خلافا لما كانت عليه سوق الإسمنت من شبه كساد خلال الصائفة الماضية عندما اضطر مصنع زهانة لإنتاج الإسمنت إلى التوقف عن النشاط لمدة أسبوعين جراء امتلاء أهراء المصنع بمخزون الإسمنت والإسمنت الخام، فإن مبيعات الإسمنت سرعان ماعادت إلى وتيرتها المعهودة، حيث أكد لنا السيد »تيري سانسينتي« مدير مصنع زهانة أن إقبال الزبائن على إنتاج المصنع ازداد عما كان عليه مشيرا الى أن المصنع كان متوقفا لأسباب تقنية من أجل أشغال الصيانة السنوية. مدير المصنع أكد مجددا بخصوص أسعار الاسمنت، ان إنتاجهم يباع بنفس السعر، ولم يطرأ أي تغيير في هذا الشأن وأي زيادة تعرفها الاسعار خارج المصنع فإن هذا الاخير غير مسؤول عنها علما أن السعر المطبق حاليا بالنسبة للمصنع هو 288 دج لكيس الاسمنت وزنه 50 كلغ لا يأخذ منها المصنع سوى 190 دج حسبما شرحه لنا مسؤول المصنع وإذا علمنا أن هامش الربح مسقف قانونا بالنسبة لتجار الجملة والتجزئة في حدود 90 دج في الكيس الواحد، فإن سعرالاسمنت لا ينبغي أن يتجاوز 760 للقنطار الواحد في السوق المحلية، أي 380 دج للكيس الواحد، وهو السعر المتداول حاليا في أسواق معسكر لدى تجار التجزئة في حده الادنى لكنه يرتفع أحيانا ليصل إلى 430 دج للكيس بالنسبة لإسمنت مصنع زهانة، وإلى 400 دج بالنسبة لاسمنت مصنع أوراسكوم بعڤاز، ويعتبر معظم المتعاملين المعنيين بمادة الإسمنت من تجار الجملة والتجزئة والمقاولين وحرفيي البناء وأصحاب البناء الذاتي أن هذه الاسعار معقولة ومستقرة مقارنة بما كانت عليه خلال السنوات الثلاث الماضية ولاسيما خلال العام الماضي عندما تجاوز سعر كيس الاسمنت الألف دج. برودة الطقس لا تساعد المضاربين ولا يستبعد هؤلاء أن تحافظ هذه الأسعار على استقرارها، بحكم حاول الفصول الباردة، واضطرار معظم التجار إلى تدوير البضاعة وتسويقها في أقصر مدة ممكنة اجتنابا لفسادها، وانحسار سوق المضاربة إلى أقصى الحدود، لأنها تفقد أحد أهم العوامل المساعدة، وهو حرارة الصيف التي تمكن المضاربين من التأثير في توازن سوق الاسمنت من خلال التخزين لكميات هائلة من هذه المادة، فضلا عن اكتمال المشاريع الضخمة التي كانت تستهلك معظم إنتاج الجهة الغربية من الاسمنت مثل مشروع الطريق السيار شرق غرب. وبخصوص وفرة المادة فإنه لم نجد بائعا واحدا بالتجزئة على مستوى عاصمة الولاية معسكر لا يتوفر على مخزون لا بأس به من الإسمنت، وإن كان الاسمنت الموجود عندهم كله من إنتاج مصنع أوراسكوم بعڤاز وهو ما يبرزه بعضهم بكون اسمنت مصنع زهانة يوجه بالدرجة الأولى لمؤسسات البناء المنجزة للمشاريع العمومية، هذا وقد لمسنا في نفس الوفرة للإسمنت لدى الحرفيين الذين زرناهم، والذين يحولون المادة إلى »لبنات إسمنتية« للبناء أو لتغطية السطوح، ويلاحظ أحد البنائين بخصوص نشاط هؤلاء الحرفيين، أنه رغم تراجع سعر الاسمنت في السوق المحلية، إلا أنهم استمروا في بيع إنتاجهم من اللوردي والباربان بأسعار مرتفعة. إلا أن هؤلاء يبررون ذلك بغلاء المواد الأولية الأخرى من حصى ورمل فضلا عن أعباء العمال، كما أن الطلب موجود على بضاعتهم، إذ ما من كمية تطلبها لدى هؤلاء الحرفيين إلا وأبلغوك أن التسليم لن يتم إلا في غضون شهر على أقل تقدير ولا تنقصهم الأعذار لتبرير ذلك. المضاربون يبيئون بالخسارة الأكيد الذي يستخلص مما تقدم أن السوق المحلية بولاية معسكر ممونة بكيفية مرضية بمادة الاسمنت، لأنه حتى المضاربين الذين كدّسوا »وصولات التموين« أيام الازمة، للمتاجرة بها أضحوا يتخلصون منها ولو بتكبد بعض الخسارة »حيث أسر أحدهم لمصدر ذي ثقة أنهم يعيدون بيع مثل هذه الوصولات ب5 آلاف دج أقل من ثمن شرائها احيانا، علما أن ثمن الوصل الاصلي ذي 20 طنا هو 115200 دج، وكان المضاربون يبيعونه في ظل الازمة بضعف هذا الثمن أمام مصنع زهانة وهو أمر يعلمه العام والخاص إلا أن للمضاربة ربة تحميها اسمها لامبالاة المصالح المكلفة بالرقابة. وفي هذا الصدد لم نسجل اية عملية لافتة للإنتباه في مجال حجز مادة الاسمنت حتى في أوج الازمة التي عرفتها سوق الاسمنت خلال الصائفة الماضية، وكنا قد رصدنا حصيلة مراقبة هذه السوق خلال الشهر الاخير من العام الماضي والاول من العام الجاري، فقيل لنا أن عمليات المراقبة التي تمت في هذه الفترة لم تسفر سوى عن اكتشاف عدد من الحرفيين من صانعي اللبنات الاسمنتية، يزيد عددهم عن الثلاثين حرفيا كانوا ينشطون بدون استغلال محلاتهم التجارية، مما يدل على أنهم كانوا يعيدون بيع حصصهم من ا لاسمنت في حالته الاصلية وهو ما يعتبر مخالفة في نظر القانون. وكإجراء وقائي أصبحت مديرية التجارة بولاية معسكر، تستقبل كل شهر تقارير عن كميات الاسمنت المسلمة لكل زبون من زبائن مصنعي الاسمنت بزهانة وعڤاز بهدف المراقبة والمتابعة، غير أن العملية هذه تحولت مع مرور الزمن إلى مجرد إجراء بيروقراطي لا يكشف مضاربا وإن كشفه لن يردعه. مصنع زهانة يرفع إنتاجه اليومي إلى 2400 طن وعلى مستوى الانتاج فإن مصنعي ولاية معسكر ينتجان معا حوالي 10400 طن من الإسمنت يوميا، إذ أقدم مصنع زهانة على رفع إنتاجه في أوت الماضي من 1800 إلى 2400 طن يوميا بهدف التخفيف من أزمة الاسمنت السائدة قبل ذلك في السوق حسبما أخبرنا به مدير المصنع في حينه، بينما تصل طاقة التوزيع اليومية الى 3500 طن يوميا، ومع ذلك يبقى هذا الانتاج دون الطاقة الانتاجية الاصلية للمصنع المقدرة ب1.2 مليون طن سنويا أي ما يزيد عن 4500 طن من الاسمنت يوميا. ولاسترجاع هذه الطاقة الانتاجية حدثنا السيد تيري سانسونتي مدير المصنع عن تسطير إدارتهم لبرنامج تحديث وتحسين المصنع من خلال عمليات إعادة تأهيل سلسلة الانتاج الجافة في مرحلة أولى تمت في مارس الماضي باستثمار مبلغه 7.5 مليون يورو، وستتدعم بمرحلة ثانية في مارس المقبل كلفتها 40 مليون يورو، لتأهيل بقية السلاسل الانتاجية وهي استثمارات ساهم الطرف الاجنبي »أسيك« في تمويلها ب35٪ بينما تحمل الطرق الجزائري بقية النسبة تحسبا لحصة كل شريك في اتفاقية الشراكة. ومن جهة أخرى فإن مصنع زهانة قد اختير من بين المصانع العمومية الاربعة التي حظيت بمشروع لتوسيعها، بإقامة سلسلة إنتاج جافة اضافية بتمويل من الدولة، بطاقة إنتاجية قدرها 4500 طن يوميا وهو المشروع الذي قدر مدير المصنع كلفته الاجتمالية مع جميع الملحقات بحوالي 200 مليون أورو ويتطلب 26 شهرا من الاشغال لإنجازه ابتداء من تاريخ التوقيع على الصفقة. أما مصنع أوراسكوم بعڤاز فقد اعلن مديره بمناسبة اطلاق مصنعهم لانتاج 4 أنواع من الاسمنت في أكتوبر الماضي، عن طاقة إنتاجية قطت ب2.5 مليون طن من الإسمنت الرمادي و500 ألف طن من الاسمنت الابيض معتبرا أن انتاجهم هذا يمثل 30٪ أكثر من الانتاج السنوي لعام 2008 ويسعى هذا المصنع الذي اشترته شركة »لافارج« الفرنسية، الى رفع انتاجه السنوي الى 2.7 مليون طن لتلبية الطلب المحلي على هذه المادة. هذا وقد حاولنا التثبت من هذه البيانات من خلال الطاقة الانتاجية اليومية المصرح بها من طرف مسؤولي كل مصنع، وكذا ايام العمل المتاحة في كل عام مع مراعاة مدة التوقف الاجباري للانتاج من أجل أشغال الصيانة السنوية، غير أن محاولتنا أنهت بنا الى أن الانتاج السنوي لمصنعي ولاية معسكر من الاسمنت يقل عن 2.5 مليون طن بدلا من ال3.3 مليون طن المعلنة. هذاو إذا كان لمصنع أوراسكوم بعڤاز فئات عديدة ومتنوعة من الزبائن الذين يربطهم بالمصنع دفتر شروط واضح المعالم، ويعملون على تسويق الانواع الاربعة من الاسمنت التي ينتجها المصنع عبر ولايات غرب البلاد، فإن مصنع زهانة بحكم طابعه العمومي يمنح الاولوية للمقاولين والمؤسسات والمستثمرين المكلفين بإنجاز المشاريع التنموية، وبعد تفشي ظاهرة المضاربة بأسعار مادة الاسمنت، توقف المصنع عن تموين محولي الاسمنت من الحرفيين وكذا تجار الجملة، حسبما افادنا به مدير المصنع في لقاءات سابقة معه يلاحظ أن هذا الاخير يمون مؤسسة توزيع مواد البناء »سودماك« التابعة للمجمع الصناعي للإسمنت الجزائري (جيكا) بحوالي ثلث (1/3) إنتاجه اليومي من الاسمنت أي (ألف طن يوميا) لتسويقها لفائدة مختلف الزبائن الخواص من محولين وتجار الجملة والتجزئة وأصحاب البناء الذاتي، وتعتبر هذه المؤسسة نسبة تاجر الجملة الوحيد بسوق الاسمنت على مستوى ولاية معسكر. وإذا أردنا حوصلة محور الإنتاج يمكنا القول أن إنتاج مصنع زهانة، حتى بطاقة الانتاجية (المضخة) لا يمثل سوى 5٪ من الانتاج الوطني من الاسمنت في القطاع العام وهي ثاني اقل نسبة بعد مصنع سعيدة الذي يساهم ب3٪ فقط من الانتاج الوطني في حين ينتج مصنع الشلف 15٪ ومصنع بني صاف 8٪ اما القطاع الخاص بمصنعين فقط بالمسيلة وعڤاز فينتج أكثر من 30٪ من الانتاج الوطني من الاسمنت بالقطاعين العام والخاص، وهي نسبة أكثر من كافية للتأثير في سوق الاسمنت سلبا أو إيجابا. وحتى على صعيد النوعية، فإن مصنع زهانة ينتج نوعين من الاسمنت أحدهما خاص ومضاد للأملاح يستعمل خاصة في الانجازات البحرية والثاني الاسمنت الرمادي العادي المشهود له بنوعيته الجيدة، إذ أكد لنا السيد تييري سانسينيتي مدير المصنع ان سعي هذا الاخير الى الحصول على معيار الجودة من نوع »إيزو 1401« وهو معيار لا يتوفر سوى لمصنع وحيد في الجزائر حسب أقواله. أما مصنع أوراسكوم بعڤاز، فقد نوع هو الآخر انتاجه من خلال صناعة 4 أنواع من الاسمنت ثلاثة منها عبارة عن الإسمنت الرمادي، وهي ا لشامل المستعمل في جميع أشغال البناء البسيطة و»المتين« الموجه لأشغال الخرسانة، و»المقاوم« الذي يستعمل في مواقع البناء الرطبة، أما النوع الرابع فهو إسمنت أبيض يسوق تحت تسمية »ملكي« ويستعمل خاصة لأشغال الزينة، وباستثناء الاسمنت »المقاوم« الموجه لورشات خاصة وفق الطلب، فإن بقية الانواع كلها متوفرة في السوق وبأسعار معقولة إذا ما قورنت بأسعار العام الماضي.