في أحد اعترافاته يحدثنا الناقد المصري الراحل لويس عوض عن قضية لا تزال إلى يومنا هذا مطروحة للنقاش، وهي قضية علاقة النقد العربي بالفكر الغربي بصفة عامة وبالجهاز النظري للنقد الأدبي الغربي بصفة خاصة، حيث تبرز صعوبات تأسيس رؤية نقدية أدبية وفكرية عربية مستقلة عن الثقافة الغربية ومناهجها و مصطلحاتها. وبهذا الخصوص يقول عوض " أما أنا فكنت أعاني من البلبلة بطريقة أخرى هي التناقض بين العقاد وسلامة موسى وطه حسين، فقد تواجد الثلاثة معا وقد أحطتهم بدرجة عالية من التقدير، هكذا وجدتني حينا رومانسيا يترجم شيلي، وحينا عقلانيا ديكارتيا، وحينا ثالثا يساريا أوروبيا من القرن الماضي". وفي الحقيقة فإن لويس عوض ليس الناقد العربي الوحيد الذي انتبه إلى هذه المشكلة، بل هناك نقاد عرب من الموتى والأحياء قد اعترفوا وما يزالون يعترفون جهرا بتبعيتهم وبتبعية كثير من زملائهم من نقادنا للمناهج النقدية الغربية، ومن هؤلاء الناقدة اللبنانية المعروفة يمنى العيد التي شخصت هذه القضية حيث نجدها تؤكد " وهذا ما يضع نقدنا الحديث، المستفيد من هذه المناهج، في موضع القلق والاضطراب الدائمين، ويفرض عليه، للخروج من هذا الموضع، العمل على تأسيس فكر علمي في ثقافتنا قادر على المساهمة في إنتاج مناهج نقدية علمية لها صفة الكونية". لاشك أن ما أشار إليه لويس عوض ويمنى العيد يمثل في جزء منه تبعية بعض النقاد العرب المعاصرين للمتن النقدي الغربي على مستوى النظرية والمناهج وتطبيق المفاهيم على النصوص الإبداعية، ولكن ينبغي القول أيضا بأن علاقة المثاقفة والتأثر والتأثير بين الثقافات أمر طبيعي وضروري، وبدون ذلك فإن الثقافات تتوقف عن النمو من جهة وتتحول إلى ظاهرة خاصة بعرق ما أو بمجتمعات معينة محدودة ومغلقة على نفسها من جهة أخرى. على أساس هذا يكون انفتاح نقاد الأدب عندنا على المناهج والنظريات النقدية الأدبية الغربية، المستندة إلى الفكر الفلسفي الذي تطور في الغرب خطوة إيجابية. ففي تقديري فإن الحكم الصحيح على جهود طه حسين وسلامة موسى والعقاد والأجيال الأخرى من النقاد العرب الذين ظهروا بعد هؤلاء في مجال توظيف المناهج والنظريات والتيارات الفكرية المدعوة بالغربية، ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة مهمة وهي مدى نجاح النقاد العرب في توطين هذه المناهج والمقاربات ويعني التوطين هنا تعديل وإغناء تقنيات النقد الغربي بسمات عربية لها خصوصية تضاف إلى التجربة النقدية الإنسانية.