إن ادعاء المرض العقلي أو النفسي أو الجنون من أجل التهرب من المسؤولية القانونية هي حوادث تغص بها محاكم الوطن أبطالها عديمو الضمير من مرتكبي الجرائم و هناك بعض المجرمين بارعون جداً بالكذب ومنهم من يخدع الشرطة أو النيابة وربما حتى محاميه ويتقن دور المجنون أمام اللجنة الطبية للإفلات من العقاب و هي كلها مواقف شاهدناها في جلسات المحاكمة أثناء تغطيتنا اليومية لجلسات المحاكم حيث يوجد العديد من المجرمين يدعون الجنون وسيلة للإفلات من العقاب في ظل عدم وجود خبرات مدققة ومطولة لكشف الصحة العقلية للمجرمين حيث إن المعاينة تكون سريعة ونتائجها حسب رجال القانون غالبا ما تكون غير دقيقة. الاستطلاع الذي أجريناه كان من منطلق وقوفنا على عدد من الحالات التي سجلت بمختلف المحاكم كان أبطالها أشخاص أدينوا بأحكام متفاوتة، منهم من ادّعى الجنون ومنهم من كان فعلا يعاني من حالات جنونية، غير أن انعدام الخبرة التي تعد مطلبا ضروريا للدفاع في كثير من الحالات واعتماد القاضي على السلطة التقديرية، جعل فئة من المجانين تحاكم وتعاقب وفق نصوص قانونية شرعت لكاملي الأهلية و ليس العكس. ويعتبر الشخص المصاب بحالة فقدان العقل بكيفية متقطعة كامل الأهلية خلال الفترات التي يعود عقله إليه ، والفقدان الإرادي للعقل لا يعفي من المسؤولية فقد حددت المادة 13من قانون العقوبات الشخص الذي يعتبر عديم الأهلية، وبالتالي لا يصح منه أي تصرف من تصرفاته إطلاقا و هناك العديد من الأمثلة وقفنا عندها سيما قضية الكهل الذي تورط في قضية مخدرات حيث تم ضبطه و هو بصدد ترويج أكثر من 30 قنطارا من الكيف المعالج و عند القاء القبض عليه من قبل مصالح الأمن أدلى بتصريحات و عند مثوله أمام محكمة الجنايات للمحاكمة ادعى الجنون و بدأ يصرخ و يتلفظ بألفاظ غير مفهومة علما أن قضيته أجلت أكثر من 3 مرات متتالية و كان الأمر مثيرا للشكوك بالرغم من الخبرة التي اجريت له لتكون النتيجة سلبية في حقه . وإن كانت الخبرة العقلية تعد أكثر من ضرورية حسب رجال القانون لإثبات أهلية المتهم وتمتعه بالصفة العقلية التي تجعله مسؤول جزائيا، إلا أن السلطة التقديرية للقاضي في كثير من الأحيان تكون كافية لبناء صورة قبل نطق الحكم، خاصة أنه سجلت عدة حالات يدعي فيها المتهمون حالات جنونية للإفلات من العقاب والتحويل إلى مصحات عقلية بدل قضاء عقوبة السجن. شخص آخر ادّعى الجنون للتهرب من المسؤولية القانونية بعد أن شوه جسم جاره كما حاول شاب يبلغ من العمر 25 سنة رسم صورة أمام القاضي بأنه مجنون وحالته الذهنية غير سوية وذلك ببعض التصرفات التي من شأنها أن توحي للقاضي بذلك، حيث رفض الإجابة على أسئلة القاضي بمحكمة الجنايات فيما يخص تهمة الضرب والجرح العمدي على الضحية الشاب الذي لم يتجاوز سنه 22 سنة، وضل يتظاهر خلال المحاكمة أنه مختل عقليا ويلتفت يمينا وشمالا رافضا مواجهة القاضي غير أن الضحية تقدم من هيئة المحكمة وأكد أن المتهم معروف في حيهم أنه مجرم و يعترض طريق المارة وأضاف أن هذا الأخير اعتدى عليه بسلاح أبيض وسبب له جروحا عميقة على مستوى الوجه. وفي استطلاع لرأي رجال القانون حول الظاهرة، ذكر مصدر قضائي أن ما يزيد عن 500 متهم في قضايا إجرامية يدّعون الجنون أثناء التحقيق لتحويلهم إلى مستشفى الأمراض العقلية بدل السجون، بل إن منهم من بات يتعمد إلى الخضوع للعلاج على مستوى هذه المصحات بادعاء حالة جنونية، وهذا تنفيذا لخطة هدفها الإعفاء من المسؤولية الجزائية بعد حصولهم على بطاقة الإعاقة الذهنية، وسجلت هذه الحالات حسب رجال القانون في كثير من الأحيان لدى المدنين والمستهلكين للمخدرات والحبوب المهلوسة أما عن تعيين خبير فذكروا أنه من صلاحيات القاضي الذي يملك السلطة التقديرية التي تمكنه من تقدير أهمية الخبرة من عدمها، وأكدوا أنه لا توجد مادة قانونية ملزمة للخبرة العقلية، لكن الدفاع يطالب بها في إطار الدفاع عن موكله وإثبات براءته.