزا حيويا في النظم الاقتصادية والمالية لما له من تأثير إيجابي على التنمية بشكل عام . و يعد ملف إصلاح المنظومة المصرفية بالجزائر من القضايا التي أثارت الكثير من الجدل في أوساط الخبراء الاقتصاديين و منهم الخبير في الشؤون الاقتصادية من جامعة وهران الأستاذ شوام بوشامة الذي اعتبر بأن البنوك العمومية لا تزال تسيّر بالعقلية الاجتماعية و مشكلتها أنها تخاف المخاطرة و لم ترق بعد بالخدمات إلى المقاييس الدولية ،فدول كثيرة اليوم تخلت في معاملاتها التجارية عن النقد و أصبحت تعتمد على بطاقات الائتمان في كل المجالات و الشفافية هي أساس تداول الأموال لكن النظام المالي بالجزائر لا يزال يسيّر بالطرق التقليدية رغم أن التغيير أمر بسيط يتطلب فقط الجرأة في القرار و الصرامة في التنفيذ . و فيما يخص العملة الوطنية يقول بأنه قد حان الوقت لجعلها سلعة فهي في الأصل كذلك كباقي السّلع الأخرى قابلة للتبديل و لها سعر يحدد في السّوق و يتغيّر بتغيّر الأسعار .و حتى نجعل من الدينار الجزائري سلعة يضيف الأستاذ شوام يجب إعادة له الاعتبار عن طريق فتح مجال تبديل العملات و الانتقال من السّوق الموازي إلى السّوق النظامي الخاضع للقوانين و الضرائب و المراقبة لأن التجارة الخارجية تفرض علينا أن نسير وفق المعايير الدولية . و التجارة الخارجية تتطلب منّا أن نخطو خطوات جريئة فنحن نفاوض انضمامنا إلى المنظمة العالمية للتجارة و نهدف إلى توسيع صادراتنا نحو الأسواق الإفريقية و لنا اتفاقيات تجارية مع عدّة دول بالاتحاد الأوروبي و نستورد حوالي 70 بالمائة من حاجياتنا الاستهلاكية كما أن جاليتنا في الخارج تزداد نموا لذلك طالب الكثيرون و منهم المصدّرون الجزائريون و أرباب الأعمال من الجالية و غيرهم بفتح فروع لبنوك جزائرية بالخارج و خاصّة ببعض المدن الأوروبية لتسهيل عمليات تحويل الأموال و استغلال أموال جاليتنا الجزائرية و كذلك لتأمين التمويل و الاستثمار
فتح وكالات بالخارج مرهون برفع مستوى أداء البنوك و نقلا عن وكالة الأنباء الجزائرية كان وزير المالية عبد الرحمن بن خالف قد صرّح أمام المجلس الشعبي الوطني منذ أيام بأن المنظومة البنكية هي في مرحلة استكمال الإصلاحات و هذا يعتبر شرطا أساسيا للسماح البنوك العمومية بالارتقاء إلى مستوى المعايير الدولية حتى تكون قادرة على الانفتاح على الخارج و تحقيق استثمارات ناجحة ،ففتح فروع لبنوك عمومية خارج الوطن أضاف وزير المالية أمر مستبعد الآن في ظل المعطيات الحالية للقطاع البنكي الوطني رغم أن إجراء كهذا يوفّر للجالية الجزائرية فرص الادّخار و الاستثمار و المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني و يرى مسؤولون ببعض البنوك الوطنية بأن هذه الأخيرة عليها أن تتحكم في أدوات التسيير و التمويل الحديثة و تعمل على عصرنة خدماتها عن طريق عرض منتجات جديدة تسهّل على زبائنها العمليات البنكية و لبلوغ هذا المسعى يجب توفير الامكانيات و الاستعدادات التقنية التي ترقى بهذه المؤسسات إلى المستوى المطلوب و رغم كل المبادرات التي اتخدت لإصلاح النظام المصرفي لا تزال بعض البنوك العمومية متأخرة في الكثير من الأمور و الخدمات ،ففي الوقت الذي طوّرت دول كثيرة أنظمة الدفع و السحب ببطاقات الائتمان لا يزال المواطن الجزائري يشكو رداءة الخدمات ببعض الوكالات البنكية حيث ينتظر زبائنها وصول دفاتر الصّكوك منذ أزيد من سنة و آخرون يخافون استعمال بطاقات الدفع في سحب الأموال ما بين البنوك لما يترتب عنه من اقتطاع للمال مقابل الخدمة ،و ما يميّز جلّ الوكالات هو الطوابير أمام شبابيك السحب أو الدفع . و ما لا شك فيه أن المسار البنكي هو الذي يضمن الشفافية المطلقة في كل المعاملات التجارية و يمكن من تتبع سوق المال و إجبار المتعاملين على احترام القوانين التجارية و الضريبية و الإدارية و استعمال الفوترة و أنظمة الدفع الحديثة التي توفرها البنوك لكل زبائنها ،و رغم كل هذه المزايا يتعمد الكثيرون تسيير أعمالهم و أموالهم خارج الأنظمة المصرفية ما زاد من حجم الأموال المتداولة خارج الخزينة العمومية و بالأسواق الموازية ،و قد حاولت وزارة المالية التقليل من وطأة هذه الظاهرة التي تهدد الاقتصاد الوطني بمنح تحفيزات لهؤلاء لتشجيعهم على الاندماج في المسار القانوني لحركة الأموال و إصدار مراسيم تجبر استعمال وسائل الدفع البنكية في المعاملات التي تفوق قيمتها 100 مليون سنتيم ،غير أن استكمال الإصلاحات يتطلب المزيد من القرارات الجريئة و الفعالية و إلزام البنوك العمومية على عصرنة خدماتها و تأهيل مصالحها وفق المقاييس الدولية