قالتْ أمي : لاتنسى بختي.. دع الباب مفتوحًا.. لعله يجيئ ليسلم عليكَ و عليّ.. و على البيتِ.. لليل متسع من السهر.. و لليل متسع من النظر.. إياكَ أن تقول :يا أمي أدخلي .. فراشكِ أنتِ .. دعني أناديه.. دعني أسلّم عليه .. دعني أسخن له العشاء.. دعني أسمعه صوتي.. قلتُ: يا أمي لقد مات بختي.. و لم يبق من رحيله.. إلاّ لحنه الذي جاء.. في رنين الحداثةِ.. لقد بكتْ عنه وهران.. بكى عنه الزملاء من تبسة.. إلى تلمسان.. كأني أراه معنا الآن.. يرتّب ما تيسر لنا من الوقتِ.. كان هنا يناقش أمورنا.. كان هنا يثمّن مواعيدنا.. فإن غاب عنا فجأةً.. أطلنا الحديث عنه .. كي يأتي.. قالت أمي : لا تنسى بختي.. دع الباب مفتوحًا .. لعله يجيئ متأخرً.. إلى البيتِ.. قلتُ : ها أنا ذا أزف لكِ بكائي يا أمي.. أحس أن لمسة " بن عودة ".. لازالت تسكن دمي.. وصوته لازال يسكن صوتي.. ورثائي له لن يزيد.. إلاً حبّا له طوال الوقتِ.. كان " بن عودة " أحلى الأحبّة.. كان يمهد لنا الطريق.. كي نسموا مثل القبة.. كان يقول لنا : إن شوقكم للفجر .. سوف يأتي.. كنا هنا نهدي له ملامحنا.. كنا نسرف عليه حبّنا.. كي يبقى بيننا.. و كان يرسم على وجوهنا أغنيةً.. شكلها كشكل النحتِ.. قالت أمي : دع الباب مفتوحًا.. في أي لحظة قد يجيئ بختي.. قد يعيد للكلام شمسه.. قد يعيد للحنين أمسه.. من الأحد إلى السبتِ.. لقد كان الطفل الذي يسكنه .. يشبه البحر الذي يرسم جماله.. بالحوتِ.. هو الزّهور التي أزين بها .. شرفات البيتِ.. هو النخيل إذا ازداد شموخًا.. أبهج عيوننا على مرأى.. من صهوة الصمتِ.. قلتُ : لقد مات بختي.. قالتْ : دع الباب مفتوحًا.. و إن لم يعد " بن عودة " إلى البيتِ.. الدروب التي أعرفها.. لم يكن " لبن عودة " أن يعبرها.. حتى يصاب برصاص الموتِ.. بن عودة سيبقى حيًا بيننا.. ستبقى ذكراه نحييها في حيّنا.. و سيبقى صداه يعانق صوتي ..